درس الثّورة البلشفيّة ونشأة الاتحاد السّوفياتي إلى 1939 – بكالوريا آداب
أسباب الثّورة:
التّخلّف الاقتصادي والتأزّم الاجتماعي:
اقتصاديا:
ظلّت روسيا بلد فلاحي تقليدي لم يواكب التّحوّلات التّقنيّة التي شهدتها أوروبا الغربيّة خلال القرن 19. حيث يشغل قطاع الفلاحة 65% من الناشطين فيما يوفر حوالي 80% من الناج القومي الخام. أمّا التّصنيع فهو محدود وينحصر حول المدن الكبرى مثل بتروجراد وموسكو ويعتمد على رؤوس الأموال خاصّة الفرنسيّة. ويتميّز الاقتصاد الرّوسي بسمات اقتصاد الدّول الأطراف فهو إقطاعي متخلّف.
اجتماعيا:
يتميز المجتمع الروسي بطبقيته وتردّي أوضاع المزارعين فيه نظرا لتركّز الملكيّة بيد فئة محدودة تسمّى الكولاك وهم كبار الملّاكين الزّراعيين وانفجار الوضع الديمغرافي واستغلال الكولاك للمزارعين وارتفاع الضّرائب المجحفة عليهم لمجابهة الحرب.
وقد وقع استغلال الفلاحين من طرف رأس المال الأجنبي مما سبب طول ساعات العمل بين 10 و12 ساعة وانخفاض الأجور وغياب التّأمين مما أدى الى نزوح ريفي وتطلّع للإصلاح الزّراعي وتأزّم أوضاع العمّال. وأصبحت هذه الفئات متأثّرة بالأحزاب الاشتراكية وانخرطوا في النّضال الاجتماعي لمقاومة الاستغلال والنّظام القيصري.
تحجّر النّظام القيصري وتنامي قوى المعارضة:
تميز النظام القيصري بنظام حكم فردي أوطوقراطي. ورغم أنه قام ببعض الإصلاحات، إلا أنها تبقى شّكليّة خاصّة مع القيصر نيكولاي الثّاني حيث بعث مجلس الدّوما في 1905 ولكن أفرغه من كل صلاحيّاته ومن كلّ نفوذ له. كما تفشّي الفساد في الإدارة التي تخضع لأحد المشعوذين وهو “رسبوتين” المقرّب من زوجة القيصر مما أدى إلى تعمّق عزلة القيصر وانسلخت عنه الفئات القريبة منه ككبار الفلّاحين والأرستقراطية التحرّريّة وانضمت إلى المعارضة التي انقسمت إلى تيّارين كبيرين وهما:
المعارضة الليبيرالية قائده ميلوموف: يمثّلها الحزب الدّستوري الدّيمقراطي الذي تأسّس سنة 1905 ودعّمته البرجوازيّة والأرستقراطية التحرّريّة وهو يهدف إلى إقامة نظام برلماني على النّمط الغربي.
المعارضة الاشتراكية: أبرزها الاشتراكيون الدّيمقراطيّون مثّلها حزب العمّال الاشتراكي الدّيمقراطي وتأسّس سنة 1898 ويعتمد على المذهب الماركسي وقد انقسم إلى تيّارين:
منشيفيك (أقليّة): يدعون إلى التّحالف مع اللّيبيرالييّن لإسقاط النّظام القيصري نظرا لتأخّر روسيا الإقتصادي وطابعها الفلاحي ومحدوديّة عدد العمّال (البروليتاريا) – قائده: مرتوف.
بلشفيك (أغلبيّة): يؤمنون بإمكان تحقيق الثّورة بالإعتماد على العمّال وصغار الفلّاحين للقضاء على نظام القيصر. – قائده: لينين.
اضطهاد القوميّات:
تبلغ مساحة البلاد الروسية 22 مليون كم2 ويبلغ عدد سكانها 160 مليون نسمة منقسمة إلى العديد من القوميّات الغير روسيّة التي تعاني الاضطهاد السّياسي والثّقافي بإقصاء نخبها عن المناصب العليا في الإدارة والجيش. فضلا عن فرض اللّغة الرّوسيّة والمذهب المسيحي الأرثودوكسي.
المشاركة المباشرة في الحرب العالميّة الأولى وتفجّر المتناقضات:
وهي من الأسباب المباشرة للثّورة حيث تتالت هزائم روسيا العسكريّة والبشريّة حيث سقط أكثر من 1.7 مليون قتيل فضلا عن الخسائر التّرابيّة والاقتصادية التي تمثلت في انهيار الجهاز الاقتصادي وعجزه على توفير المؤونة للجيش والمدن وارتفاع الأسعار وتقلّص المقدرة الشّرائيّة وانتشار المجاعات. كما ساهم ضعف سلطة القيصر عند التحاقه بجبهة القتال في رفض الجنود مواصلة الحرب والفرار من الجبهة مما أدى حالة تمرّد ملائمة لقيام ثورة.
الصّعوبات التي واجهتها الثّورة:
من الثّورة اللّيبيراليّة إلى الثّورة الاشتراكية:
ثورة 1917 وقيام الحكومة المؤقّتة:
انطلقت من العاصمة بيتروغراد وموسكو موجة من الاضطرابات والمظاهرات بسبب تواصل الحرب ونقص التّموين. حيث تحوّلت إلى مظاهرات سياسيّة مطالبة بإسقاط النّظام القيصري وانضم إليها الجنود فسقطت العاصمة بيد الثّوّار في 28 فيفري 1917 وقد ظهرت سلطتان:
سلطة برجوازية: مثّلتها لجنة مؤقّتة من نواب الدّوما اللّيبيرالييّن.
سلطة شعبية: تكوّنها مجالس انتخبها العمّال والجنود تسمّى سيفتات وهي منتشرة في كلّ أنحاء روسيا.
وأُجبر القيصر على الاستقالة في مارس 1917 وتأسيس حكومة مؤقّتة يترأّسها الأمير لَفوف وسيطر عليها اللّيبيراليّون الذين تحالفوا مع الاشتراكيين المعتدلين برئاسة كرانسكي.
ثورة أكتوبر 1917 وسيطرة البلاشفة على السّلطة:
قرّرت الحكومة المؤقّتة مواصلة الحرب مع الحلفاء كما أجّلت كذلك الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية مما خيّبت آمال الفئات الشّعبيّة التي التفت حول البلاشفة وشعارات القائد لينين المنادية بـ” الأرض للفلّاحين” و” السّلطة للسفيتات” و” السّلم الفوري”.
ونظّم البلاشفة ثورة مسلّحة في 24 أكتوبر 1917 أطاحت بالحكومة المؤقّتة بعد الاستلاء على القصر الشّتوي للحكومة وتكوّنت حكومة جديدة تحت اسم “مفوّضي الشّعب” يرأسها لينين ومن أهم قراراتها:
تأميم أراضي الكنيسة والكولاك والأسرة القيصريّة وتوزيعها على الفلّاحين الصّغار.
تأميم المصانع الصّغرى والبنوك ووضعها تحت رقابة العمّال.
المساواة بين القوميّات التّابعة لروسيا.
الخروج من الحرب العالميّة الأولى بعد إبرام معاهدة صلح مع ألمانيا (براست لتوفيسك) في مارس 1918 مقابل تنازلات ترابيّة قاسية فخسرت روسيا 800 ألف كم² أكثر مقاطعها الفلاحيّة (منطقة البلطيق وروسيا البيضاء و¼ سكانها لإنقاض الثّورة).
تحدّيات الثّورة ومواجهتها:
الحرب الأهليّة وشيوعيّة الحرب: 1918 – 1921:
واجه البلاشفة ثورة داخليّة مضادّة من طرف الكولاك والكنيسة وثوّار القيصر وكوّنت بما يُعرف بالجيوش البيضاء بقيادة ضبّاط سابقين في نظام القيصر ومسنودة من إنجلترا وفرنسا والولايات المتّحدة الأمريكيّة. فتمّ اكتساح 3 أرباع المجال الرّوسي وتمكّن البلاشفة من الصّمود بإتّباع سياسة شيوعيّة الحرب التي تفضي إلى تسخير كل إمكانيّات البلاد من أجل إنقاض الثّورة من خلال مصادرة فائض الإنتاج في الحبوب ومنع التّجارة الحرّة فيها لتموين الجيش والمدن وإقرار العمل الإجباري وتأميم المصانع الصّغرى والمتوسّطة والتّجارة الدّاخليّة وتنظيم الجيش الأحمر بقيادة ترونسكي الذي بلغ 1.5 مليون رجل فضلا عن قمع المعارضين السّياسيين بواسطة التشايكا وهي شرطة سياسيّة وبذلك انتصر البلاشفة في الحرب الأهليّة في بداية 1921.
السّياسة الإقتصاديّة الجديدة: 1921 – 1927 (NEP):
خلفت الحرب الأهلية خسائر اقتصادية أدت إلى تراجع المؤشر الاقتصادي فضلا عن عودة شبح المجاعة وبداية تمرد حامية بيتروغراد حيث نادى الجنود بإسقاط البلاشفة. مما أدى الى التخلّي عن سياسة شيوعيّة الحرب وانتهاج سياسة اقتصادية جديدة يعرّفها لينين بـ ” الرّجوع المؤقّت والمحدود إلى الرّأسماليّة التي يجب أن تسخّر لبناء الاشتراكية” تقوم على رفع التّأميم على المؤسّسات الصّناعيّة وتحرير التّجارة الخارجيّة وتعويض مصادرة الحبوب بضريبة نقديّة أو عينيّة وفسح المجال أمام الاستثمار الأجنبي وقد أدت هذه القرارات إلى انتعاشة الوضع الاقتصادي حيث استفادت منه فئة جديدة وهي البرجوازيّة الصّغيرة في المدن NEPMEN والكولاك في الأرياف.
ملامح النظام السوفياتي الجديد:
سياسيا:
نشأة الاتحاد السّوفياتي:
تكوّن الاتحاد السّوفياتي في ديسمبر 1922 ردًّا على الحزام الصحّي وقام على دستور فدرالي وضع سنة 1924 ونصّ على كيفيّة انتخاب السّوفيتات وتكوين اتحاد من مختلف القوميّات كما قام هذا النّظام الجديد على حلّ مشكلة القوميّات بالمساواة بينها وأعطاها حكما ذاتيّا في إطار جمهوريّات لها حق التّمثيل في أعلى هرم السّلطة السّوفياتيّة لكن بقيت الهيمنة الرّوسيّة واضحة وأصبح تعليم اللّغة الرّوسيّة إجباري منذ 1938. وبلغ عدد جمهوريّات الاتحاد السّوفياتي سنة 1940 حوالي 15 جمهوريّة.
دكتاتوريّة البروليتاريا:
تتمثّل في دكتاتوريّة الأغلبيّة من الطّبقة العمّاليّة التي مارست السّلطة بواسطة السّفيتات حيث انبنى عليها النّظام السّوفياتي الهرمي من القمّة إلى القاعدة انطلاقا من السّفيتات الجهويّة قاعدته إلى مؤتمر سفيتات الاتحاد قمّته. وقد أصبح الحزب الشّيوعي البلشفي الحزب الوحيد للبلاد منذ 1928 حيث ارتفع عدد منخرطيه من 60 ألف سنة 1917 إلى 2.5 مليون سنة 1940 ويتمتّع بنفوذ واسع يضبط سياسة الدّولة، السلّطة الفعليّة كانت بيد المكتب السّياسي للحزب وخاصّة أمينه العام ستالين الذي تمكّن من التّخلص من كلّ معارضيه.
اقتصاديا:
التأميم
قام النّظام الجديد على الاقتصاد الاشتراكي الذي تميّز بإقامة الملكيّة الاشتراكية وذلك بتأميم المصانع والبنوك والتّجارة وتقسيم الأراضي إلى سفخوزات وهي ضيعات دوليّة يستغلّها الأجراء والكُلخوزات وهي تعاونيّات المزارعين. كما عمّم نظام الملكيّة الاشتراكية بالأرياف بالقّوة.
سياسة التصنيع
تمّ تأميم كلّ المصانع وأغلب مخطّطات الدّولة كانت مركّزة على التّصنيع خاصّة صناعات التّجهيز (ميكانيكيّة وكهربائيّة) والصّناعات الثّقيلة.
التخطيط
اعتمد النّظام الاشتراكي على نظام الاقتصاد الموجّه بوضع مخطّطات تنمويّة من قبل الدّولة لها صبغة إلزاميّة من مشمولات الغرسيلان وهي اللّجنة الحكوميّة للتّخطيط.
وقد أصبح الاتحاد السّوفياتي قوّة صناعيّة كبرى قبل الحرب العالميّة الثّانية، حيث بلغت المساحات المزروعة 150 مليون هكتارا مخصّصة لإنتاج الحبوب و77.9 مليون رأس من الأبقار، وبلغ إنتاج الفحم 165 مليون طن، والكهرباء 48 مليار كيلو واط في السّاعة، والفولاذ 18 مليون طن. وبذلك، عمّم النّظام الاشتراكي سنة 1918 وتمّ التخلّي عن السّياسة الاقتصادية الجديدة NEP.
اجتماعيا:
تهدف السّياسة الاجتماعية إلى القضاء على الفئات المستغلّة وتحسين أوضاع العمّال فهم ركيزة النّظام الجديد من خلال تحديد ساعات العمل بـ8 ساعات والـتّأمين ضدّ الحوادث وتوفير ضمانات اجتماعية وإقرار إجباريّة التّعليم ومجانيته وضرورة المساواة بين الرّجل والمرأة وتشريكها في كلّ الميادين من أجل بناء الاشتراكية و إضفاء طابع لائكي على الأحوال الشّخصيّة فضلا عن ظهور طبقة مثقّفة التزمت بمبادئ الثّورة مثل الأديب ماكسيم نوركي. ورغم هذه القرارات والإجراءات إلا أن النقائص كانت بارزة مثل تدنّي مستوى عيش الأغلبيّة خصوصا من المزارعين وتكوين فئة من البيروقراطيّة تحكّمت في وسائل الإنتاج ووظّفت الثّروة لفائدتها.
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني