رمزية المكان والزمان والشخوص والأحداث في رواية “حدث أبو هريرة قال…” لمحمود المسعدي – بكالوريا آداب

رمزية المكان والزمان والشخوص والأحداث في رواية “حدث أبو هريرة قال…” لمحمود المسعدي – بكالوريا آداب

رمزية الأماكن:

كان المكان عاملا أساسيا في رواية “حدّث أبو هريرة قال …” في رسم صورة تحرّك البطل ومدى تأثّره بها وتأثيرها فيه معبّرة عن عمق بعده الوجودي وتوقه إلى التحرر، إذ كانت الأماكن في رواية “حدّث أبو هريرة قال …” أماكن تحمل أبعادا رمزية تعبّر عن مراحل البحث الوجودي المتجسّم في شخص البطل “أبي هريرة” ونجد بعضها متباينا وآخرى متضادة بين الاتساع والضيق وبين الحياة والموت، موسوعة سكوول وبين السّمو والتعالي وعكسه وأخرى معبّرة عن التحرر وأخرى القيود وهي على النحو الآتي وهي وإن تنوعت إلا أنها تصبّ كلّها في شخص البطل تحديدا نفسيته، وقد تراوحت الأمكنة مجملا بين الأمكنة المنفتحة وهي ما ساعدت على تقدّم البطل في مسيرته الوجوديّة وأمكنة منغلقة ضيّقت عن البطل نفسيته وكانت حاجزا في اكتمال مسيرته والبحث عما ينشده؛ وهي على النحو التالي:

الأمكنة المنفتحة:

الصحراء: رمز الامتداد والانطلاق والتحرر من القيود التي كبّلت البطل أبو هريرة وكشفت له البعد الحسّي أي لذّة الحسّ ونقاء الوجود والقيود الاجتماعية من الأعراف البالية والدينية والاخلاقية الصارخة في وجهه والقيم التي عرقلت تقدّمه وتبكيره في البحث عن الوجود، والصحراء رمز الطهارة. موسوعة سكوول وتمثل الصحراء في ظاهرها كما هو معلوم عن اتّساعها وامتدادها وهي تعبيرٌ دقيق عن اتساع نفسية البطل وعدم الضيق في هذه المكان بغية أن يجد ضالَّتَهُ.

الجبل: يعتبر الجبل أرقى الأماكن سموًّا وعلوًّا والارتفاع عن عالم الطّين والدنيا وأقربه إلى السماء والحياة المنشودة ولما فيه من رغبة الانفصال عن المادة والالتحام بالمطلق الذي يقصده البطل أبو هريرة رمز الرغبة في التحرر من سلطة الجسد الوضيع إلى ما هو أسمى وأرقى إلى مرتبة الألوهيّة الأنقى والأصفى، مثل ما نجد الجبل في بقيّة كتابات المسعدي خاصة في مسرحية السّدّ وما لعبه من دور رمزي هام. موسوعة سكوول فقد مثّل الجبل في رواية “حدّث أبو هريرة قال …” نقطة اِلتقاء العالم السفلي والعالم العلوي، بين ضيق المكان الخانق والمميت لشخصية البطل واتساع المكان الدّافع للأمل وقصد تحرر البطل في السماء رمز التحرر والاتساع المطلق.

الأمكنة المنغلقة:

البيت: يمثل البيت رمزية منغلقة تعبّر عن الضيق الذي ألمّ بالبطل والسجن الذي لم يستطع الهروب منه وهو رمز الروابط العرفية والاجتماعية خاصة التي سرعان ما تتحوّل في نظر محمود المسعدي إلى أغلالٍ وقيودٍ لذلك أحرق الكاتب البيت حتى تتحرّر الشخوص منه ومن ذكراه. موسوعة سكوول لذلك وجب التخلّص منه لم كان فيه من قيد واختناق يشدُّ البطل إليه.

المقبرة: تمثّل المقبرة رمزا للموت الظاهري للإنسان ورغم كونها ضيّقة ومنغلقة في ظاهرها إلا أنها كانت رمز التولّد في البطل من تحدّى ومواجهة المصير عند خروجه مع ريحانة إليها في آخر تجربة الحسّ وممارسة الجنس هناك لما فيه من تحدّي الموت وقهر القدر وإعلان ان الجسد لن يموت ولن يقهره شيء لأنه رمز الوجود، موسوعة سكوول رمزٌ للمصير النهائي والموت المحتم لشخصية البطل أبي هريرة.

مكّة: مكة منطق بين صفوح الجبال، تعلقت بها أعراف وتقاليد ومجتمع، كلّ هذا جعل من مكة رمزا للجمود والتحجر والقيود المكبلة لشخصية البطل في رواية “حدّث أبو هريرة قال …” موسوعة سكوول فكان أوّل ما فعله البطل هو الهروب والتحرر من هذا المكان الذي له تأثير كبير في رسم صورة البطل قبل البحث والتحرر من تلك القيود كما بينا ذلك في رسم صورة البطل.

رمزية الأزمنة:

الزّمان مقوّم أساسي في رسم ملامح الرّواية وكذلك ملامح الشخوص خاصة في الرواية التي تحمل أبعادا ذهنيًّا ورمزيات متعدّدة، التي من خلاها نكتشف البطل سواء من ذاتها أو من خلال مرور البطل من حال إلى حال، وتواتر الأحداث المناسبة أي الأفعال التي تتوافق مع ذلك الزمن، موسوعة سكوول وقد حملت الأزمنة صبغة دينية إسلامية لأن أزمنة الصلاة في عالم مكة قد حضرت في عالم البطل من انطلاق المغامرة الوجودية وانتهائها التي ينشد من خلالها التحرر نحو المطلق والبحث عن معنى الحياة؛ وهي على النحو التالي:

الفجر: هو رمز الولادة والبداية ورمز النور المنبعث في ذهن أبي هريرة القادح له بخوض تجربة الوجود المتعددة في أجزائها، هو فجر الحركة والفعل الوجودي الأول والتمدّد، لذلك انطلقت أحداث البعث الأول فجرا “فلما كان من الغد سبق الفجر إليّ“.

الغروب: الغروب هو رمز للنهاية التي لها ابتداء ورمز موت تجربة وجوديّة لعمر كامل وكأنها دامت يوم بدأت مع الفجر وانتهت غروبا، موسوعة سكوول ويظهر فيها البعد المأساوي الذي رسمه محمود المسعدي لروايته “حدّث أبو هريرة قال …” لذلك نجد انتهاء الرواية في الحديث الأخير “حديث البعث الآخر” في قوله: “وغاب عني في الليل، فلم تمض هنيهة حتى سمعت صخورا هاوية وصهيل وألم وصيحة كصيحة الفرح...”.

العشاء: رمز إلى الحركة وخوض التجربة الحسية في حديث القيامة حيث أقام المحافيل بعد العشاء.

علاوة على كونها أزمنة متداخلة بين جاهلية وصدر الإسلام وإلى زمن الدولة العباسية زمن أبو نواس، كلّها دلالاة على سفر البطل عبر الزمن وأنه لا ينتمي إلى هذا الوجود المميت له إذ يريد أن يتجاوز الازمنة الوضعية التي يعرفها الناس كما فعل في تعامله مع المكان مريدا التخلّص منها. موسوعة سكوول فعصره هو عصر تلخيص لكلّ العصور التي أشار إليها الكاتب من خلال خصائص الأماكن في علاقتها بالأزمنة كلّ ذلك في إطار الحضارة العربية الإسلامية.

رمزية الشخوص:

تباينت الشخوص وتنوعت وقد جعل الكاتب لكل منها حمّالة لرمزية ودلالاة من ذلك:

أبو هريرة: في البداية يرمز البطل إلى الشخصية العربية الشرقية القديمة في بعدها الأصيل والتوصف ورقته، علاوة على أنه رمز الفعل والحركة والبحث الوجودي، موسوعة سكوول رمز الإرادة الباحثة عن الكيان رمز الغربي الحديث.

الصديق المجهول: حديث البعث الأول: الصديق المجهول وان اختلفت التأويلات في حديده هو رمز الوعي الوجودي في ذات البطل في تحوله من عالم الأموات واستجابته إلى دعوة الكون “وكرهت حياتي نفسي بين الأموات“.

ريحانة: يُحيلنا اسمها على الريحان وهو نوع من الورود موحية لنا بالانتعاش واللّذة، هي وردة ترمز إلى اللّذة الحسّية رمزا للجنس المقدس، ستبعث في شخص البطل الحياة والحركة والحبّ الذي لم يجده حوّلت إحساسه وحياته إلى جنّة في بعث جسده الميت، ولكل من اسمه نصيب كما قيل، وريحانة اسم من أسماء الورود لها وقت ستذبل فيه إذ لا يمكنها التحرر من الأرض التي تنشدُّ إليها ولا تكاد تفارقها أو تتحرر عنها، موسوعة سكوول وبالتالي التجربة الحسية التي بعثت مع البطل سرعان ما ستذبل وتفشلوفي نهاية التجربة الحسية أصبحت هي العقبة ورمزا للإنغلاق فولدت في البطل الملال والكلال “دعيني يا هاته فقد كدت أن ينقضي عني سبيلي” ، وكما ذكر الأستاذ الأزهر بنرحومة في كتابه: “اِمرأة سليلة النار والشهوة احترق أهلها وسُبِيتْ وألهبت القلوب والأجساد، دينها اللّذّة أكلت من عمر أبي هريرة ثلاثا“.

أبو المدائن: يرمز أبو المدائن إلى  الصداقة القديمة مع أبو هريرة في حياته القديمة التي ينشد إلى التخلص منها، وقد صاحب البطل من حياته القديمة قبل البعث وبعد البعث، موسوعة سكوول وهو رمز الاستقرار والرّضا والثبات، وهو رمز لماضي البطل الذي لزمه طيلة رحلته الوجوديّة وأراد البطل أن يبعثه قبل رحيله.

أبو رغال: يمثّل أبو رغال رمزا للغرابة ورمزا للحكمة والعقل والجنون مآل الشخصية البطلة، إذ أنه رمز أساسي للبطل إذ أنه يحمل جوانب عديدة من جوانب شخصية البطل علاوة على أنّه قادح له ومدرّبا له في الغوص في بحر المطلق ومصاحبا له في تجربة الحكمة، فهو لا يعدّ إلا جوانب من ملامح البطل عبر تجاربه، موسوعة سكوول إذن؛يعتبر أبو رغال صورة لأبي هريرة الباحث عن كيانه في متاهات عديدة في البحر – الجبل – الجنون وفي العقل فهو الإنسان الذي يسعى إلى تجاوز المتناقضات وقد كان هاديا لأبي هريرة إلى المعرفة بأن منحه قرطاسا وقلما استعملهما البطل في حديث البعث الآخر “رسم خطوط ودوائر” فشخصية أبـ رغال جمعت بين الحكمة “القوة والمعنى” و”الجنون والعبث واللامعنى” وكانت بذلك صورة من ذات البطل المتردد بين العدم والكيان.

ظلمة: اسم ظلمة من الظلام الرامز إلى غياب الوعي والإدراك ببعض الحقائق وفي جانبها هو أهم ما اتّصل بالجسد تقول: “كنت قد نسيت النور وعيني لشدة ما كنت أصرفهما للغيب” رمزية الدّين ورمز لكل من كفر بالجسد واعتقد في الروح ورمزية التمرد على الشهوة واللذات، وهي امرأة تتصنع فعل الرجال فأعاد لها أبو هريرة أنوثتها المفقودة أو التي ذفنت في أعماقها والتي نسيتها وتمثل الدين في ترهبها كراهبة، موسوعة سكوول ترمز إلى السماء والى الروح التي تنشد السماء فأعادها أبو هريرة إلى الأرض لما مثلته من اضطهاد الجسد من قبل الدين وطمس أبعاده.

كهلان: رمز التمرّد والانفراد مَثّلَ الدليل والمواساة لأبي هريرة في وحشة الصحراء بعد خيبة الجماعة.

الزوجة: رمز إلى الماضي وإلى القيود والأغلال الاجتماعية  التي تحدّ من تحرر البطل وتمثل سببا معرقلا في ذلك لأنها رمز الثبات والاستقرار داخل البيت لا باحثة عما خارجه تحقيقا للكيان الوجودي للذات.

الجماعة: تراوحت صورة الجماعة بين الضعف والقوة “أقبلت على أحياء ضعيفة مستكنة” وتترجم الجماعة إحساس البطل وخروجه من ضيق تجربة الحس إلى نصب الكثرة وقد ولدت الجماعة في أبي هريرة الإحساس بالتأله والقدرة على تجاوز منزلته البشرية وتحقيق الفعل “ووجدت في الفعل كمثل سكرة الخمر“. موسوعة سكوول كما كشفت الجماعة أيضا شعور أبي هريرة بالخيبة والوحدة والضيق “حسبت أن في العشرة سعة النفس فما كان منه إلا الخيبة” وهذه الخيبة في الجماعة تجعل البطل متمزقا بين الذات الفردية والذات الجماعية في بحثه عن معنى الوجود متجاوزا فرديته في تردده بين العدم والكيان.

رمزية الأحداث:

كانت الأحداث في رواية “حدّث أبو هريرة قال …” أحداثا تحمل في طياتها أبعادا رمزية من بداية الرواية من ذلك حدث البعث الدّال على  الانعتاق والتوق إلى التحرر من القيود الاجتماعية والبيئية في مكة والبيت وكسر شبح الجمود والانكساربالتالي رمز الثورة، وفي حرق البيت رمزية إلى القطع مع الماضي مع أبي هريرة القديم الجامد والضعيف الضائع، ورمز إلى تمزيق كل ما شيد البطل م روابط وقيود إلى الماضي والعادات القاتلة. موسوعة سكوول وكل الاحداث المتواترة في الرواية دالة على مسيرة أبي هريرة في هجرته مثلا والهروب لما فيها من فرار من معتقدات وعادات وقيود مكبّلة للكيان وقامعة له والتقدم والبحث عن معنى الوجود ومعنى الحياة من خلال التجارب التي سنتحدث فيها في فقرات قادمة. وتأتي النهاية بأحداثها من خلال صيحة الفرح وصهيل الألم إلى رمزية التحرر أو السعادة بالالتحام بالمطلق وانفصال الحيوان عن الإله.

المراجع الأساسية:

“حدث أبو هريرة قال …” لمحمود المسعدي – تقديم توفيق بكار.

المختصر في العربية – قسم الأدب الحديث للأستاذ الأزهر بنرحومة

دراسات وتطبيقات في أدب البكالوريا: حدث أبو هريرة قال: الفن والدلالة للأستاذ محمد الهاشمي الطرابلسي.

الرواية العربية من خلال الشحاذ لنجيب محفوظ وحدث أبو هريرة قال لمحمود المسعدي – كنوز للنشر والتوزيع.