مسرح التّسييس:
إن الظروف والتغيّرات التي تطرأ على المجتمعات، لطالما كان لها أثر بليغ على نمط العيش وتأثيريها على المجتمع ثقافة وتصورا للحياة،ولم يقتصر هذا التأثير على المجتمع فقط بل على نمط الفنّ أيضا، فإن أحداث النكسة لسنة 1967، هذا الحدث السياسي العربي والإقليمي قد عرج بالفرد والمجتمع العربي الذي شعر في فترة بفقدان قيمته إلا أنّ وتيرة الصدمة التي عاشها المجتمع العربي بعد نكسة 1967 لم تدم طويلا بأن صعد جيل واع وناقد حملهم إلى التّصدي لها عبر النمط المسرحي ليميل إلى الجانب السياسي أكثر من السابق، ليتّخذ المسرح منعرجا جديدا في مضمونه وشكله من الناحية السياسية لان المسرح لا يستطيع أن يدير ظهره بأي شكل ما للأحداث السياسية؛
وهذا يعتبر مظهرا إيجابيا بالتالي تكون المسرحية غير مجرّدة عن الواقع ناقدة له متحركة بحركة التاريخ، والتي بدورها تحمل المتفرّج إلى مواكبة حركة التاريخ والأحداث حتى يُدرك أنّ كل ما على الركح ومن مضمون المسرحية إنما هو مرآة للواقع ونقلا لما فيه من قضايا تهمّ المتفرّج الذي بدوره يجب عليه أن يتّخذ موقفا ويكون حافزا على التسييس؛موسوعة سكوول يقول الأستاذ محمد الهاشمي الطرابلسي: ” ومن خصائص مسرح التّسييس عند ونّوس أنه يقوم على حوار بين مسرحتين؛ الأولة هي العرض المسرحي الذي تقدّمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور وتحاوره. والثانية هي جمهور القاعة الذي تنعكس فيه كل ظواهر الواقع ومشكلاته … لكنّ الفجوة بين الحلم والحقيقة كبيرة إذ تحول بين الحلم وتحقيقه حوائل عديدة منها ما يتعلّق بالتقاليد”.
هذا المسرح الذي يقوم على قاعدتين هما “الفكر والفنّ” يقول سعد الله ونوس: “يتحدد مفهوم التسييس من زاويتين متكاملتين، الأولى فكرية وتعني اننا نطرح المشكلة (…) أما الزاوية الثانية (..) تهتم بالجانب الجمالي”.
وفي هذا نجد أن المسرح عند ونوس هو مسرح واع وناقد من مقاصده الارتفاع والرقي بوعي المتفرّج وصلته بالواقع والحضارة، وبالتالي المسرح السياسي ليس غريبا على الفن العربي تحديدا الفن المسرحي الحديث حيث عرّفه ونوس – أي المسرح السياسي –موسوعة سكوول بقوله: “المسرح الذي يهتم بالسياسة بشكل مباشر ويومي وملموس ومحسوس وبحدث من الأحداث، وبقضيّة من القضايا”
هذا الفنّ الذي قصد به الكاتب خلق جمالية على حد عبارة الأستاذ الطرابلسي بأن لم يقتصر التّسييس على الجانب المضموني فحسب بل تعدّاه إلى الجانب الفنّي، والذي يبحث فيه عن المتفرج الذي يتبنّى القضيّة وينقلها إلى أرض الواقع عمليًّا.
مسرح التغريب:
هذا المصطلح إقتنصه سعد الله ونوس من المسرح البريشتي، هذا المسرح اليوم يقوم على جعل مسافة بين المتفرج والعرض المسرحي حتى لا يندمج في المشهد وينصهر في شخصياتها وينفعل معها، بل أراده أن يكون محايدا، أراده الكاتب أن يكون منسلخا عن المشاعر التي تؤثر في العقل من شفقة ورحمة، إذ قصد أن يكون الموقف منبثقا من عقل المتفرج لا موقفا مملى عليه.
وبسط هذا النوع استعمل الكاتب وسائل مثل السرد وتقطيع الحديث به أو بالموسيقى … موسوعة سكوول حتى لا ينصهر مع طول المسرحية قصد التغيير والوعي بما يشاهده …
فليس المطالب به هو التطهير الأرسطي بقدرما هو التغيير المطلوب من المتفرج الذي هو جزء من الأمة ومن المجتمع حيث كسر سعد الله ونوس بالتغريب الجدار الرابع وكسر الإيهام سعيا منه إلى إحياء التغيير والتثوير والتفكير في شخص المتفرج.
ومن الطرق التغريبية هي إزدواجية الدور عند الممثل لكسر الخط النظمي عند المتفرج ليكون الممثل يؤدي دورين كدور الممثل لشخصية منصور والرجل الرابع، وكذلك يظهر التغريب في الجمع بين الماضي والخاضر ليبين أن العصر القديم هو عصر حديث في مضامينه وما تعتريه من إشكاليات واقعية؛موسوعة سكوول وأيضا نجد ونوس أنه قد ارْتَأَى له أن يقوم بتبديل الديكور أمام أعين المتفرجين لا وراء الستار، لأن ونوس لم يعد يهتم بالديكور كثيرا كما نجد ذلك في المسرح الكلاسيسي الذي يعير اهتماما كبيرا للديكور.
المراجع:
المختصر في العربية – قسم الأدب الحديث – للأستاذ الأزهر بنرحومة
مغامرة رأس المملوك جابر (سعد الله ونوس) دراسة نقدية – الأستاذ عماد الحاج ساسي
جذاذات العربية (تلاخيص) إعداد محمد الهاشمي الطرابلسي.
المسرح العربي من خلال مغامرة رأس المملوك جابر و شهرزاد – دار كنوز للنشر والتوزيع
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني