درس محاولات الإصلاح في تونس في القرن التاسع عشر
I الاصلاحات العسكريّة والاجتماعيّة في عهد أحمد باي:
(1 العوامل المساهمة في ظهورها:
تزايد الهيمنة الأوروبيّة على العالم العربي والإسلامي المتمثلة في فرض فرنسا معاهدة تجاريّة على تونس سنة 1830 ذات شروط قاسية واحتلالها للجزائر سنة 1830 والتّوسّع الفرنسي في مصر وبلاد الشّام إثر حملة نابليون سنة1798.
استرجاع الدولة العثمانيّة لطرابلس سنة 1835 وخوف تونس من وقوعها في نفس وضع طرابلس.
بروز حركات إصلاح في العالم العربي والاسلامي : في مصر في عهد محمّد علي والتنظيمات الخيريّة العثمانيّة وحرص الدولة العثمانيّة على تطبيقها في كلّ الإيات.
انبهار أحمد باي بماشاهده من مظاهر التقدم في فرنسا أثناء زيارته لها سنة 1846.
2) الإصلاحات العسكريّة:
قام أحمد باي تكوين جيش نظامي عصري على النمط الأوروبي يتكوّن من 27500 جندي و456 ظابط, كما أنشأ البحريّة الحربيّة واقتنى لها 6 سفن من أوروبا وهيّأ لها ميناء بحلق الوادي, وبناء المصانع الحديثة على المنوال الأوروبي للاستجابة لحاجيات الجيش من الذخيرة الحربيّة والأزياء العسكريّة والتجهيزات.
تأسيس المدرسة الحربيّة بباردو سنة 1840 على النّمط الأوروبّي لتكوين الجيش النظامي في مختلف العلوم العصريّة وانتدب لها مدرسين وخبراء عسكريّين من تونس ومن بعض البلدان الأوروبيّة خاصّة من فرنسا وإيطاليا.
3) الإصلاحات الاجتماعيّة:
بعث نواة للتعليم العصري في مدرسة باردو التي كانت لها أبعاد تربويّة اعتنت بتدريس مختلف العلوم العصريّة كالرياضيات والهندسة والتاريخ والجغرافيا… كما اهتمت بالترجمة.
إلغاء الرق على مراحل أوّلها إصدار قرار منع بيع العبيد إلى الخارج سنة 1841 ثم قرار تحرير العبيد في الإيالة سنة 1846.
II الإصلاحات الدستوريّة في عهدي محمّد باي ومحمّد الصادق باي:
.1 الظغوط التي دفعت البايات إلى سنّ الإصلاحات الدستوريّة:
عمل دعاة الإصلاح في على الضغط على الباي محمّد باي لإجراء تغييرات على نظام الحكم للنهوض بالبلاد.
خضع الباي لضغوطات القنصلين الفرنسي والأنقليزي للقيام بإصلاحات سياسيّة خدمة لمصالح بلديهما.
نتيجة هذه الضغوطات وعد الباي بسنّ قانون أو دستور فكان عهد الأمان.
2. عهد الأمان:
كلّف الباي محمّد باي أحمد بن أبي الضياف ومجموعة من رجال الإصلاح بتحرير عهد الأمان الذي تم الإعلان عنه في 9 سبتمبر 1857 وقد تضمن 11 مادّة أقرّت حقوقًا سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة لسكان البلاد التونسيّين والأجانب أهمها:
توفير الأمن لسائر سكّان الإيالة التّونسيّة دون تمييز أساسه الدّين أو اللغة أو اللّون
المساواة أمام الضّرائب والقانون.
تحديد مدّة الخدمة العسكريّة.
بعث مجالس عدليّة مختلطة.
المساواة بين أهل البلاد والأجانب في ممارسة التّجارة والمهن وحقّ الملكيّة
3. دستور 1861:
صدر في عهد الباي محمّد الصّادق باي في 29 جانفي 1861 وتضمّن 14 فصلاً تحدّد حقوق وواجبات العائلة الحسينيّة الحاكمة والوزراء والموظّفين والرّعيّة والأجانب, وأقرّ الفصل بين السّلطات ونظّم العلاقات بينها:
السّلطة التّنفيذيّة: يتولاّها الباي الذي تمّ تقييده بعدّة قوانين, فأصبح مسؤول أمام المجلس الأكبر والمجلس الشّرعي الذي بوسعه خلع الباي إن خالف القانون.
السّلطة التّشريعيّة: مشتركة بين الباي والمجلس الأكبر إذ يقوم المجلس الكبر بسنّ القوانين ثمّ عرضها على الباي والوزراء للموافقة عليها, كما يراقب المجلس الأكبر تطبيق هذه القوانين.
السّلطة القضائيّة: أسندت لمجالس خاصّة تعرف بمجالس الجنايات والأحكام العرفيّة.
تمّ إيقاف العمل بهذا الدّستور أثناء إنتفاضة1864(ثورة علي بن غذاهم) من قبل محمّد الصّادق باي وذلك تحت تأثير أعداء الإصلاح وعلى رأسهم الوزير الأكبر مصطفى خزندار.
III إصلاحات خير الدين التونسي:
شملت إصلاحات خير الدين ميادين متعدّدة:
الإصلاحات الإداريّة والقضائيّة:
قام خير الدين بالعديد من الاجراءات لتنظيم الإدارة المركزيّة والجهويّة والمحليّة مستعينًا بأنصاره من المصلحين الذين عينهم في مواقع هامّة في الدولة مثل الجنرال رستم والجنرال حسين, كما قام بمراقبة الموظفين وعمليّة إسناد المهمات الإداريّة, وحمى السكان من تجاوزات الحكام وحفظ خزينة الدولة من سوء التصرّف.
وظف مرتبات للقضاة وأعاد تنظيم المجالس الشرعيّة ووزعها على الجهات بهدف تقريب القضاء من السكان والتعجيل في فصل القضايا, كما أحدث مجلسًا عدليّا مختلطًا لفصل القضايا الماليّة بين التونسيّين والأجانب.
الإصلاحات الاقتصاديّة والاجتماعيّة:
قام خير الدين بالعديد من الإجراءات لتشجيع الإنتاج والمنتجين حيث خفّظ الضرائب على الفلاحين ووزّع الأراضي المهملة على بعضهم وشجع على غراسة الزياتين والنخيل, كما خفظ الأداءات الجمركيّة الموظفة على البضائع المصدّرة, وأنشأ جمعيّة الأوقاف لتحسين التصرف في اراضي المحبّسة.
إصلاح التعليم:
أعاد تنظيم جامع الزيتونة بتحوير نظام الحضور والامتحانات والشهائد واعتماد المناظرات لانتداب الأساتذة, وحدّد المواد التعليميّة المدرّسة ودعمها بالرياضيات والعلوم الطبيعيّة.
تأسيس المدرسة الصادقيّة سنة 1875 ذات التعليم العصري والمتنوّع.
واجهت إصلاحات خير الدين معارضة شديدة من عدّة أطراف خارجيّة وداخليّة ولم يعد الباي يؤيّده ويحميه, لذلك قرّر خير الدين الاستقالة سنة 1877 ومغادرة البلاد نهائيّا إلى اسطنبول.