عيناه اللامعتان تدلان على ذكائه اللامحدود… شعره أسود كسواد ليالي الشتاء … جذاب ووسيم… يمتلك مخزون ثقافي رهيب مقارنة بمحيطه وظروفه المعيشية… لكن الأمر المحير هو مالذي جعله يصاب باليأس واللامبالاة إلى هذه الدرجة؟… تمعنت في عينيه
وحركاته و طريقة تعامله مع غيره جيدا… ووجدت أنه شاب لطيف ذو همة وأخلاق عالية … بالرغم من كل الخراب الداخلي المسيطر على روحه وكيانه إلا أنه يتصرف بلطف … أظن أنه يعلم أن كل نفس لها من الهموم ما يكفيها… و يعلم أن الجميع في بحر الألم غرقى …. يجلس بمفرده على طاولة مربعة ويمسك قلما بيده اليمنى ويخط على ورقته بكل ما أوتي من أفكار… يخيط الثوب الأدبي بكل إتقان … يترشف قهوة سوداء كسواد حظه طورا ويكتب طورا آخر … لكن مالذي يكتبه؟ … هل هي قصة؟ أم وصف لما يختلج روحه؟
أم مجرد ملاحظات؟ لا أعلم … الفضول يكاد يقتلني قتلا … لكني بقيت أراقب تعابير وجهه … كان غاضبا ومتألما وعاشقا وفاشلا وناجحا … كلها في آن واحد … قرأت على شفتيه .. كلمة اللعنة … لكن مالذي يلعنه … هل هو الحظ؟ أم الوضع العسير؟ أم اللاشيء المسيطر على كيانه؟ أم أنها إجتمعت كلها وضربته وأردته قتيلا ؟!
لا أعلم أيضا … يخط على الورقة أفكار جهنمية تتقاطر منها الدماء.. لكن دماء من… هل هي دماء حبيبته؟ أم دماء محيطه؟ أم دماء الألم؟ أم دماء حظه؟ … لا إنها دماء يده اليمنى… صاحبة النقش الأدبي … تتقاطر منها الدماء بغزارة وعبث … أظن أن العبارات الإلهامية تتساقط على الورقة دون توقف… قرأت على شفتيه مرة أخرى فالتذهب إلى الجحيم… لكن من يريد إرساله إلى الجحيم… هل هي مادة الرياضيات؟ أم حبيبته؟ أم النادل؟ أم ورقته؟ أم كلهم؟؟ لا أعلم ربما يرسل كبريائه إلى جهنم دون حساب …. أمسك القلم بكل قوته حتى برزت عروق يده … الفضول ينتابني من جديد على من يكتب … هل يكتب على حماقته؟ أم على الغباء المحيط به؟ أم على غباءه؟ أم على برودة دمه القاتلة؟ … أنا متأكد بأنه يكتب على تجاربه الحياتية بالرغم من صغر سنه… و أخيرا إبتسم ووضع القلم … وأعاد قراءة ما كتبه .. لكنه وجد نفسه أذكى بكثير من هذه الحروف المنحوتة على الورقة… فعاد العبوس محتلا وجهه من جديد … حسب ما درست في الفيزياء أن الضغط يولد الإنفجار… لكن هذا الشبح تتخلله إنفجارات باطنية لا يراها أحد.
بقلم: إيهاب سليماني-معهد بئر الحفي