ملخص الانية والغيرية للشعب العلمية – بكالوريا
الإنساني بين الوحدة والكثرة إذا كان سؤال ما هو الإنساني يتصل بالماهية الإنسانية فهل تعد تلك الماهية واحدة متعالية لا تحتاج إلى الغير أو الآخر أم أنها متكثرة محايثة للأجساد والعوالم والثقافات؟
نقل ثنائية الوحدة والكثر أو الهوية والغيرية من جذورها الانطولوجية الى مجال النظر في الكينونة الإنسانيةداخل العالم من جهة وعلاقة الانسان بالآخرين وبالتاريخ من جهة أخرى، من شأنه أن يغير الأفق الاشكالي كأن نتساءل هل الإنساني معطى ثابت أم صيرورة تتحقق في التاريخ؟ ها هنا لا ينفصل الإنساني عن هذا الأفق العلائقي الإنساني والتاريخي، وهكذا تبرز على سطح المعرفة ثنائية الانية والغيرية.
الإنية والغيرية:
الانية والغيرية مسألة تتصل بالبعد العلائقي بين الانسان وذاته، والانسان وعلاقته بالعالم والتاريخ وعالم الاخرين فما هي دلالة الانية؟ هل الانية هي النفس؟ هل هي جوهر واحد وثابت؟ هل الانية هي الأنا أو الذات المفكرة أو الوعي أو الشعور؟
دلالة الانية تتحدد بمعزل عن الغير:
النفس هي مصدر إدراك الانسان لذاته، والنفس تدرك دون حاجة إلى وسائط، فهي تدرك ذات الانسان وأحواله ومختلف أحوال الجسم على خلاف الجسم الذي لا يمكنه أن يدر بغير النفس.
انية الانسان تتحدد بما هي نفس لا تشترط شيئا آخر خارج طبيعة النفس.
ذات الانسان مغايرة للجسم = الجسم غير الذات، فإنية الانسان تستبعد الغير بأي صورة كان.
إنية الانسان هي النفس التي تسمو على الجسم، فهي تدرك ذاتها وغيرها في حين أنه لا يمكنه إدراك ذاته.
علاقة الانية والغيرية مبنية على التقابل، فالانية ثابتة على خلاف الغير.
إنية الانسان تتحدد بمعزل عن أي شيء آخر ولا تتوقف في إثبات وجودها ومعرفة حقيقتها على عيرها، بل بواسطتها تتحدد سائر الأشياء الأخرى مهما كان نوعها وجنسها وطبيعتها، وليس هناك ما يجعل الانية في حاجة الى الغير.
تحديد ماهية الانا كشيء مفكر وتحديد دلالة الأنا بصفته وعيا = أي شيء أنا؟
= ماهية الأنا / المعرفة بالأنا = ما الشيء المفكر؟ = إنه شيء يشك ويتصور ويثبت….
يبدو أن سؤال ما الإنساني عرف منعطفا مع اعتبار الانسان انية أو ذات واعية، ثمة تغير في السؤال من ما الانسان ما الحيوان الى سؤال ما حقيقة الذات الإنسانية؟ من أكون؟ هل تتحقق انيتي بمعزل عن العالم؟ هل شرط تحقق انيتي الانفصال عن الغير؟ هل يمكن تصور الانية بما هي أنا دون معرفة الجسد؟
يدفعنا هذا السؤال الى مراجعة الدلالة التقليدية الميتافيزيقية للانية باتجاه الكشف عن اقتدار الجسد والانفتاح على الغيرية فهل يمكن أن تتحقق انسانيتي دون وعي بالجسد؟ ألا يمثل الجسد (الرغبة القوة) جسرا لإقامة علاقة مع الغير؟
يوجد الانسان داخل هذا العالم فضاء اللقاء بين الأنا والآخر ذوات تتفاعل فيما بينها وتبني علاقات بينذاتية وتحيي تجارب متنوعة قوامها حضور الجسد في العالم.
إن صورة الغير في فلسفات الذات تبدو فقيرة ولا تكتسي قيمة فاعلة في معرفة الانسان بذاته وفي تحديد طبيعة وجوده وخصائص حضوره في العالم، ولكن الفقر وانعدام الفعالية لا يمكن أن يعنيا الغير في تعينه وبالنظر إلى منزلته الفعلية وإنما يعنيان بالأساس صورة تقترحها ذات « تتوهم » امتلاك يقين مطلق ومعرفة كلية تجعلها في غنى على الآخر والعالم، وهو ما لا يدعمه أي واقع ولا يمكن أن تثبته أية تجربة بشرية.
دلالة الانية تشترط حضور الغير يمكن فهم انسانيتي (ما يحقق انسانيتي، أو ما يؤسسها في ضوء المعرفة بكوامن الذات – جوانب داخلية أو المعرفة بدواعي وجسور الانفتاح على الغير – الجوانب الخارجية) وآليات التجاوز (النقد، القطع النهائي…) للذات (المفكرة والمتعالية والمستقلة عن الغير، الدلالة الميتافيزيقية عموما)، وفق مسارين متكاملين:
أولا: تجاوز الذات المفكرة بغاية معرفة المكونات الداخلية للإنسان شأن انفعالات الجسد أو الرغبات.
