حين تقدم المهندس أحمد لخطبتي ، كان مفتونا بلون عيناي حتى أنه أعاد السؤال مائة مرة إن كانا مجرد عدسات ، حدثني عن نفسه ، عن إعجابه بحجابي و طريقة لبسي ، ثرثر كثيرا و تغزل أكثر ، حتى تلك الشامة في معصم يدي اليمنى لفتت إنتباهه ، كان مهندسا بكل المقاييس ، ثم تقدم نحوي ، إتخذ مكانا بجانبي بعد أن تركنا الأهل سويا لنتعارف أكثر …
– بلقيس ، لطالما حلمت بأميرة صغيرة مثلك تكمل نقصي الكبير ، حلمت بأنثى عظيمة تشاطرني ضعفي ، و حلمت بك تحديدا لتكملي معي نصف ديني و تدخلي بيتي عروسا ، لأكون صادقا معك ، كل من سألتهم عنك كانت إجاباته إجابية ، أنت مثالية بإمتياز .
حينها قررت الخروج من صمتي و أخبرته أنني إمرأة ذات ماضي ، كنت شفافة حد العراء ، فمن العار أن أستر ما مضى أمام زوج المستقبل ، أخبرته أنه ليس الرجل الأول في حياتي ، و أنني أحببت مرة واحدة و من الصعب أن أبدأ من جديد ، أخبرته أن حبيبي هجرني و تزوج بأخرى ، و أخبرته أيضا أن ما أنا عليه اليوم هو بسبب جرحي العظيم الذي لم يندمل بعد ، و أنني صرت لله أقرب بعد ندوب قلبي الكثيرة ، أخبرته أيضا أنني مهندسة لي الكثير من الأصدقاء ، الكثير حيث أنني نسيت أغلبهم و لا أذكر سوى خولة لأنها لم تفارقني .
حاولت أن أضعه في الصورة أكثر ، و إعترفت له أن عناقنا الأول لن يكون الأول بالنسبة لي – و له أيضا – فقد سرقت عطر حبيبي السابق بعد أول عناق و لازالت الرائحة لا تفارق أنفي ، أخبرته أنه كان يحب الشامة أيضا و كان يقبلها كلما رآني .. أخبرته عني ، عن تلك التي لا يعرفها أحد من من سألهم عني قبل التقدم لخطبتي ، أخبرته عن الماضي كله و قبل أن أختم كلامي أعلمته بأنني تغيرت كثيرا اليوم ، و لست ما أنا عليه البارحة ، ولدت من جديد لكن بعض الذكريات مازالت تلاحقني و أنني اليوم لن أسمح له بأن يمسك كفي أو يعانقني ، لانني تغيرت كثيرا ، كما يقول هو » إمرأة ملتزمة » ، ثم ختمت و قلت
– هو هجرني لأنني قطعت من روحي أشلاء و قطعا و أهديته إياها فضنني ساقطة تبيع مخزون أحاسيسها لكل المارة ، لقد كان شرقيا بإمتياز و تزوج إمرأة من إختيار أمه و تركني علي قارعة الطريق أشحذ بقايا روح ميتة ، و اليوم أنت ستتركني لأنني إمرأة ذات ماضي ، هو تركني لأنه كان الأول و أخذ مني روحي و أنت لأنك لست الرجل الأول و لأنني أحمل في ثنايا تجاويفي عطرا و لمسات رجل أخر .
سكت لبرهة ثم رفع رأسه نحوي و قال
– كدماتك كثيرة و أنا لا طاقة لي بتحمل عناء إمراة تنزف جروح رجل غيري ، ثم إنك إمرأة جيدة و جميلة و ستجدين من يفهمك و يحبك ، و في النهاية إنه » مكتوب »
إبتسمت بهدوء ، ناديت أمي ، أخبرتها أن الباش مهندس يريد أن يسلم عليكم قبل الإنصراف ، مد يده ، سلم علي الجميع ، وصل حذوي ، سحبت كفي وضعتها فوق صدري و قلت له و عليكم السلام و رحمت الله و بركاته أنا لاأصافح، إبتسم منكسرا و غادر .
لم يغادر وحده بل أخذ معه كل الماضي خاصتي و جروحا أعاد فتحها و ترك لي إستفهمات أهلي عن سبب رحيله و أكواما من التقزز من شرقيته و من نفسي المكسورة و من الحقير الذي هجرني …
تصالحت مع نفسي ليلتها و أيقنت أن مجتمعي غريب جدا ، رغم أنني تغيرت لكن الماضي أثمن لديهم من حاضري .
بعد أسبوع وصلتني رسالة من الباش مهندس تقول « أعتذر منك و بشدة ، هل تسمحين لي بالتقدم لك مرة أخرى ؟ فكرت بالامر كثيرا ووجدت أنه من العيب أن أظلمك لمجرد انك احببتي سابقا ، لانني أحببت أيضا »
عاودت قراءة الرسالة للمرة الاخيرة ، محوتها و أغلقت الهاتف ، لا احتاج رجلا يتركني علي القارعة مرة أخرى ليعود لي محملا بأكوام الشفقة ، لست بحاجة إلي رجل يتقدم لي و هو يحمل إحتمال التراجع ، إما أن يقرر انني المراة التي يريدها رغم كل عيوبها منذ البداية أو فاليرحل بعيدا ، لا وقت لي للسفهاء أصحاب أنصاف القرارات و المترنحين حول مشنقة التقاليد .
بعد شهر علمت أنه تزوج إبنة خالته التي إختارتها أمه ، لم يحاول حتى المحاولة من أجلي ، حمدا لله أنني رفضت نصف رجل ، و اليوم يمكنني القول أنني تركت خلفي رجلا ، نصف لأحمد و نصف للماضي …
أغلقت المذكرة علي صوت محمود إبني يناديني كي أحمل أخته عائشة لأنها تبكي … مرت اليوم تسع سنوات ، سخرت من الماضي و تطلعت لصورة زوجي علي مكتبه ، داعبت لحيته و حمدت الله أن ما قرأته صار ماضٍ ، و أعدت مذكرتي في درج مكتبه و إنصرفت.
بقلم: وصال عباسي – المعهد العالي للعلوم التطبيقية و التكنولوجية بسوسة