محور التواصل والانظمة الرمزية – فلسفة – بكالوريا (جميع الشعب)
يقدم لكم موقع موسوعة سكوول، محور التواصل الانظمة الرمزية في هذا الجزء الأول الذي سيكون في شكل تقديم وتحليل أول ثم في بقية أجزاءه وإشكالاته في شكل مواضيع انشانية، إضافة إلى نسخة جاهزة للطباعة… مع العلم أن المحتوى يشمل جميع شعب البكالوريا التونسية…
المحور الثاني : التواصل والأنظمة الرمزية (بكالوريا جميع الشعب)
إن علاقة الأنا بالأخر هي علاقة ضرورية إنها حاجة الأنا للأخر وهذه الحاجة….ضمن سياقات متعددة.
سياق أنطولوجي/وجودي لكي يستمر النوع البشري لابد من تناسل وتكاثر وتعاون فكان الأخر ضروري وكان اللقاء بالأخر ضروري لكي يستمر وجود الإنسان.
سياق معرفي أي حاجة معرفية الإنسان أو الذات لا تتعرف على ذاتها ولا تدرك حقيقة وجودها إلا بوجود الأخر أو الغير فالغير مرآة تنعكس فيها حقيقة ذاتي فأنا أكتشف ذاتي إذا كنت خجولا أو كريما او عطوفا ..إلخ.. من خلال الاخرين « سارتر ».
سياق وجداني عاطفي ،الأنا يحتاج إلى الأخر كي يجد في الأخر محب له فيعي بوجوده وإنيته من خلال تجربة الحب « يحبني الأخر إذن انا موجود ».
سياق نفسي الإنسان في حاجة للاخر في حاجة إلى أذن تصغى إليه تخفف ألمه وأوجاعه وإعانته على ما هو في عمق حياتنا النفسية أي ما هو مكبوت في حاجة إلى أن يفصح به فيكون الأخر هو الذي يخلصني من إمكان إنفجار داخلي.
هكذا كان الوجود الحقيقي ليس ذاتيا بل بينذاتيا فالإنسان كائن الماعية ،كائن التواصل ،كائن الوجود مع أنه كائن علائقي.
يقدم الإنسان علاقة مع ذاتي وعلاقة مع الأخر .. إذا كان الإنسان كائن علائقي كائن التواصل فما هي أدوات إمكان هذه العلاقة ما هي الوسائل بأكثر دقة ما هي الوسائط التي تجعل من الوصل إمكانا.
يبدو أننا معا ولكننا لسنا دائما معا فيتراوح وجودنا بين التواصل واللاتواصل بين التواصل الحقيقي والتواصل الزائف، فماذا نقصد بالتواصل؟ هل التواصل هو الاتصال؟
التواصل هو تفاعل « فاعل وفاعل » تبادل الأفكار الأحاسيس المشاعر المواقف التشارك الانفتاح التقاسم الاندماج لكن الاتصال هو انفتاح من قطب واحد ،آحدي البعد.
إذا كان التواصل هو تفاعل وتبادل الأفكار والأحاسيس فإنه يعبر عن الوحدة أي الالتقاء والانخراط الفاعل في الوجود المشترك.
التواصل بما هو ترجمة للوجود المشترك ولفاعلية الذوات فإن التواصل هو حوار ،فماذا نقصد بالحوار وماهي شروطه؟
الحوار هو التخاطب والتفاعل الفكري هدفه التفاهم ولكن يكون الحوار حوارا حقيقي معبرا عن تواصل حقيقي لا بد أن تكون هناك أسس ومقومات يسميها هابرماس أخلاقيات الحوار، إيتيقيا الحوار إنها الكليات المتداولة وهي تعبر بقول سبينوزا ضروريات العقل وهي الوضوح والجدية والصدق والتكافئ.
إن هذه الأسس وهذه الأخلاقيات تجعل من التواصل تذاوت أي حضور لإرادة الذوات أي اعتراف بالأخر كذات وليس كموضوع.
موضعة الأخر هو شكل من أشكال رفض التواصل بل شكل من اشكال غياب التواصل.
في ضل واقع يغيب فيه المعقول سيطرت الأهواء والنوازع والمصالح) ويفتقد السلم( العنف وهو مادي رمزي ،العدوان ويفتقد للعيش المشترك كان هذا الواقع موطن أزمة تواصل، فماهي أسباب هذه الأزمة وكيف لنا أن نتجاوزها حتى ندرك التواصل الحقيقي؟
إذا كان التواصل هو انفتاح على الأخر سواء كان العالم او التاريخ أو الغير كان لا بد ان يجد الإنسان آليات لإقامة الوصل. الأنظمة الرمزية هل الوسائط والآليات هي التي بدونها يستحيل التواصل فماذا نقصد بالرمز وما هي أشكاله؟
الرمز هو تمثل حسي يحيل إلى دلالة ومعنى فمثلا نرمز إلى دلالة ومعنى العدالة بالميزان ونرمز إلى السلام بالحمامة والرموز متعددة تختلف من بيئة إلى أخرى ومن حضارة إلى اخرى ولكن لا يمكن أن توجد حضارة بلا رموز فكل الحضارات لها أساطيرها ومقدساتها ولعناتها ولها رموز متعددة تهدف إلى التفاهم والتعارف والتقارب أي الوحدة والتماسك.
لرّموز أشكال متعددة يمكن اختزالها في ثلاثة أشكال رمز لفظي اللغة والكلام والخطاب ورمز بصري الصورة ورمز حركي من إشارة أو إيماء .
ما يمكن أن نشكك فيه هو أن الإنسان أبدع في خلق وسائل انفتاحه وتواصله مع الأخر » إنه حيوان صانع » فثلما هو قادر على صناعة وخلق وابتكار وإبداع أدوات تقنية فإنه خلق أدوات رمزية فاللغة مخلوق إنها تمثل حاجة ،فحاجتنا للغة هي حاجتنا للتواصل فماذا نقصد باللغة؟
هي بنية ونسق من كلمات وإشارات تهدف إلى التبليغ عن مقاصد ودلالات أي لا يمكن أن تكون هناك دلالة ومعنى خارج فضاء اللغة، ألم تكن اللغة كأسماء وكلمات ترجمة لعالم الأشياء تحديدا يتواصل الإنسان بعالم هو عالم الأسماء فبين الإنسان والعالم هناك عالم بأكثر دقة إنه عالم اللغة أي عالم الأسماء يتوسط العالمين العالم الذاتي من أفكار وأحاسيس والعالم الموضوعي عالم الأشياء أي عالم المادة.
لا يمكن التواصل مع العالم أي استحضار الأشياء إلا بعالم الأسماء يقول غوسدرف : » ينادي الإنسان العالم ويدعوه إلى الوجود… إنه ينتظر إيجاد الإنسان حتى يظهر ظهورا تاما ». أي دون منادات الأشياء بأسمائها لا يمكن الانفتاح على العالم فنحن نحول الغياب حضورا عبر الأسماء أي عبر اللغة.
إن هذه الوظيفة للغة ليست هي الوظيفة الوحيدة فمثلما يلتقي الإنسان بالعالم عبر اللغة فإنه يلتقي كذلك بشبيهه أي بذات أخرى باللغة وبالكلام فأنا أتكلم لأنني لست وحيدا على حد عبارة غوسدرف إن لقاء الذوات هو في الحقيقة لقاء بين الأجساد ولقاء كلمات فمثلما يكون اللقاء بالمصافحة يكون اللقاء بالكلمات فاللغة تكون إما لغة جسدية أي لغة الحركة والإيماء والإشارة أو تكون اللغة متمفصلة أليس الصامت شكلا من أشكال التعبيرية الجسمانية التي تختلف عن كل تعبير لساني أي الكلام. فالكلام هو لغة متمفصلة أي أن رمز اللسان في العبارة تصل وجهين وجه حسي ووجه مجرد.. الوجه الحسي هو الدال وهو الصورة الضوئية بينما المدلول هو الوجه المجرد هو المعنى والدلالة التي تفهم وتدرك عقليا.
اللغة بما هي لكلام هي خطاب متمفصل أيْ تجعل اللغة أو الكلام متمفصلين.
إعادة تشكيل:
تمفصل حسب المعنى أي معرفة دلالة المعنى في سياقه مثال » شربت من العين ».
إن هذه التمفصلات تعبر عن طابع اقتصادي في اللغة أي بمحدودية رموز إنسانية نرسم عالم بلا حدود في المعنى والدلالة إلى جانب الطابع الاقتصادي نفهم أن عالم اللغة عالم الثراء يتسع المعنى ويزداد أفق الفكر عبر تمفصلات اللغة ولكن هذا التمفصل بقدر ما هو إيجابي بقدر ما يمكن أن يكون مقوم التواصل الزائف أي أن التلاعب باللغة والتلاعب بالكلامات يؤدي إلى المغالطة والكذب والخداع والنفاق والإكراه فباللغة يمكن أن يرسم سجنا للآخرين هكذا كانت اللغة بما هي نظام رمزي أداة تغير وانصفاح وبوح أي هي شرط إبانة أي تجلي وكشف عالم الأفكار وعالم الأحاسيس وكل ما يمكن أن يكون من عمق ذواتنا.
هكذا كانت اللغة قدرة على التواصل والحوار والتفاهم ولكنها كانت كذلك شكلا من اشكال العنف الرمزي فسلطة الكلمات لا تضاهيها أي سلطة فنحن ننكشف للآخرين وتنكشف حقيقتنا وحقيقة الأخر لنا حين يغيب الصمت ويحل الكلام ألم يقل سقراط : » تكلم حتى أراك « .
هكذا كانت اللغة صناعة الذات وهي تبحث عن الذوات إنها إنية العقل ولكن العقل بما هو أداة تمويه وخداع على حد عبارة نيتشة فالحقيقة لا تسكن اللغة بل تسكن الحس إنها إرادة الغرائز وإرادة القوة فالحقيقة في العقل وليست في القول فإذا كانت اللغة لا تستوفي دائما التواصل الحقيقي هل تستوفي اللغة دائما حقيقة التواصل؟