ثانيا: تجاوز الذات بما هي فرد لا يحتاج إلى الغير، وفي هذه الحالة نفسهم أن المقصود بالتجاوز هو الدعوة الى مراجعة الذات المنغلقة على ذاتها، قصد إخراجها من ذاتويتها وإقحامها ضمن علاقة مع الغير. والحاصر من هذا إخراج الذات من وهم الذات الساكنة لإحداث التغاير والكثرة بين مختلف أبعادها الداخلية والخارجية.
النفس والجسد
شيء واحد لا يتحدد أحدهما بمعزل عن الآخر: تكشف دراسة انفعالات
الانسان أنه متأصل في الرغبة التي تجعل الانسان
منفتحا على الغير، إما بالتوافق معه من خلال تنمية أواصر التواصل أو بالصراع من أجل
الهيمنة عليه. يقول سبينوزا: » الرغبة هي عين
ماهية الانسان ». فالرغبة هي ما ينمي قدرة النفس على التفكير وما ينمي قدرة
الجسد على الحركة: مبدأ الكوناتيس.
علاقة الانية والغيرية تحكمها الأوضاع المادية الاجتماعية والاقتصادية، فالوعي البشري والأفكار والتمثلات لا تتأسس إلا في خضم ظروف وعوامل موضوعية تحدد علاقة الذات بالطبيعة وبالآخرين. فأشكال الوعي تمثل انعكاسات لمجمل النشاطات المادية والعلاقات الإنتاجية للمجتمع تاريخيا أما البنية التحتية تحدد البنية الفوقية وتتحدد بها. فإنية الانسان تتحدد بالنظر إلى النشاط المادي الذي يحكم علاقته بالطبيعة والاخرين وفق تعبير ماركس.
إنية الانسان
متأصلة في دوافع غريزية مكبوتة في اللاشعور منذ الطفولة مما يجعل
العلاقة مع الغير محدد بمبدأي الإيروس (الحب)
والتاناتوس (الكراهية) ويجعل مبدأ اللذة (اللاوعي / الهو) متعارضا مع مبدأ الواقع والقيم
(الأنا الأعلى). فمبدأ اللذة يعكس نشاطا يهدف إلى تجنب الانزعاج ويبحث عن المتعة
بناء على أن الانزعاج يرتبط بزيادة كمية الإثارة واللذة أو المتعة ترتبط بتخفيض
هذه الكمية وفق ما يراه فرويد.
الغير هو في
الآن نفسه المماثل والمباين، وطبيعة الذات مغلقة ومفتوحة في آن
واحد: الغير إنسان يشاركني إنسانيتي، فهو مماثل
لي، لكنه يتميز عني بخصوصيته، فهو مباين لي.
يقول إدغار موارن: » توجد وحدة إنسانية بقدر ما يوجد تنوع انساني ». فانغلاق الذات حول نفسها، أي مركزيتها تجعل من الغير غريبا، فتنشأ علاقة عداوة.
انفتاح الذات على الغير يخلق شعور التعاطف والصداقة. يقول ادغار موران: » نستطيع إقحام الاخر وإدماجه في الأن بالتعاطف والصداقة والحب ».
بناء على ذلك يمكن أن نرصد أشكالا متعددة لعلاقة الانية والغيرية:
التناظر: فالغير يعكس نظيرا للأنا وعندئذ تتحقق انيتي بالقدر الذي يتحقق فيه غيري، لأني أتحول بدوري إلى غير بالنسبة إلى الأنا الآخر (الصداقة هي العلاقة التي يتأمل في ضوئها الأنا ذاته عبر الآخر كما بين ذلك أرسطو.
المشاركة – التذاوت: الغير لا يمثل شيئا في عالم الأشياء، ولا نحسبه موضوعا خارجيا في قبالة الذات وبمعزل عنها، وإنما هو ذات في عالم الذوات (التعاطف، العلاقة البينذاتية في التصور الفينومينولوجي).
الوعي بالذات يستوجب الآخر، فالغير وسيط ضروري يتوقف تحقيق وعي الذات بذاتها على السيطرة عليه، علاقة صراع تحكم الأنا والغير على النحو الذي ينكشف من خلال جدلية السيد والعبد كما أبرزها هيغل.
الغير عدو يكون مستهدفا بالتدمير والقتل، فالإنسان كائن تحدوه نزعة العدوان والسعي نحو تدمير الآخر.
الغير بما هو سلب لحريتي على النحو الذي أبرزه سارتر: إما أنا أو الآخر، ذلك أن الآخر يحول الأنا إلى موضوع ويستهدفها بالنفي، والأنا بدورها تحول الآخر إلى موضوع وتقوم بنفيه. فينجم عن ذلك النزاع من أجل اثبات الذات والدفاع عن الحرية.
التأكيد على أن أساس ما هو انساني في العلاقة بين الأنا والغير هو الاعتراف المتبادل داخل نطاق الإقرار والقبول بالاختلاف وهو ما سيسمح بضمان لقاء الانسان بالإنسان على النحو الذي صاغه مرلوبنتي بقوله: » إن أي كائن إنساني لا يستعلي على الكائنات الإنسانية الأخرى بشكل نهائي إلا متى ظل عاطلا وجاثما على اختلافه الطبيعي ».