درس التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في النصف الثاني من القرن العشرين – بكالوريا آداب واقتصاد وتصرف

درس التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في النصف الثاني من القرن العشرين – بكالوريا آداب واقتصاد وتصرف

المقدمة:

شهد العالم في  النصف الثاني من القرن العشرين تسارعا في نسق التحولات الاقتصادية والاجتماعية والانتصارات العلمية والتكنولوجية، غير أنه ورغم التحسن العام لمستوى عيش السكان في العالم  فقد ازدادت حدّة التباينات بين أجزائه ،بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية من جهة وبين بلدان العالم النامي  ذاتها من جهة أخرى.

فماهي ابرز التحولات الاقتصادية والانجازات العلمية والتكنولوجية؟ وماهي أهم انعكاساتها الاجتماعية وتأثيراتها على مختلف أشكال التعبير الفكرية والأدبية والفنية؟

I  –   التحولات الاقتصادية والاجتماعية في العالم في النصف الثاني من القرن العشرين:

1 التحولات الاقتصادية والاجتماعية في
العالم الرأسمالي:

أ- ثلاثون سنة من الرخاء « الثلاثون المجيدة »:

– شهد اقتصاد البلدان المتقدمة الرأسمالية نموا سريعا ومتواصلا بمعدل 5 ℅ سنويا على امتداد 30 سنة .

–  شمل هذا النمو مختلف القطاعات الاقتصادية ،فعرف القطاع الصناعي نموا سريعا جدا خاصة في صناعات الجيل الثاني فتضاعفت بذلك أرباح الشركات، كما عرف القطاع الفلاحي نموا هاما.

ساهم هذا النمو في ارتفاع نصيب هذه البلدان في قيمة الصادرات العالمية.

– يعود هذا النمو إلى تسارع نسق التجديد التكنولوجي والاستقرار النقدي وضعف أسعار النفط واتساع السوق الداخلية نتيجة تحسن الأجور .

 انعكس كل ذلك على الصعيد الاجتماعي بانخفاض نسبة العاملين في الفلاحة وارتفاع عدد العمال المتخصصين وتضخم الخدمات إلى جانب الرفاه الاجتماعي ودخول مرحلة الاستهلاك الجماهيري بفضل منظومة إشهار متطورة.

 ب – كساد اقتصادي مع بداية السبعينات:

شهدت الدول الرأسمالية مع بداية السبعينات كسادا اقتصاديا من مظاهره:

– انخفاض نسبة النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة التضخم المالي وانخفاض في نسق الاستثمار إلى جانب انتشار البطالة.

– تعود أسباب هذا الكساد إلى الانقلاب النقدي سنة 1971 عندما تم التخلي عن مبادلة الدولار بالذهب بالإضافة إلى تأثيرات الصدمتين النفطيتين ( 1973 – 1979 ) هذا فضلا عن تشبع الأسواق وتقلص الطلب بسبب تراجع القدرة الشرائية وانتشار البطالة وإفلاس عديد المؤسسات.

لتجاوز الكساد،جربت الدول الرأسمالية الحلول الكاينسية  من خلال دعم مختلف أشكال تدخل « دولة الرعاية » وأوجه الإنفاق العمومي لدفع الطلب والاستهلاك وبالتالي الاستثمار  والتشغيل  غير أن فشل الحلول الكاينسية فسح المجال إلى بروز « الليبرالية الجديدة »  في
الدول الرأسمالية من خلال الحد من تدخل الدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي وخوصصة القطاع العام وتجميد الأجور  لكن لم تنجح بدورها في معالجة الأزمة إذ انتشرت البطالة  وشملت مختلف الأصناف المهنية وانتشر الفقر وانتهى عهد التشغيل الدائم لتحل محله مرونة التشغيل.

 2-  التحولات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الاشتراكية المتقدمة:

أ- نمو اقتصادي غير متوازن:

لئن شمل  » النمو الكبير  »  بين نهاية الحرب الثانية وبداية السبعينات البلدان الاشتراكية الأوروبية فان هذا النمو كان غير متوازن إذ تمّ التركيز على الصناعات الثقيلة والتسلح على حساب الصناعات الاستهلاكية والفلاحة  مما ساهم في تباطؤ نمو الإنتاج ولجوء أغلب هذه الدول إلى توريد كميات هامة من الحبوب .

ب- تناقضات اجتماعية عديدة:

لئن ضمن النظام الاشتراكي عدة مكاسب اجتماعية من أبرزها توفير الشغل والصحة والتعليم والغذاء والسكن  فان المجتمعات الاشتراكية
ظلت تعاني من نقائص عديدة أهمها انخفاض مستوى عيش السكان بالإضافة إلى احتداد التناقضات الاجتماعية بين الوسطين الحضري والريفي من جهة وبين عموم السكان  وكبار الموظفين والتكنوقراط في الحزب والدولة من جهة أخرى .

ت- صعوبة التحول إلى اقتصاد السوق:

عملت الحكومة على معالجة هذه النقائص بالتحول في منتصف الثمانينات نحو اقتصاد السوق لكن هذا التحول اقترن بتضخم مالي مرتفع وتدهور المقدرة الشرائية وتنامي الفقر والبطالة واحتداد التناقضات الاجتماعية.

3 – التحولات الاقتصادية والاجتماعية في العالم النامي:

أ-  نمو وتبعية في فترة « الثلاثون المجيدة »:

شهد العالم النامي بين الخمسينات وبداية السبعينات نموا اقتصاديا يقدر سنويا بـ 4 ℅  لكن هذا النمو اقترن بانفجار ديمغرافي مكبل وبتبعية اقتصادية في نطاق تقسيم عالمي للعمل غير عادل أدى إلى تدهور طرفي التبادل نتيجة بقاء  أسعار المواد الأولية والطاقة منخفضة طيلة هذه الفترة.

ب-  تجارب تنموية متنوعة تباينت حصيلتها وأفرزت تفاوتا بين دول العالم النامي:

التجربة الهندية : حققت نجاحات اق وتكنولوجية باهرة كما مكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي (الثورة الخضراء) غير أن تواضع مستوى الدخل ومؤشر التنمية البشرية ابقي الهند ضمن الدول النامية

تجربة البلدان الصناعية الجديدة: قامت هذه  التجربة على التصنيع الموجه للتصدير ومكنت من تحقيق نمو سريع وبناء قاعدة صناعية متكاملة وتحسين المؤشرات الاجتماعية.

تجربة دول افريقيا جنوب الصحراء: تعددت التجارب التنموية  بإفريقيا جنوب الصحراء لكن حصيلتها كانت هزيلة نتيجة الصعوبات العديدة التي اعترضت عملية التنمية   ( النمو الديمغرافي السريع ، تعدد الكوارث الطبيعية ، الحروب ) وقد انجر عن ذلك انتشار المجاعة والأوبئة والفقر وبقيت هذه الدول ضمن الأقطار الأقل تقدما في العالم.

II –   التحولات العلمية والثقافية:

1- التحولات العلمية والتكنولوجية:

أ- تحول البحث العلمي إلى عمل جماعي:

لم يعد البحث العلمي والتكنولوجي شأن نخبة من العلماء الذين يشتغلون في مخابر معزولة بل تحول عمل جماعي تشرف عليه مؤسسات بحث وتموله الحكومات عن طريق وكالات مختصة مثل النازا في الو.م.أ كما برزت الأقطاب التكنولوجية مثل السيليكون فالي بكاليفورنيا لكن ظلت البلدان المتقدمة وخاصة الثالوث تحتكر هذا المجال رغم بروز بعض الأقطاب في العالم النامي مثل الهند…

ب-انجازات شاملة ورائدة:

لئن كانت هذه الانجازات شاملة لكل المجالات فان أشدها إثارة تلك التي جدت في مجالات النقل الجوي واستكشاف الفضاء والطب والبيولوجيا والأبحاث النووية وتكنولوجيا المعلومات والاتصال:

في الملاحة الجوية وغزو الفضاء: ظهرت الطائرة النفاثة وأرسل أول رائد فضاء (السوفياتي قارقارين 1961 ) وهبط أول إنسان على سطح القمر ( الأمريكي أرمسترونغ 1969 ) …

في الطب والبيولوجيا: تمثلت أهم الانجازات في اختفاء عديد الأمراض المعدية واكتشاف الحامض النووي وتفكيك التركيبة الجينية واستنساخ الكائنات الحية ( النعجة دولي ) والنجاح في مقاومة العقم (طفل الأنبوب)….

الأبحاث النووية والتحكم في الطاقة الذرية: مكن البحث العلمي في مكونات المادة وجزئيات الذّرة وتفاعلاتها من صناعة أول قنبلة ذرية ولكن تطور الأبحاث مكنت من استغلالهالأغراض سلمية مثل توليد الكهرباء  والمجال الطبي وغيره…

ثورة تكنولوجيا الإعلام والاتصال: مكنت من تقليص حجم الحواسيب وزيادة سرعتها وتخفيض كلفتها وجعلها في متناول شرائح أوسع وتحويل العالم إلى قرية كونية بفضل الأنترناتالتي ظهرت سنة 1995.

 2 – التحولات الفكرية والفنية الجديدة:

أ – التحولات الفكرية: من الوجودية إلى الأزمة الإيديولوجية

–  بعد الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف السبعينات ظهرت الفلسفة الوجودية مع سارتر كما تزايد إشعاع الفكر الاشتراكي الذي أصبح لدى العديد من المثقفين في البلدان المتقدمة والنامية عنوان العدالة والتحرر.

– تزامنت مرحلة التأزم الاقتصادي معتأزم الإيديولوجيات وتراجع الفكر الاشتراكي وتحولت شواغل المثقفين نحو قضايا حقوق الإنسان وحقوق الأقليات في ظل العودة القوية لليبرالية.

ب- أشكال تعبيرية جديدة في مجال الرسم والسينما:

– في الرسم: أصبحت الو.م.أ منبع التيارات الفنية الجديدة خاصة الداعية إلى تحرر العمل الفني من محاكاة الواقع المرئي محاولة تجاوزه.

– في السينما: برز بعد الحرب تيار الواقعية الجديدة بايطاليا الذي صوّر المعاناة اليومية ثم هيمنت تدريجيا السينماالأمريكية بفضل ضخامة إمكانياتها المادية والتقنية وتنوع مواضيعها.

ت- الثقافة: بين العولمة والأمركة:

تحولت التلفزة في أواخر القرن العشرين إلى أداة أولى للثقافة الجماهيرية وإحدى أهم وسائل  عولمة الثقافة الأمريكية بكل رموزها الاستهلاكية ( كوكا كولا، ماك دونالد، ديزني لاند،سي آن آن، آي بي آم …) بمايهدد التنوع الثقافي ويغذي ردود الفعل المتعصبة.

الخاتمـــــــــة:

إن ما شهده العالم في النصف الثاني من القرن العشرين من تحولات في شتى المجالات،قد فاق في سرعته وقوة تأثيره كل ما عرفه الإنسان إلى حد الآن منذ فجر التاريخ ،وكل المؤشرات تؤكد أن هذه التحولات ليست إلا في بدايتها،وأن العالم مقبل على تحولات أخرى اشد تأثيرا في حياة الإنسان ومصيره فوق كوكب الأرض.