كنت في مقهى إعتدت مذاق القهوة التي يعدها صاحبها و إعتدت طاولته المطلة على البحر و صوت أغانيه القديمة التي تعيدني إلى أيام كنت أجهل فيها هويتي و من أكون…فتحت دفتري و هممت بملئ آخر ثلاثين صفحة فيه… أكتب ما تبقى مني لهذه السنة…أودع ما سبق و أهم بإستقبال الجديد.
في نفس هذا اليوم من السنة الفارطة لم أكن هذه الفتاة أبدا…أوشكت على الإستسلام…أغلقت نوافذ المستقبل و طمست معالم الحاضر و قيدت نفسي بماض لم أستطع تجاوزه…كنت أنتظر نهاية اليوم لأكتب عنه…عن فشلي في المحاولة لجعله يوما يستحق التدوين…
كنت أخط حروفا متعبة منهكة لعبارة ملت صفحات دفتري « اليوما أيضا لم أستطع أن أكون شخصا أفضل » …سافرت بي الذكرى حيث كنت وحيدة أجر الخطى نحو المجهول…تخنقني ظلمة القاع…و يرعبني مشهد حافة الهوة حيث أقف…أهملت دراستي و صحتي…كنت سببا في حيرة أمي و قلقها…
كنت كرجل آلي يعيد نفس الحركات لا لشئ غير أنه أعد للقيام بها…انعزلت عن العالم في زاوية غرفتي المظلمة…و كتبت نفس العبارة « عجزت أن أكون شخصا أفضل » حتى صرت أكتبها تلقائيا لمدة سنة كاملة و استسلمت لحقيقة أنني لن أكون يوما أفضل مما أنا عليه…
حتى ذلك اليوم ,من شهر ديسمبر تحديدا,الذي نهضت فيه كمن تعرض لصعقة كهربائية…صعقتي الكهربائية أعادت لي عقلي …نظرت إلى نفسي في المرآة…إلى عين أنهكها البكاء و التعب…إلى سواد تحتها يحكي ظلمة أيام عشتها…ثم نظرت حولي إلى غرفتي…إلى كتبي التي كانت تناجيني لأفتحها…إلى خزانتي الممتلئة بألوان لم أكن قادرة على رؤية جمال درجاتها…إلى جدران غرفتي التي تشتاق أشعة الشمس…لم تمنع أمي شهقات تسللت منها لرؤيتي صباحا…أحمل حقيبتي و كتبي و أرتدي ألوانا مشرقة…على شفتاي إبتسامة أمل و في وجنتاي
إرتسم لون الحياة من جديد…
كان ذلك اليوم بدايتي الجديدة…بداية الأحلام…كانت كل الأيام من بعده شاقةو محاولة الوقوف صعبة لكنها لم تكن مستحيلة…عدت إلى الحياة من جديد و تشبثت بها..و صرت أكتب يومي قبل بدايته « بالتأكيد نجحت في أن أكون أفضل » … مازلت أجهل حتى اليوم مصدر تلك « الصاعقة »…تقول أمي « إنها رحمة ربي و حكمته…فبعد الشدة إنفراج »
و أقول « أنها حكمة ربي…دعاء أمي و إصرار بداخلي أن القاع ليس لي »