ملخص محور العلم بين الحقيقة والنمذجة – بكالوريا شعب علمية

ملخص محور العلم بين الحقيقة والنمذجة – بكالوريا شعب علمية

النموذج هو التمثل الذهني لشيء ما ولكيفية اشتغاله، وعندما نضع شيئا ما في نموذج، نستطيع أن نقلد اصطناعيا تصرف هذا الشيء وبالتالي الاستعداد لردوده. وهذا يعني أن النمذجة ليست إلا الفكر المنظم لتحقيق غاية عملية، ذلك أن النموذج هو نظرية موجهة نحو الفعل الذي نريد تحقيقه. فالنمذجةهي أداة أو تقنية تمكن الباحث من بناء الظاهرة أو السلوك عبر إحصاء المتغيرات او العوامل المفسرة لكل واحدة من هذه المتغيرات، فهي تمش علمي يمكن من إعادة إنتاج الواقع افتراضيا. وهكذا فالنموذج تركيب نظري يتمثل من خلاله المنمذج عملية فيزيائية أو بيولوجية أو اجتماعية، ونقصد بالتمثل أو التمثيل هنا أن النموذج يقوم على افتراضات تبسيطية.

أبعاد النمذجة:
البعد التركيبي – البعد الدلالي – البعد التداولي.

نمذجة الواقع تكون عبر إجراء تركيبي يقوم على الترييض والاكسمة والصورنة يتيح تقولب ظواهر الواقع ضمن صور مجردة = إنشاء صو قابلة للتفسير على النحو الذي نستثمرها فيه: قوالب ندرج داخلها المعطيات التي نسعى الى فهمها.

الاكسيومية: أو منظمة الأوليات والأولية هي قضية واضحة يقع التسليم بها دون إقامة البرهنة عليها. اقترنت بالرياضيات من خلال توخي المنهج الفرضي الاستنباطي الذي اعتمدته سائر العلوم وتنتج بناء عليه نماذج متعددة.

البنية: تتشكل من عناصر تخضع الى قوانين تسمى تركيبية وهي ليست مجرد روابط تراكمية ولكنها تمنح الكل بصفته كلا خصائص المجموعة المغايرة لخصائص العناصر. يقول بياجيه: » مجموعة تحويلات تحتوي على قوانين كمجموعة تغتني بلعبةالتحويلات نفسها دون أن تتعدى حدودها أو تستعين بعناصر خارجية ».

الصورنة: هي الأسلوب الذي تتوخاه النمذجة لما تتيحه من نفاذ الى أعمق دلالات الواقع المنشأ وأوسعها على أساس ما تمنحه البنية والترييض والاكسمة من صور تفتح على تفسيرات متعددة لمجالات مختلفة من الواقع.

تبنى النماذج على أساس خيالي، أي اعتماد فرضيات يتخيل من خلالها المنمذج وضعيات تنسجم مع ما يطرحه من نظرية تمكن من الكشف عن قوانين جديدة.

الواقع والنموذج: ما يقدمه العلم من حقائق ليس إلا أبنية تشيد عبر النماذج، ويحيل فيها النموذج لا على معنى محاكاة الواقع المعطى، وإنما على معنى نسق الرموز الخطية أو الوصفية أو الرياضية أو الصورية المبسطة والمرنة والتي من خلالها نصف موضوعا ملاحظا أو متخيلا أو افتراضيا (موضوع ينتمي الى واقع افتراضي).

مغزى تعدد النماذج: النظريات العلمية ليست موضوعات اعتقاد عند العلماء، وأن هؤلاء يكتفون بقبولها دون تبنيها بحق، بغية التمكن من استعمالها على نحو توقعي.

فبماذا تتصف المعرفة التي تقدمها النظريات العلمية؟

تشير النظرية الى نموذج مقترح لشرح ظواهر معينة بإمكانها التنبؤ بأحداث مستقبلية، لكنها لا تكتسي طابعا مطلقا أو نهائيا لذلك فهي لا تكون « موضوعات اعتقاد عند العلماء ».

يقع العمل على تحسين النموذج وتطويره ليلائم كافة الظروف عن طريق تقليل الافتراضات التبسيطية وتحسين العلاقات ضمن النموذج.

الطريقة العلمية الكلاسيكية كانت تستهدف الظواهر من أجل اختزالها ضمن سلاسل سببية معزولة أو أنها نتيجة ثابتة لعدد غير محدود من المسارات، لكن إزاء تفاعل عدد أكبر من العناصر تفشل الطريقة الكلاسيكية. ثمت مشكلات جديدة برزت عند الإبقاء على المفاهيم الكلاسيكية:

إذا كان العلم الكلاسيكي يفسر الظواهر الملاحظة عبر اختزالها الى وحدات من العناصر المحدودة بصورة مستقلة عن بعضها
البعض، فان العلم المعاصر يعتمد تصورات جديدة برز من خلال إجراءات تنمذج الواقع وفق توجه يرتبط بما يسمى « المجموع » وتنمذج الظواهر التي لا يمكن اختزالها ضمن احداث محلية وتنمذج التفاعلات الحركية التي تتمظهر في سلوك الأجزاء المعزولة أو القائمة في مجموع مركب، أي « أنساق » مختلف الأنظمة التي لا يمكن أن تدرك عبر دراسة أجزائها بصورة معزولة.

إذا كانت العلوم أحرزت تطورها باستقلالية عن بعضها البعض، فإن ما نشهده اليوم هو تغير جذري في المواقف والتصورات بحيث أصبح هناك بفضل النمذجة ملامح متماثلة في العلوم المختلف حتى أننا نجد في ميادين مختلفة قوانين واحدة على المستوى الصوري: في العديد من الحالات تكون القوانين المتشاكلة صالحة لأقسام من الأنساق بغض النظر عن طبيعة المواضيع المدروسة. 

ثمت قوانين عاملة للأنساق يمكن أن تطبق على كل نسق من أي صنف بصورة مستقلة عن مميزاته الخاصة.

الغرض الأقصى يمكن في التخلص من النظر الى العلوم المنفصلة وكما لو أنها مجالات لا تنفط تتوزع إلى أقسام أصغر إلى حد يصبح
فيه كل اختصاص نموذجا صغيرا بلا معنى منفصل عن البقية، على عكس ذلك، ترمي النظرية العامة للأنساق الى تلبية احتياجات عامة للعلوم وتجمع مبادئ رئيسية بين اختصاصات مختلفة. وليس ذلك مجرد برنامج نظري، بل نجد أن النظرية العامة للأنساق تتقدم باطراد في مجال التأليف بين الاختصاصات المختلفة والدراسات المندمجة.

لكن مهما كان حجم هذا التقدم، فإنه لا يحجب عنا ما يرتبط به من نتائج على الصعيد الايتقي. فنحن بصدد إحراز تقدم غير مسبوق في
جميع الميادين المتصلة بحياة الانسان من خلال معرفتنا بالقوانين الفيزيائية التي تتسع وتكتسي جودة متزايدة، وتحكمنا في الطبيعة بواسطة التكنولوجيا فائق النجاعة، والتكنولوجيا الجينية والطب الحيوي، لكن كل ذلك لم يمح المجاعة ولم يقضى على
الحروب ولم ينقذ كرامة الانسان، بل ربما معاناة الانسان اليوم أكبر بكثير مما عرفته الإنسانية في فترات خلت.

يجب انقاذ العلم بإعطائه طابعا اجتماعيا وثقافيا. فالإنسان ليس مجرد كائن طبيعي، بل كائن اجتماعي وثقافي. فالعقلانية
الاداتية التي سعت الى تحرير الانسان قد استعبدته. والمشكل يرتبط حسب ادغار موران بالوعي بالمسؤولية. الوعي بالمسؤولية يفترض إعادة هيكلة لبنيات المعرفة ذاتها.

يعتبر موران ان المسألة العلمية مفرطة الجدية بحث من غير المعقول ان تترك بأيدي العلماء، بل إن هذا الافراط في جدية المعرفة
العلمية يمنع قطعيا من أن تترك بأيدي الساسة والدول. إن المسألة العلمية حسب موران مسألة مدنية تهم المواطنين.

تطور البحوث العلمية والاكتشافات التقنية محكوم بالقوة السياسية وغير مبنى على مسؤولية إنسانية.

لقد أفلتت الإنجازات العلمية والتقنية من تحكم العقل ورقابة القيم، ذلك أن العقل لم يعد قادرا على مراقبة الفعل الإنساني، فاستبعدت بذلك أحكام القيمة التي لا تعد على صلة بالعلم، فلا أخلاق في العلم. إن استحضار القيم والأخلاق في مجال العلم يعني القضاء على الموضوعية. فالموضوعية تقتضي من العالم استبعاد كل المقومات الذاتية واعتماد الحياد في النظر فلا مشاعر ولا قيم ولا أخلاق. لقد أصبحنا امام تقدم هائل للعديد من العلوم، خاصة علوم الاتصال والفضاء وصناعة الادوية والتقنية الحيوية والهندسة الوراثية،وغيرها.

وهو ما مكن الانسان من القدرة على استئصال الملوثات من التربة والماء والقضاء على العديد من الامراض والأوبئة، لكن هذا التقدم أثار بالمقابل قضايا تقتضي المعالجة من منظور فكر نقدي. فكما أن الهندسة الوراثية مثلا استخدمت في العديد من المجالات النافعة للإنسان، فيمكن كذلك أن تضر به، وان تفتك به من خلال حروب جرثومية واستخدام أسلحة بيولوجية.

وعليه، فلا يجادل أحد في أن الإنجازات التي حققتها العديد من العلوم مكنتنا من التغلب على مجموعة من العوائق، دون أن نجاد في نفس الوقت بأن العديد منها وضعنا أمام قضايا تهم القيم بالأساس.

 أمام ما يشهده العالم من محاولات النمذجة وسيطرة القيم المادية على القيم الروحية أصبحت العديد من العلوم تطرح قضايا لم
يعهد بها الانسان من قبل. كما أصبحت التقنية تطرح علينا أسئلة لم تعد معرفية فقط، بل أصبحت وجودية بالأساس. وهو ما زاد من مسؤولية المفكر، حيث لم يعد الوضع يتطلب منه البحث عن الحقيقة، بل التصدي كذلك لمختلف السبل المعتمدة لطمسها أو تعطيل تحصيلها.