مرت سنتان على وفاتها ولليوم لازلت أزور صفحتها بين الحين والآخر لم تربطني بها أي علاقة لا من بعيد ولا من قريب وما أبعد دياري عن دارها لكنها وبشكل ما إخترقت قلبي أو لنقل قلوب الصادقين من حولها فعلت ذلك! إحداهن تم إعدام خاطبها من أيام, تناقلت الصفحات الإخبارية الخبر وإعترضتني صفحتها الشخصية على الهامش, سابقني فضولي طبعا لأضغط على زر البحث وها أنا ذا أقرأ ما كتبت بغصة في الحلق وكسر في الخاطر …
من أيام شاهدت فيلما إيرانيا يروي حادثة واقعية لإمرأة تم رجمها حتى الموت وذلك بعد مؤامرة من زوجها وشهادة زور من أحد الأنذال أتممته وقتها بقلب مليء بالثقوب وعيون شاردة وعقل شد سفره نحو إيران وغيرها من البلدان التي تشم فيها رائحة الموت على بعد أمتار.
في إحدى الصفحات تم نشر مقطع فيديو لأسرى فلسطينين بعد محاكمتهم من الكيان الغاصب , كلهم في أعمار الزهور لا يتجاوزون العشرين ربيعا وبعض الأحلام, أحدهم كان يبتسم للكاميرا بوجه ضاحك ويردد : » مؤبد عشان الأقصى » .
أقسم أني أعدت مشاهدة المقطع أكثر من خمس مرات متتاليات وفي كل مرة أوقفه لأتأمل ذاك الباسم بيد مرتعشة ودمعة حارة نزلت دون سابق إنذار ,أحدهم توفاه الله بعد صراع عنيد مع المرض, مشاركات أصدقائه له لم تنتهي لليوم وكأن طيفه لا يزال يحوم بينهم …
الذين يغادروننا فجأة سواءا عرفناهم أو تعاطفنا مع حالتهم لا يغادرون وحدهم بل يحملون معهم أرواح الذين شيعوهم لمثواهم الأخير.
الموت لا ينتزع روحا واحدة إنما أرواحا عدة, أرواحا لا تزال تضج بالحياة ظاهرها حي يرزق وباطنها ميت ذابل, الغائبون كذلك, فلا مجال لغياب أحد وحده, فكل غائب على وجه هذه الأرض يحمل بين طيات صدره أجزاءا نابضة ممن تركهم خلفه, هذا العالم يضج بالفقد والرحيل
والأسى والقلوب المنفطرة, في كل قلب هناك غرفة صغيرة مظلمة تحتضن في زواياها بقايا العابرين والغائبين والراحلين والبعيدين عن الأعين, أحيانا أتمنى لو كان للمرء أن يجعل قلبه يتسع لكل ثقوب هذا العالم لو كان بإمكان كل قلب سد ثقب وإحتضانه حتى يلتئم, لو كان بالإمكان إيجاد بلسم سحري بمجرد تمريره على الصدر تختفي آثار الندبة ويزول الوجع, لو كان بالإمكان تمطيط الذراعين لتكون كافية لمعانقة كل الأرواح البشرية وضمها لبعضها البعض, نحن يا صديقي أرواح متصلة ببعضها حد الإلتحام و إن تبين عكس ذلك, يكفينا من هذا العالم أن تكون أرواح من نحب بخير لنستطيع نحن الإستمرار , نحن الكاملون بعافيتهم المبتوري النبض بغيابهم .
بقلم :أمل الوسلاتي متخرجة من المركز القطاعي للتكوين في الإكساء بمنوبة