ملخص محور الدولة: السيادة والمواطنة – فلسفة – بكالوريا آداب
إذا افترضنا أن إنسانية الإنسان لا تتحقق إلا بسيادته على ذاته في فضاء مدني يضمن له حقوقه ويحميه من كل اعتداء خارجي ويجعل منه مواطنا محترما، وإذا كان وجود الدولة هو أمر ضروري لقيام المجتمع واستقراره، فضمن أي تصور للسلطة السياسية يكون هذا الفضاء ممكنا؟ وهل بإمكان المواطنة بالمعنى الديمقراطي ضمان هذا المطلب؟ ألا يدعونا واقع التعدد والاختلاف اليوم إلى فتح السياسي على أفق إتيقي يؤسس لمواطنة كونية؟ وماهي العلاقة بين المواطنة والسياسة في إطار الدولة؟ وهل تُؤسس الدولة سيادتها على القوة أم على الحق؟ وهل تلجئ إلى العنف المشروع أم تحترم حقوق المواطنة؟ وهل يجوز أن يعتدي النظام العالمي على سيادة الشعوب باسم الدفاع عن حقوق الإنسان؟
كلها تساؤلات تجعلنا نبحث في واقع الوجود السياسي للإنسان و منزلة المواطنة ضمن هذا الوجود.
السيادة هي أساس المواطنة:
الدولة:
تفيد لغة الغلبة والسيطرة والحكم. أما اصطلاحا فهي الجسم السياسي والحقوقي الذي ينظم العلاقات بين الأفراد.
إنها الشكل القانوني للسلطة القائمة على المؤسسات. لكن على ماذا تتأسس الدولة؟ هل على السيادة أم على المواطنة؟ وكيف يُفسد الاستبداد طبيعة الدولة؟ وما السبيل إلى دولة الحقوق والحريات؟
يمكن للدولة أن تستمد سيادتها من قيمة المواطنة خاصة عندما تتمثل في سيادة الشعب نفسه بنفسه (الديمقراطية) وعندما يتكون الشعب من مجموعة من المواطنين الأحرار الذين يمارسون الواجبات التي عليهم ويطالبون بضمان حقوقهم. لكن على ماذا يتأسس معنى السيادة أولا؟ وماذا تعني؟
السيادة: هي السلطة العليا والمطلقة التي تنفرد بالقرار والإلزام وتنظيم العلاقات والتصرف في الأمور التي تجري فوق إقليمها أو خارجه. السيادة ترتبط بالأفراد، نقول هؤلاء الأفراد لهم سيادة مطلقة على أنفسهم أي أحرار في التصرف. كما يمكن أن ترتبط بالدول نقول دولة ذات سيادة أي كيان له استقلالية كاملة في التصرف في شؤونه الداخلية والخارجية دون تدخل خارجي.
لكن ما هي مظاهر السيادة؟
المظهر الداخلي :
وهو أن تبسط السلطة السياسية سلطاتها على إقليم الدولة بحيث تكون هي السلطة الآمرة التي تتمتع بالقرار النهائي.
المظهر الخارجي:
يعني استقلالية الدولة وعدم خضوعها لدولة أخرى. حول هذا الموضوع يقول سبينوزا:”تكون المدينة مستقلة عندما تستطيع أن تحافظ على ذاتها وأن تقاوم الاضطهاد وتكون تابعة لغيرها عندما تعيش على الخوف من جبروت مدينة أخرى.”
