تركتني في منتصف الفصل، لم يضيرني ذلك شيئا، تركت لأجلكِ نفسي وأكلت منّي السنين ماتبقّى من عقلي وذكائه وتبلًد كلّ مافيّ، لم يعد للمطر ونزوله طعمٌ ولا لتلاقي الشمس بالبحر مساء كل يوم أهمية لدي.. لم يعد وقت الشروق مقدّسا لي .. صِرت أنام ساعات طِوال وكان شيءٌ بداخلي يشتآقكِ ..
.. ومع ذلك أشعر بألمٍ حآدّ كلًما مرّت أمامي خساراتي الّتي كابدتها مذْ عرفتُكِ ..
كُنتِ دائمة العنفوان و النّضارة، تُشرق الشمس في وجنتيكِ يوما بعد يوم..
وكان شحوب وجهي يزداد، كانت نبرة صوتك تَرٍقُّ بعد كلّ جرعةٍ دمٍ تمتصّينها منّي وكنتُ أنا أزداد خشونةً في طباعي ..
تذكّرينني دائما أنّ سُمّ الدّخان الّذي أشربه سيأتي يوما حاملا أجلي ونسيتي أنّكِ سمٌّ ناعم، تسّلل ريحكُ بين العروق وصار هناك مسكنه ..
أدمنتُكِ حتًى أنني يوم لا ألقاكِ ولا أجدُ ريحكِ تضيق عليً الأرض بما رحُبت، وأصبح كمتعاطي جرعة هيرووين لا أترك شيئا على حاله..
هل يُعقل أنّني لم أنضج بعد.. ؟
لم أنسَى ولم تخرُجيِ منّي .. عينٌ ثآبتة كالقدس، خجلٌ كالشّآمٌ و شموخٌ كالأنآضول ..
وقلبٌ ضعيفٌ لا يقوى على التجاوز … لآزلتِ عآلقةً بي ..
يغلقون الابواب عنّي في غرفة كأنها القبر لا شيء إلا الجدران حولي اود لو أرمي نفسي على الحائط وأصطدم به بكل قوتي فتسيل دمائي أرضا وأستنشق ريحكِ الموجود هناك ولكن الجدران أيضا ناعمة بيضاء !
أسكنوني دارا للمَرضَى وصار صدى صوتكِ ينخر رأسي كالدود .. ضحكاتك الهجينة الّتي أمقتها وأنفرها لكنني بحاجة إليها حتى أعيش ..
كنتِ دائما ماتسخرين من سحابات الدًخان الًتي تحوم حولي كقمة جبل أحاطه الضباب وتخبرينني أنني سأموت على هذه الحالة وسيصيبني السرطان وسأتعفّن بريحهِ وسأصير شيخا هرِما في العشرين .. لكنًنك كنتِ أنتِ موتي وسمًي الزّعاف..
اليومَ أنا أكتُب بماتبقّى لي من روحٍ لا أعلم متى السًراح
أكتُب نفسي اليوم وانا الًذي ملأت مكتبتي وثنايا روحي وفراغ عقلي بالاشعار عنكِ ..
لم يقتلني الدخان ولن يقتلني ولكن شيئٌ ما مات فيّا، شيء ما جعل كل من يلقاني يشفق ويتألمني ..
شُفيتُ منكِ يومَ عدتُ لتأمّل البحر ويومَ صار وقع المطر على ثيابي لا يخيفني ويوم أصبحت أضحكُ بوجهِ الممرّضة ويبدو أنّني سأشفَى من ريحك ساعة بعد ساعة و وجعا تلو الوجع يُمحَى وكذلك أنتِ تُمحين ..
بقلم : جواهر ربعاوي طالبة سنة ثانية علم إجتماع بكلية الاداب والعلوم الإنسانية بصفاقس