موضوع عدد 02 في شعر الحماسة مع الاصلاح – بكالوريا آداب / مواضيع في الحماسة مع الاصلاح
الموضوع:
لئن توسل شعراء الحماسة بنفس الأساليب الشعرية في بناء صور الأبطال، فإنهم قد اختلفوا في طبيعة هذه الصور ومرجعياتها ووظائفها. قارن بين أبي تمام والمتنبي وابن هانئ معتمدا شواهد دقيقة مما درست.
الصياغة:
موازنة بين عنصرين “لئن … فإن…”.
العناصر:
العنصر الاول:
وجوه الائتلاف بين الشعراء: فنيا (نفس الاساليب في بناء صور الأبطال).
العنصر الثاني:
وجوه الاختلاف بين الشعراء دلالية (طبيعة الصور ومرجعياتها ووظائفها).
الإشكالية:
صورة البطل في حماسة أبي تمام والمتنبي وابن هانئ، الائتلاف والاختلاف.
الموقف النقدي:
الائتلاف حاصل في الصورة الفنية والاختلاف ثابت في الصور القيمية للأبطال.
فهم المطلوب:
طبيعة الموضوع:
موضوع مقارنة يقتضي ثلاثة مراحل في الجوهر:
بيان وجوه الائتلاف في التشكيل الفني لصور الابطال.
بيان وجوه الاختلاف في التشكيل القيمي لصور الأبطال.
بناء موقف يبرر سر الائتلاف الفني وعلة الاختلاف القيمي.
الجوهر:
العنصر الأول: بيان وجوه الائتلاف في التشكيل الفني لصور الابطال الحماسيين:
إفادة:
يمكن الاستعانة بجملة من الأسئلة كي تساعدك على فهم الموضوع وحسن تفكيكه من قبيل: ما هي الأساليب الموحدة في بناء الصور؟ كيف بنيت بهذه الأساليب صور الأبطال؟ أي أبطال في الحماسة بُنيت صورهم؟ ضمن أي مجال اجتماعي نزلت صورة الأبطال؟ ما الذي نتج عن اتفاق ثلاثتهم في بناء نفس الصور الفنية للأبطال؟
الأساليب الموحدة في بناء صور الأبطال:
أساليب ايقاعية: اعتماد البحور الوقورة كالبسيط والطويل.
أساليب لغوية: في استفادتهم جميعا من المعجم البدوي الصحراوي.
أساليب بلاغية: في تكثيفهم للاستعارة والتشبيه ضمن بناء الصور يستعير أبو تمام البدر للبطل الطوسي المرثي:
“كأن بني نبهان يوم وفاته – نجوم سماء خر من بينها البدر”
ويستعير المتنبي الأسد لذاته المتعالية في بطولتها:
“إذا رأيت نيوب الليث بارزة – فلا تظنن أن الليث مبتسم”
ويستعير ابن هانئ صورة سيف الحق للإمام الشيعي:
“هذا إمام المتقين ومن به – قد دوخ الصلبان والكفار”
فأساليب الكتابة الشعرية منشدة عند ثلاثتهم إلى المدونة وهذا الانشداد موطن اتفاق أول.
الطرائق الموحدة في بناء صور الابطال التعظيم والتهويل: فالمعتصم عند أبي تمام “سيف الله المسلول” في قوله:
” تدبير معتصم بالله منتقم – لله مرتقب في الله مرتغب”
وسيف الدولة عند المتنبي سيف العظمة يمسك الله مقبضه ويمسك الخليفة نجاده في قوله:
“لقد سل سيف الدولة المجد معلما – فلا المجد مخفيه ولا الضرب تؤلمه
على عاتق الملك الأغر نجاه – وفي يد جبار السماوات قائمه”
أما ابن هانئ فقد جعل البطل إرادة الله وقدرته وبطشه في قوله:
“ما شئت إلا ما شاءت الاقدار – فاحكم فأنت الواحد القهار”
فالمبالغة والتهويل طرائق شعرية تجعل الحماسة أقرب إلى الإيهام والتخييل عند ثلاثتهم.
