أحسّت ببرودة تسري في أوصالها، ارتجفت،
و ضمت يديها إلى صدرها، تنهدت بعمق
كانت عيناها تجولان في الظلام المطبق،
كان عقلها غائبا وفكرها تائها، سمعته
يناديها… اتجهت نحو الغرفة بتثاقل،
استندت على الباب و قالت[ماذا تريد؟]
أجابها بدون أن ينظر إليها[ألن تنامي؟]
أجابته بخفوت[سوف أنام بعد قليل]
لف الغطاء حول نفسه، وتدثر جيدا ثم استدار
وهم يغمغم[حسنا]
عادت تجر رجليها جرا جلست على كرسي
صغير في المطبخ،استسلمت لأفكارها،
وبدأت تحدث نفسها[آه…ياله من
قدر كل شيء سيتغير، نعم، غدا، سوف
أصبح على الهامش، مر شريط ذكرياتها
كأمواج متلاطمة، ابتسمت حين رأت
صورة زفافها في خضم تلك الصور المتلاحقة،
كان أجمل يوم في حياتها، كانت ترفل
في ثوب السعادة والهناء، توقفت عند
صورة مقيتة[نساء القرية وحسدهن، كل
واحدة منهن تمنت العريس صهرها،
حتى يقال إن فلانة ذاهبة لزيارة
ابنتها في المدينة المدينة، الحلم الذهبي
الذي طالما داعب خيال بناتهن،
هناك كل شيء جميل وجاهز، والماء
متوفر والكهرباء، ذالك لإختراع الرائع،
البديل الباهر لتلك الشموع الخافتة
تتابعت الصور. كومضات من البرق،
وقفت عند صورة حزينة، يوم أكدت لها
الطبيبة المختصة بعد درب طويل من
الفحوصات والتحاليل،استحالة الإنجاب
بسبب مرض السل الذي أصابها في صغرها.
أكدت للطبيبة أنها لم تسعل يوما،
لكن الطبيبة أجابت بابتسامة ممطوطة[
ليس السل الذي يصيب الرئتين إنه نوع
آخر أصاب رحمك
انكمشت في حزن، استسلمت لرغبة زوجها
في الزواج مرة ثانية، عربد الخوف في
أعماقها، الخوف من الغد القريب،
مرت صورة نساء القرية مرة أخرى في
ذهنها وهن يتهامسن حول عقمها،
ويتساءلن عن سبب صبره عليها طوال تلك
السنين، فتهتف إحداهن بحقد بالغ وهي
ترفع حاجبيها إنه السحر دون شك، وتصل
تلك الكلمات المسمومة إلى مسامعها
فتبكي في صمت، ابتسمت بسخرية،
تابعت تفكيرها… نعم إنه السحر سحر
الحب الذي فتر لهيبه مع مضي السنين وخواء
البيت الصغير من ضحكات بريئة.
تنهدت بحزن عميق حين مرت صورة عقد
قران زوجها، كانت تجلس إلى جواره باستكانة
عندما هزها بعنف قائلا بتجهم[إن العدل
يسألك]،نظرت إلى الرجل وقالت بهدوء[
أنا راضية يا سيدي]، وشردت مرة ثانية،
لقد عارض والدها زواج زوجها ونصحها
بالطلاق والعودة إلى القرية، فانتفظت
كمن لدغتها أفعى وقالت[مستحيل..]
ثم همست لأمها وكأنها تحتمي بها من
غضب والدها[إني أحبه، وأحب بيتي،
وأحب المدينة التي تغلغل كل شيء
فيها في أعماقي] امتدت يد زوجها
نحوها حاملة قلما وهو يقول بحزم[
وقعي هنا]أخذت قلما بتردد، نظرت
إلى الحاضرين كأنها تستنجد بهم،
ثم نكست رأسها بحزن، وقعت على
موافقتها، وباركت للعروس دون
أن تبادلها ابتسامتها العريضة
بدأت بوادر الصباح تظهر وهي
لا تزال تفكر وتتنهد المرة،
تلو لأخرى، وتحسد زوجها الذي
يغط في نومه غير عابئ، بآلامها
وأنينها وعيونها التي لم تعد
تستلذ طعم النوم.
بقلم: تسنيم ناشي – المدرسة الإعدادية بتازركة
إقرأ لنفس الكاتبة: دهاليز القلب – بقلم: تسنيم ناشي