إنسان بقلم :سهى الفرشيشي

مر وقت طويل لم ادخل فيه عالم الكتابة . اهملتها … انشغلت عنها بما يوجد من صراعات في واقعي .. و داخلي .

لذا اريد ان اكتب الان عن صديقتي .. رفيقتي .. من اهرب اليها عندما تضيق بيا الدنيا .. عندما امل نفاق بعض البشر .. في الوقت الذي تصبح الوحدة حلا فعالا و علاجا مجانيا سريعا للحالة … اهرب .. الى ملاذي الاخير .. الكتابة .
كم كتب عنها الادباء و الشعراء و تغنوا … تفننوا في وصف جسدها الورقي الشفاف الطاهر … و سواد شعرها المتشابك بالحروف العريضة … رائحة عطر الورق و هو يتبختر يمنة و يسرة …. تلك النقطة تستقر هناك بعد شقاء نفس طويل .. و تلك الفاصلة منتظرة على قارعة الطريق . بل تعمقوا فيها لعلهم يجدون جوهرها .. فلا هم وجدوا … و لا كلوا محاولات الوجود . فمن انا لاكتب عنها ؟ من انا لتتجرأ على فتح صندوقها المغلق منذ عصر المتنبي و الاصفهاني و ابن رشد.؟ من اكون انا لاقتحم عالما مستقل في اعماق الانسان .. عالم لا يظفر به الا الانسان .. الا من تخطى الحيوانية و تغلب على الغريزة و وجد الماهية و المعنى . انسان كامل و ما الكمال الا لله . انسان تعلم ان يتمخض عن قشرته الفارغة … ان يتمرد على الحدود الضيقة .. ان ينام معانقا السعادة .. محاولا تطبيق القيم . انسان درس الدين و سعى لتغيير حضارة لم تبقى منها الا الاشلاء و الانقاض. انسان فيلسوف .. حكيم .. عطوف .. محب .. يمجد آلهة الاغريق و يؤمن بعالم افلاطون المثالي الفاضل … يتنكر للصراع

الرأسمالي بين الطبقات .. و لا يبالي بخلاف البشر في اختيار يائس بين الروح و الجسد .. بين المادة و المثل . انسان كادح .. عامل .. يحقق كينونته و يوجدها . انسان حر من العبودية الساذجة و كل اشكال الاضطهاد … مسالم .. نقي .. و بشوش .
من اكون انا يا ترى ؟ ذلك النص المسرحي الذي يعبر عن صراعي مع ذاتي .. اميزه جيدا وسط الركام و بين انقاض الماضي .. بارز بروز القمر بعد ليل طويل ملاته السحب و الرعود. من انا؟ اثر باهت بين العصور … قصيدة طويلة تمجد القادة و تتغنى بحدة السيوف . او بعض ابيات من الغزل تترامي بين جسد شهواني فان و روح خالدة بين السطور .. تتحدث عن كائن بديع ذو عينان واسعان وسعة السماء و عميقان عمق البحر و ما فيه من الاف الكائنات . مخططات تنقل محاورات الاولين و ما وصلوا اليه من علم و معرفة …. و ما خلدوه من انجازات و اكتشافات سرى على منوالها الاقدمون . فهل اكون حقا انا .. ذلك الانسان النموذج الذي حاولت الكتابات ايجادي و خلقي ؟
نعم .. انا انسان … انسان تعلم ان يحتفظ بإنسانيته في مكان ما . ربما في ذلك الركن تبكي الدماء .. او هنا واقفة على الاطلال تنتظر عودة الزمن الغابر من الامجاد . من انا ؟


عربي مشتت بين اوطان لا تعد و جنسيات لا تعد . عربي ينزف كلمات .. يطلق الصرخات .. و العالم ابكم لا يسمع غير دوي المدافع و صوت الرشاشات . عربي منكسر في سوريا .. مطعون في ليبيا … مقهور في الجولان .. هحكوم في السودان و مغتصب في فلسطين . عربي من شدة حزنه يتذكر على الدوام انه عربي . قومي يريد لم شمل ذلك الوطن المفكك .. و المنهار . قومي .. يمتلك فكرا تحرريا في ظل حكام يقمعون الافكار النيرة و الحريات … . من انا ؟
ثوري اقود نفسي و جيشها نحو الحلم … اتخذ المسير نحو العودة الكبرى … لونت جسدي باحمر من دماء بني وطني .. و ملأت جيوبي من خضرة و طني و انطلقت ابدد السواد بالابيض من املي . من اكون انا .؟
طفل صغير جائع .. يطلق اخر زفرات الحياة من جسده الصغير .. او انا ذلك المحكوم البريئ بتهمة الدفاع عن شرف و حرمة البيت  لأى غرض اكون ؟
اندد في المنابر و اطالب براحة الشعوب ووحدتها و اعود لمنزلي الفخم و انام مطمئنا على ثرواة تلك الشعوب . او التحي باسم الدين و ازيف القيم و المبادئ و ادعي الشرف و العفة .. و في خلوي لنفسي اكشف عن حقيقتي الكريهة البشعة .
من انا يا ترى ؟؟ من تكون انت ؟ نرغب في اعلى المراتب معتقدين في الخلود و النسيان … فيمر الموت ليحملنا معه الى الضياع . فأي هرب سينفع و اي حل ؟

من اكون ؟
انا انسان تائه و على الكثير من اللوم و استحق لقب السفاح .. قاتل و مجرم و عدو للبراعم الخضراء . لكنني انسان .. مشتت بين النور و السواد .. مضطهد من قبل نفسي و على الدنيا السلام .
انا الانسان

 بقلم :سهى الفرشيشي – كلية الاداب و الفنون الانسانية بمنوبة