محاكاة الواقع: إذ يُوصف البطل بما فيه من قوة وقدرة وشرف وعظمة فهو معتصم أبيّ عند أبي تمام يلبي استغاثة المسلمات المضطهدات في بلاد الروم:
“لبيت صوتا زبطريا هرقت له – كؤوس الكرى ورضاب الخرد العرب”
وهو أشرف العرب في إقدامه وحميته يقول المتنبي عن سيف الدولة:
“تشرف عدنان به لا ربيعة – وتفتخر الدنيا به لا العواصم”
وهو من أنقى السلالات وأكثرها شرفا، سلالة بيت النبوة عند ابن هانئ:
“هذا المعز ابن النبي المصطفى – سيذب عن حرم النبي المصطفى”
فالصورة الواقعية لبطل الحماسة تكسب قصائد الشعراء ملمحا تاريخيا تسجيليا إذ ترتبط المكانة السياسية بنقاوة السلالة فمن كان من سلالة الاشراف النبلاء يصبح ملكا على الناس.
نماذج الأبطال في حماسة الثالوث: البطل في حماسة ثلاثتهم هو الآخر المميز اجتماعيا وثقافيا وعسكريا إذ يميز بالكنية والوظيفة ليتميز بعدها بالأفعال والصفات فهو الخليفة المعتصم وهو القائد على الثغور أبو سعيد الثغري وهو البطل المستبسل محمد الطوسي عند أبي تمام وهو سيف الدولة الحمداني وبدر بن عمار وعضد الدولة البويهي عند المتنبي، وهو المعز لدين الله الفاطمي وجوهر الصقلي عند ابن هانئ.
جميع أبطال الحماسة عند ثلاثتهم من صميم التاريخ وهم من سلالة عربية لأن الانتماء إلى العروبة حاسم في شرف النسب قيمة حماسية.
مجالات بناء صورة البطل: يوزعها ثلاثتهم بين الحرب والسلم. فالبطل القائد الشديد الذي يفتك بالأعداء عند المتنبي حتى يكسو الجبل بجثثهم في قوله:
“نثرتهم فوق الأحيدب كله – كما نثرت فوق العروس الدراهم”
هو نفسه المأمون الكريم الرحيم عند أبي تمام يرفع سيفه عن قتل الأسرى إكراما لهم في قوله:
“أكرمت سيفك غربه وذبابه – عندهم وحق لسيفك الإكرام”
وهو نفس بطل ابن هانئ يحتفل بانتصاراته ماجدا فاضلا عالي الأخلاق يجمع الشدة والرحمة:
“لأسيافه من بدنه وعصاته – نجيعان مهراق عبيط ومصبوب”.
فمجالات الحماسة تكشف صورا لقادة يقدمون في الحروب ويقومون للشدائد ويسيّرون البلاد زمن السلم فينشرون الأمن والكرم.
ما نتج في الشعر العربي عن ائتلافهم في بناء صور الأبطال: التأصل في المدونة الجاهلية بترديد نفس صور أشعار عنترة وعمرو بن كلثوم التزاما بعمود الشعر والاشتراك في بناء صورة بطل حماسي نموذجي أصوله عربية ووظائفه دينية ومطامحه سياسية وإنتاج ما تحتاجه مرحلة القرنين الثالث والرابع من شعر يجسد أزمتها الحضارية في الانتقال من دولة الخلافة الموحدة إلى دولة الإمارة المفككة.
بقدر ما تأصل شعر الحماسة في المدونة كان مواكبا لحاجيات مرحلته التاريخية لذلك اختلفت الوجوه القيمية لصورة البطل بين ثالوث الشعراء، من تجربة إلى أخرى ومن موطن إلى آخر.
وجوه الاختلاف بين الثالوث في بناء الصورة القيمية للأبطال:
حدد الناقد هذا الاختلاف في ثلاثية الطبيعة والمراجع والوظائف بقوله:” قد اختلفوا في طبيعة هذه الصور ومرجعياتها ووظائفها”.
الاختلاف في طبيعة الصور القيمية للأبطال: إذا كان أبو تمام وابن هانئ قد جعلا من الآخر بطلا قيميا في أشعارهما فإن المتنبي قد أسس هذه البطولة على مركزية الذات وفي ذلك يرد قوله الجامع المانع:
“الخيل والليل والبيداء تعرفني – والسيف والرمح والقرطاس والقلم”.
فالصورة القيمية للبطل قد نزلت من عالم الملوك النبلاء إلى عالم المشردين الشعراء مع المتنبي.
الاختلاف في مرجعيات الصورة القيمية للأبطال: لئن نهل أبو تمام والمتنبي من نفس المرجعية العربية البدوية القديمة، ذات الارتباط الكلي بالصحراء، وذات الفضاء الثقافي السني المشرقي، فإن ابن هانئ قد نحت صور أبطاله من الفضاء المغربي الأندلسي، ومن القيم والمفاهيم الثقافية الشيعية. فممدوحه هو المهدي المنظر، وهو سليل النبي محمد، وهو إمام الناس جميعا الملهم بالولاية، والمحاط بالرعاية الربانية كما في قوله مخاطبا أهل المشرق السني العباسي:
“فتربصوا فالله منجز وعده – قد آن للظلماء أن تتكشفا
هذا المعز ابن النبي المصطفى – سيذب عن حرم النبي المصطفى”
تقف وراء اختلاف المرجعيات عوامل حضارية ومذهبية عرفتها الثقافة العربية الإسلامية مع بداية التحول عن دولة الخلافة إلى دولة الإمارة.
الاختلاف في وظائف الصور القيمية للأبطال: إذا كان أبو تمام قد جعل وظيفة بطله الأساسي هي حماية وحدة البلاد الإسلامية من التفكك وصون بيضة الاسلام دينا واحدا موحدا صامدا في وجه التهديد الخارجي كما في قوله مادحا الخليفة المأمون:
“لما رأيت الدين يخفق قلبه – والكفر فيه تغطرس وعرام
فنهضت تسحب ذيل جيش ساقه – حسن اليقين وقاده الاقدام”
فإن المتنبي وابن هانئ من بعده قد ذهبا إلى مدح تفكك هذه الوحدة ودعما بحماستهما مشروع الانفصال فبطل الحماسة مهمته الاشعاع بالإمارة على حساب ثبات الخلافة. يقول المتنبي عن الدور الحضاري الجهادي للإمارة الحمدانية ضد الهجمات الرومية دون دولة الخلافة العباسية:
“فدتك ملوك لم تسم مواضيا – فإنك ماضي الشفرتين صقيل”
أما ابن هانئ فيرهن مستقبل الإسلام والمسلمين إلى إرادة الإمام الشيعي الفاطمي القادم من بلاد المغرب ليدك بحراقاته حصون الخلافة الأموية في الأندلس وأسوار الخلافة العباسية ببغداد، يقول:
“تشب لآل الجاثليق سعيرها – وما هي من آل الطريد بعيد”
لقد تغيرت الوظيفة السياسية والحضارية لبطل الحماسة، عبر العصور والأمصار، فمن دعم الوحدة وصونها إلى التشريع للمغامرة والانفصال، مادامت الحماسة تواكب باستمرار مرحلتها التاريخية.
بناء الموقف: في تعليل دواعي الائتلاف الفني والاختلاف القيمي:
تقف وراء هذا الاختلاف الفني والاختلاف القيمي في صور الأبطال عوامل عدة يمكن حصرها في:
عوامل فنية متصلة بتطور حركة الشعر العربي.
عوامل اجتماعية سياسية: في تطور بنية المجتمع العربي عن القبيلة والدعوة إلى المدينة والدولة عبر قرونه الثلاثة الأولى ثم عن الدولة الموحدة إلى الدويلات المستقلة.
عوامل ثقافية تواكب التطور التمدني للمجتمع العربي وما يحتاج إليه من حرية التفكير والتعبير في التمذهب والجدل.
عوامل حضارية: في الابتعاد التدريجي عن بداوة المشرق والاستفادة من مدنية المغرب ببلاد الأندلس.
عوامل ذاتية تتصل بالتجربة الذاتية لكل شاعر مع الحياة: فأبو تمام يمثل الجيل القديم من شعراء البلاط، ذاك الشاعر المتكسب المدافع عن السلطان بحكم الوظيفة فهو شاعر الدولة، والمتنبي شاعر متحرر إلى حد ما من ضغوط البلاط وإكراهاته السياسية، وهو الحريص على ربط خصوبة إبداعه بالترحال وطلب الشهرة في الآفاق ليكون شاعرا طريقه أقرب إلى التشرد في معاناة الشعر. أما ابن هانئ فهو شاعر المذهب الملتزم نحو الإمام التزاما شعريا ودينيا قويا. فخصوصيات التجربة الشعرية لكل منهم تقف سرا آخر يفسر عوامل الاختلاف في بناء صور الابطال داخل أشعارهم.
مصدر العمل: كتاب المنهاج الجديد في المقال وتحليل النص الطريق إلى البكالوريا
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني