مقدمة حول الشعر الوطني ومفهومه أبو القاسم الشابي
1. المتتبع في المدونة الشعرية يدرك ان الشعر العربي قام اساسا على غرضية كلبنة من لبناته طالت لقرون متعة الشعراء ومنهلهم ووجهتهم الادبية حيث سعو الى الابداع انطلاقا منها ولكن مع بداية القرن التاسع عشر ونتيجة لمأزق تاريخي عاشته الامة العربية استطاع الشعر العربي ان يخرج من عمقه وان يفارق ارثه والحدود التي وضعت له ليتحرك منها ليعانق ابعاد اخرى كانت على صلة وطيدة بالواقع المعيش ومن ثمة كان الحديث على ولادة غرض مستحدث مثله الشعر الوطني وكان ضرب من ضروب التجديد والاضافة هي الحقيقة منارة من منارات المدونة الشعرية بصفة خاصة و الادبية بصفة عامة هذه المنارة التي تعددت روادها منهم ابو القاسم الشابي الذي امن بقضية الشعوب المستضعفة وبحقها في الحياة فاستنهض الهمم وحث على النضال معتمدا وسائل فنية اسست جمالية القول الشعري.
2. الشعر الوطني أو الوطانيّات غرض حديث, وليد ظروف سياسية و إقتصادية وإجتماعيّة مر بها العرب في بداية العصر الحديث فقد عاشت الشعوب العربية تجربة الإستعمار وقد أفرز هذا الوضع جملة من المفكرّين والأدباء والشعراء , تبلور لديهم وعي عميق بتدهور الحياة فهبّوا داعين إلى النهوض والتطور فاستنهضوا الهمم بكنايات وأشعار ومن أبرز هؤلاء أبو القاسم الشابي الذي عاش في القرن 20 (1909_1934م) من أهم أعماله ديوان شعر أغاني الحياة ومحاضرته الديوان الشعري عند العرب و ديوان جمع فيه قصائده إلى طغاة العالم.
3. للوطن في نفوس أبنائه من الوشائج ما يجعله متوهجا أبدا في القلوب، وقد انبري الشعراء الوطنيون منهم لترجمة ذلك التوهج شعرا ومشاعر ، ومن أبرزهم أبو القاسم الشابي بتونس وأحمد شوقي بمصر ومحمود درويش بفلسطين
مفهوم الشعر الوطني
الشعر الوطني هو الشعر الذي قيل في موضوع الوطن، متحدثا عن آماله، وآلامه، معرفا بالدواء التي تستشري في كيانه، مشيرا إلى الأخطار التي تهدده من قريب أو بعيد.
وقد يكون ضمن هذه الأخطار والأدواء ،استعمار مستحوذ، فرض وجوده بقوة الحديد والنار، وهب لاستغلال الوطن أرضا وبشرا…
وقد يكون منها تخلف اجتماعي ناتج عن استبداد جملة من التقاليد والأوهام البالية بعقول المواطنين، تحول بينهم وبين النور الذي يهدي إلى سواء السبيل.
وقد يكون غير هذا وذاك من المظالم التي تصطلي بنيرانها بعض الشعوب التي كتب عليها ان تجتاز عبر مسيرتها فترة ابتلاء قاسية.
ومن هنا كانت مهمة الشاعر الوطني مهمة القائد الذي تتجاوب أصداء كلماته في نفوس المواطنين فتحولها إلى طاقة من العزم الثابت، والإيمان الفاعل، والطموح الوثاب، فهو يستنهض الهمم ويحرك المشاعر، ويلهب حماس الجماهير، وهو الذي يرغب في التضحية، ويتنادى بالفداء، ويدعو إلى الحياة الكريمة في ظل المثل العليا، والأخذ بأسباب الحرية التي لا غنى عنها للإنسان ليعيش عزيزا في وطنه سيدا بين بني قومه.
وقلما شهد مجتمع من المجتمعات الإنسانية تحولا جذريا في طرقه دون أن يكون الأدب، قد مهد لهذا التحول على السنة الشعراء.
وإذا كان الشعر الوطني يمجد البطولات، ويخلد رجال التضحية، فإنما يريد بذلك أن يوقد مصابيح يستضيء بنورها السائرون في الطريق، الذين يعوزهم المثل الأعلى ليهتدوا به، ويقتفوا أثره.
وإذا كان الشعر منذ بداية هذا القرن، أي منذ بداية الانتفاضة العربية، أحد العوامل الفعالة في تكتيل الصفوف، وتنظيم العمل، والاندفاع إلى الميدان… هكذا عرفته المجتمعات العربية التي كافحت من اجل نيل استقلالها، واسترداد حريتها، وهكذا استمر قادحا زناد العمل لبناء الوطن العربي على أسس من العدل والديمقراطية والازدهار.
ولعل الشعر الوطني استطاع أن يرتفع إلى مستوى الأحداث ويواكب الانتفاضة الشعبية للانعتاق من نير الذل والعبودية.
وأن اثره اليوم في معركة فلسطين لجدير بالاعتبار، ولن يخرس صوته ما لم ينتصر في هذه المعركة حقنا على باطل أعدائنا بإذن الله.