إن تصاعد سلطة القانون والعقل هو وثيق الصلة بمبدأ السيادة والدولة المدنية ، والسيادة تعني القوة أو السلطة العليا المطلقة في الدولة التي هي فوق الجميع لأنها أصلا من أجل الجميع، تمثل الإرادة العامة للشعب (روسو) وهي فوق أي إرادة فردية لا تقبل النقاش في حقها حيث تأسست. إن الرأي الذي دعا إلى سيادة الشعب ويحمل الحكام مسؤولية انتهاك الحقوق، ويسمح للشعب بمقاومة حكامه عند ظهور بوادر انحراف واضطهاد، هو رأي جان جاك روسو واضع اصطلاح السيادة الشعبية الذي يدعو إلى توزيع السيادة بين جميع أفراد الشعب، على أساس المساواة بدون تفريق أو استثناء، إلا ما يكون ناجما عن صغر السن أو فقدان الأهلية أو من جراء الأمراض العقلية أو الأحكام القضائية، بحيث تصبح السيادة في هذه الحالة، سيادة مجزأة بين العدد الأكبر، وبعبارة أخرى فإن السيادة هي جمع أصوات المواطنين كافة، لاستخراج الأكثرية منها. إذ يقول روسو:”حالما يوجد سيد لا وجود بعد لشعب يتصف بالسيادة” ويضيف: “لما كان الشعب صاحب السيادة لا وجود له خارج الأفراد الذين يتكون منهم فإنه لا مصلحة له ولا يمكن أن تكون له مصلحة خلاف مصلحتهم”. وبالتالي يرفض روسو تجزيء رجال السياسة للسيادة تبعا لمصالحهم إلى قوة وإرادة ويتبنى فكرة انبناء السيادة على فكرة المواطنة والإرادة العامة بقوله:”إن السيادة لا تتجزأ لنفس الأسباب التي تجعلها غير قابلة للتنازل لأن الإرادة إما أن تكون عامة وإما ألا تكون كذلك: فهي إما إرادة الشعب في مجموعه وإما إرادة جزء منه فقط. وفي الحالة الأولى تكون هذه الإرادة المعلنة عمل من أعمال السيادة ولها أن تسن القوانين. وفي الحالة الثانية ليست سوى إرادة خاصة أو عمل من أعمال الإرادة ولا تكون مرسوما على أكثر تقدير.” فكيف تتجلى السيادة في الواقع الاجتماعي؟
إن تمتع الدولة بالسيادة يعني أن تكون لها الكلمة العليا التي لا يعلوها سلطة أو هيئة أخرى. وهذا يجعلها تسمو على الجميع وتفرض نفسها عليهم باعتبارها سلطة آمرة عليا. لذلك فسيادة الدولة تعني وببساطة أنها منبع السلطات الأخرى (التنفيذية والقضائية). فالسيادة أصلية ولصيقة بالدولة وتميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية الأخرى. والسيادة وحدة واحدة لا تتجزأ مهما تعددت السلطات العامة لأن هذه السلطات لا تتقاسم السيادة وإنما تتقاسم الاختصاص. لذلك يمكن نقد فكرة سيادة الشعب لكونها تجسد علاقة التبعية بين النائب والناخب وحتى العلاقة التمثيلية لا ترتقي إلى درجة التمثيلية الحقيقية. لذلك عند فوكو “ترتبط السيادة بشكل من أشكال السلطة التي تمارس على الأرض ومنتجاتها وخيراتها أكثر من ارتباطها بالأجساد وما تقوم به من أنشطة. وقد بقيت نظرية السيادة وسيلة نقدية موجهة دائمة ضد الملكية ومبدأ منظم للقوانين التشريعية الكبرى التي تسمح بتركيب آليات المجتمع الانضباطي”. ويضيف في هذا السياق النقدي:”إن الأنظمة التشريعية سمحت بنوع من ديمقراطية السيادة الجماعية في الوقت الذي وجدت فيه هذه السيادة مثقلة في عمقها بآليات الإكراه الانضباطي.” لكن كيف يؤدي احترام الدولة لقيم المواطنة إلى اكتسابها لقيمة السيادة؟
المواطنة هي مصدر السيادة:
من هو المواطن؟ وماهي صفات المواطنة؟
يعتقد عامة الناس أن المواطنة تتلخص في الحضور المادي في بلد ما أو أنها تتلخص في مجموعة من الحقوق التي لا يقابلها أي التزام. وهذا الاعتقاد خاطئ لسببين أولا لأنه يقوم ضمنيا على خلط بين المواطن والمواطنة. وثانيا لأنه يخلط بين المواطنة وأصناف الانتماء الأخرى سواء كانت ثقافية أو دينية أو إيديولوجية أو اجتماعية. في حين أن فهم المواطنة تقتضي تحديدها في علاقاتها بالسيادة السياسية وبالديمقراطية وهو ما تفطن إليه أرسطو عندما أقر “المواطن كما حددناه هو على الخصوص مواطن الديمقراطية” والديمقراطية ليست شيئا آخر عدا سيادة الشعب للشعب، وهذا يعني أن المواطن هو عنصر فاعل في الحياة العامة، عنصر فاعل في المدينة.
المواطنة:
هي صفة المواطن الذي له حقوق وعليه واجبات تفرضها طبيعة انتمائه إلى وطن. ومن هذه الحقوق حق التعليم، الرعاية الصحية، الشغل. أما الواجبات، فمنها واجب الولاء للوطن والدفاع عنه، وواجب أداء العمل، وإتقانه. وبناءا عليه فالمواطنة علاقة الفرد بدولته، علاقة يحددها الدستور والقوانين المنبثقة عنه والتي تحمل وتضمن معنى المساواة بين المواطنين.
إن المفهوم الحديث للمواطنة تطور مع الدولة الحديثة التي تعتبر لنفسها السيادة المطلقة داخل حدودها، وأن أوامرها نافذة على كل من يقطن داخل تلك الحدود الجغرافية. لكن ومن أجل منع استبداد الدولة وسلطاتها فقد نشأت فكرة المواطن الذي يمتلك الحقوق غير القابلة للأخذ أو الاعتداء عليها من قبل الدولة. فهذه الحقوق هي حقوق مدنيّة تتعلق بالمساواة مع الآخرين وحقوق سـياسية تتعلق بالمشاركة في اتخاذ القرار السياسي، وحقوق جماعية ترتبط بالشئون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
استنادا لما سبق، أصبحت قيمة المواطنة هي الآلية للحد من الصراعات الإثنية، والعرقية، والاجتماعية، على قاعدة مبدأي عدم التميز والمساواة. في هذا الإطار يصرح سبينوزا: “ينبغي أولا تأسيس مدينة أو أكثر وتحصينها وأن يتمتع جميع المواطنين سواء أقاموا داخل الحصن أو خارجه… بنفس الحقوق الوطنية”.
لقد وقع توسيع مدلول المواطنة فيما بعد لتتجاوز هذه الصفة دائرة المدينة الدولة نحو المواطنة العالمية وهي صفة تلتصق بإنسان يقطن هذا العالم ويتساوى مع الآخرين في هذه القيمة الإنسانية. لقد أضافت نظرية المواطنة في الفكر الحديث إلى الإنسان الحر والعقلاني منظومة القيم الحقوقية الكونية التي تجعل الناس جميعا يتمتعون بحق العيش بكرامة وحرية ويتساوُون في الحقوق والواجبات وخاصة الحق في انتخاب الحكام ومن ينوبهم في تصريف شؤون الدولة والحق في الترشح للمناصب الرئاسية ومختلف الوظائف الموجودة في المجتمع دون أي تمييز وكذلك الحق في مراقبة آليات الحكم ومناقشة تدبير شؤون المدينة مع بقية المواطنين. فما هي حقوق المواطنة؟
تتمثل أهم حقوق المواطنة فضلا عن المساواة القانونية بمجموعة الحقوق الآتية: الحق في السلامة الجسدية والعمل والحق في السكن وحق التعليم والحق في دعم ورعاية الدولة والحق في الخدمات الصحية وحق اللجوء إلى القضاء والحق في الملكية وفي التصرف والحق في الخصوصية وفي اللغة وفي رفض ذكر القومية أو الدين في الوثائق الرسمية والحق في الإدارة الذاتية: للمواطن الحق في انتخاب الإدارة الذاتية والمحلية والبلدية لمنطقته وغيرها من الوحدات الإدارية في الدولة انتخابا مباشرا. كذلك من الحقوق الإجرائية للمواطن الحق في عدم اعتقاله أو استجوابه من قبل أي سلطة بدون أمر قانوني ساري المفعول صادر عن حاكم مختص، والحق في السلام، وفي التضامن الإنساني… ومن هذا المنطلق تحيل المواطنة باعتبارها مفهوم فلسفي قانوني إلى شرطين:
شرط الدولة الوطنية:
وما يستتبع ذلك من إقامة مجتمع وطني يقوم على اختيار إرادة العيش المشترك بين أبنائه.
شرط النظام الديمقراطي:
ومتطلباته للتوازن بين الحقوق والواجبات، بين الخاص والعام، بين الخصوصيات والشمول . وباختصار، “فالمواطنة مفهوم تاريخي شامل ومعقد له أبعاد عديدة ومتنوعة منها ما هو مادي قانوني، ومنها ما هو ثقافي سلوكي، ومنها أيضا ما هو وسيلة أو غاية يمكن بلوغه تدريجيا، لذلك فإن نوعية المواطنة في دولة ما تتأثر بالنضج السياسي والرقي الحضاري”. واضح إذن، أن المواطنة، خيار ديمقراطي اتخذته مجتمعات معينة، عبر مراحل تاريخية طويلة نسبيا. فما هي أبعاد المواطنة؟
إن غاية الديمقراطية ومبدؤها هو تخليص الناس من سيطرة الشهوة العمياء والإبقاء عليهم بقدر الإمكان في حدود العقل بحيث يعيشون في وئام و سلام. إن المواطنة حقوق وواجبات وهي أداة لبناء مواطن قادر على العيش بسلام وتسامح مع غيره على أساس المساواة وتكافئ الفرص والعدل، قصد المساهمة في بناء وتنمية الوطن والحفاظ على العيش المشترك فيه، ولمفهوم المواطنة أبعاد متعددة تتكامل و تترابط في تناسق تام. فهي تهدف كذلك إلى إشباع الحاجيات المادية الأساسية للبشر والحرص على توفير الحد الأدنى اللازم منها ليحفظ كرامتهم وإنسانيتهم.
ويترتب التمتع بالمواطنة سلسلة من الحقوق والواجبات ترتكز على أربع قيم محورية هي:
أولا: قيمة المساواة:
التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حق التعليم، والعمل، والجنسية، والمعاملة المتساوية أمام القانون والقضاء، واللجوء إلى الأساليب والأدوات القانونية لمواجهة موظفي الحكومة بما في هذا اللجوء إلى القضاء.
ثانيا: قيمة الحرية:
التي تنعكس في العديد من الحقوق مثل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل داخل الوطن، وحق الاحتجاج على قضية أو موقف أو سياسة ما، حتى لو كان هذا الاحتجاج موجها ضد الحكومة، وحرية المشاركة في المؤتمرات أو اللقاءات ذات الطابع الاجتماعي أو السياسي. هكذا يمكن اعتبار المواطنة كمجموعة من القيم لتدبير الفضاء العمومي المشترك .
لكن الأمر الذي يثير إشكالا هو ظهور الدولة العالمية والمواطنة العالمية حيث تعرض مستقبل السيادة الوطنية إلى الخطر في ظل تشريع حق التدخل في سيادة الدول من أجل فرض احترام حقوق المواطنة باعتبارها قيمة كونية، في هذا السياق يقول ريكور:” صاحب السيادة ينزع دوما إلى ابتزاز السيادة ذاك هو الداء السياسي الجوهري” . فهل يؤدي الإقرار بفكرة السيادة العالمية إلى طمس فكرة السيادة الوطنية؟ ألا يوجد تعارض بين سيادة الدول وفكرة المواطنة العالمية؟ وكيف يمكن تحقيق المصالحة بين سيادة وطنية ومواطنة كونية؟
الدولة العالمية والمواطن العالمي:
“كل فرد هو في نفس الوقت مواطن العالم ومواطن دولته”
لقد برز للعيان راهنا، أن الدولة العالمية هي الراعية لحقوق المواطنة عندما يقع الاعتداء عليها من طرف الدولة الوطنية وقاعدتها القانونية فالإنسان ليس فقط موطنا داخل دولة ذات سيادة بل هو مواطن عالمي وموجود في العالم ويطلب من هذه الحكومة العالمية أن تصون كرامته إذا تعرض إلى أي اعتداء. يقول جاك ماريتان:”ستكون الحكومة العالمية دولة عليا منبثقة من كيان سياسي ومفروضة على الدول الخاصة وتتدخل في شؤونها حتى وان جاءت هذه الحكومة نتيجة انتخابات عامة وتمثيل.”
غير أن ارتباط المواطنة بالسيادة العالمية يجعلها في موقف صعب إذ تكون وضعيتها حرجة للغاية ويمكن أن يفقدها الفرد كلما عمد إلى نسيان طبيعتها أو كلّما فسدت الديمقراطية فالسيادة عند “روسو” كما هو الحال عند “مونتسكيو” غير قابلة للقسمة ثم هي مطلقة بما أنها فوق القانون، إذ هي التي ترسي القانون، والخطر يتأتى من ربط السيادة بالدولة إذ قد تتماهى السيادة مع الدولة مثلما هو شأن الخلط بين الدولة والمجتمع المدني وهو خلط حذّر منه “هيغل” عندما نقد نظرية العقد الاجتماعي، فالخلط بين السيادة والدولة والمجتمع المدني والدولة يؤدي إلى ما سماه “سان سيمون” بدولنة المجتمع أي سيطرة الدولة على كل هياكل ومؤسسات المجتمع المدني فنسقط في نوع جديد من الاستبداد السياسي، ولكن نوع خطير بما أنه استبداد باسم الديمقراطية سماه “توكفيل” بالاستبداد الناعم. حول هذا التناقض بين السيادة والمواطنة يصرح هابرماس: “تتمثل النتيجة الأكثر أهمية لحق يقلص من سيادة الدول في كون بعض الأفراد يتحملون مسؤولية شخصية عن الجرائم المقترفة في حق الدولة أو جرائم الحرب”.
ثم إن المماهاة بين السيادة والدولة قد تؤدي إلى تصورات تجزئ السيادة مثلما هو الشأن مع “غروسيس” الذي يحدد السيادة باعتبارها مجموعة مهام يمارسها صاحب السيادة مثل سلطة “صك العملة”، سلطة إقامة العدالة. وكل المهام التي تقوم بها الدولة والتي تُسمى في السجل السياسي الحقوقي المهام الملكية التي تؤسس قوة الدولة والتي يمكن التفريط فيها، والسيادة بهذا المعنى تكون قابلة للقسمة ولذلك كان “روسّو” قد انتقد تصوّر “غروسيس” للسيادة وأقر بكون السيادة كاملة وغير قابلة للقسمة. ذلك أن السيادة في معناها الدقيق هي السلطة العليا، و الذي يمارس هذه السيادة ليس له سلطة فوقه، فمهامه لا ترتبط بأي سلطة أعلى منه، وهو ما يتضمن كون صاحب السيادة حر بصفة كاملة و مستقل. هذه الاستقلالية والحرية للسيادة تتمظهر في مستوى الحق التأسيسي في الدول الديمقراطية، فالشعب حر في أن يشرع القوانين التي يريد، وحر في أن يراجع الدستور متى شاء، بل وحر حتى في تجاوز الدستور حسب بعض الحقوقيين. كما تتمظهر هذه الاستقلالية في مستوى القانون الدولي فكل شعب حر في تقرير مصيره ويتمتع بمساواة حقوقية مع بقية الشعوب. ذلك أنه إن كانت سلطة السيادة عُليا فإنها بالضرورة غير قابلة للقسمة وهي حق غير قابل للتصرف إذ لا تستطيع أن تكون عليا وأن تتنازل عن جزء من سلطتها لفائدة أي جهة أخرى في نفس الوقت. كما يجب أن نلاحظ أنه ثمة اليوم عدو آخر يترصد بالمواطنة والسيادة معا، إنه هيمنة الاقتصاد والسوق العولمي على السياسي. وأول تداعيات العولمة على المواطنة تتمثل في تحويل المواطن إلى مستهلك. وبالتالي هذه العملية تنخرط في نزعة قوية تتمثل في الحط من شأن السياسة في مقابل إرادة الرفع من شأن السوق باعتباره المجال العالمي لسيادة المواطن. وهكذا تنحط المواطنة إلى الدرجة الصفر من القيمة، وتتوقف حرية الاختيار لدى المواطن عند أنواع الاستهلاكيات في السوق.
إن هذا الانزياح في معنى المواطنة الذي لا يكاد يُرى، إذ يُمرر باسم الديمقراطية ذاتها، يطرح مشكلا خطيرا على الإنساني، مشكل سلب عدد متزايد من الأفراد من مشاركتهم في السيادة، خاصة وأن الخيار الاستهلاكي لا يمثل خيارا عقلانيا بالنسبة للمصلحة العامة، لأنّ المصلحة العامة لا تختزل في مجموع المصالح الخاصة بكل فرد كما تروّج له الفردانية في النظم الديمقراطية المعاصرة.
أن يكون الواحد منا مواطنا عالميا هو أن يعرف وأن يفهم وأن يشارك في حوارات المدينة الذي تمثلها اليوم “القرية العالمية” واللاّتجانس ليس حاجزا وإنما هو مثلما بيّن ذلك “إدغار موران” عامل محرر: “إنه يجعل الإمبراطوريات القديمة والحديثة تنهار ويفضل التجارب والوضعيات الجديدة”.
حول هذا الموضوع يبين كانط أنه “نظرا لأن سيادة الدولة سيادة لا تقهر فإن اتحاد المواطنة العالمية هو فيدرالية بين الدول وليس بين مواطنين عالميين”. من هذا المنطلق يميز موران بين النزعة الدولية ومفهوم العالمية بقوله:”إن التيار الدولي يريد أن يجعل من النوع شعبا أما العالمية فتريد أن تجعل من العالم دولة”. فماذا ينتظر الإنسان من دولة الرفاه الرخوة غير الاستنقاص من السيادة الوطنية في سبيل تسويق دعائي لمنظومة حقوق الإنسان والمواطن؟
ملاحظة: نقل هذا العمل من مصادر مختلفة من الأنترنات
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني