ملخص محور الجاحظ – الجزء الثاني – العربية – بكالوريا آداب
أنواع الحجج:
لاقناع الطرف المقابل أو إقناع القارئ بأطروحته ودحض أطروحة أخرى، وظّف الجاحظ حججا متنوعة ومختلفة كثّف منها بين أسطر كتبه من حجج واقعية وأخرى منطقية ومنها ما هو ديني وتنوعت مصادرها من نصوص متنوعة دينية وأخرى أدبية سبقته:
حجّة الشاهد القولي:
الشاهد القولي هو الاستشهاد بدليل نصّي كالقرآن أو حديث نبوي أو مما سبقه من الأدب من شعر أو نثر مثل ما أورده الجاحظ في الرد على من ينكر أنّ للطير منطقا قائلا: و قد قال الله عز و جل مخبرا عن سليمان : “يا أيها الناس إنّا عُلّمنا منطق الطير” فجعل ذلك منطقا، أو من ذلك لمّا أراد إبراز فضل وأهمية علم الكلام استعمل قوله تعالى: “قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم…”. أو كتوظيفه للشاهد القولي في رسالة “مفاخرة الجواري والغلمان قال صاحب الغلمان : “إن فضل الغلام على الجارية أن الجارية إذا وُصفت بكمال الحسن قيل “كأنها غلام، ووصيفة غلامية ” قال الشاعر: لها قد الغلام و عارضاه *** و تفتير المبتلة اللعوب .
حجّة السلطة:
هي اعتماد على كلام الأخرين وتكون قوية إذا كانت مأخوذة عن عالم أو حكيم أو فيلسوف ذي باع معرفية أو علمية مثل قوله: “فقد كان إسحاق من معادن العلم” على المتكلم القائم كلامه على الهيبة والسلطة فتعدّ مرجعا للقوة والسلطة من ناحية الاستشهاد بقول أحد الشخصيات من ذلك قوله: “فإن العلماء قد أجمعت على أن من أخذ بالحزم وقدّم الحذر فجاءت المقادير بخلاف ما قدّر كان عندهم أحمد رأيا وأوجب عذرا ممن عمل بالتفريط”.
الحجّة المنطيقية او شبه المنطيقية:
غالبا ما يطغى عليها ربط النتائج بالأشباب أو ربط المقدّمات بالنتائج كما ذكر ذلك الأستاذ الطرابلسي ويعتمد فيها على وسائل متعددة كالوسائل اللغوية أو القياس من ذلك قول الجاحظ في محاججة من يرون أن سخاء السودان مرهون بسخفهم وقلة عقولهم : “بئس ما أثنيتم على السخاء و الأثرة، وينبغي في هذا القياس أن يكون أوفرُ الناس عقلا وأكثرُ الناس علما أبخلَ الناس بخلا وأقلَّهم خيرا”. وغالبا ما يكون توظيفه لتراكيب الشرط مكثّفا عند استعماله للحجة المنطقية أو شبهة المنطقية.
حجّة الواقع:
لقد كان الجاحظ كغيره من الأدباء الذين يستمدّون حججهم من واقعهم من خلال المعاينة والتجربة وأيضا من خلال التوثيق بالأماكن أو الزمن بنقل حتى الأسماء إن لزم لمن كان شاهدا ليؤكّد مصداقيّة حججه واطروحاته مقابل دحض أطروحة أو تأكيدها، وكثيرا ما يحيلنا على الواقع مثل قوله: “وقد رأينا النساء أضعف عقولا والصبيان أضعف عقولا منهم”
الحجة التاريخية:
حيث لا ينفك الجاحظ على النبش والحفر في التاريخ ليستخرج لنفسه حجّة من الحجج التي تفنّد موقفه وتدعمه كقوله بين المفاضلة بين السودان والبيضان: “وقد رأينا الصقالبة أبخل من الروم والروم أبعد رؤية وأشدّ عقولا”.
الأساليب الخطابية والمنطيقيّة التي وظفها الجاحظ:
اِضافة إلى البنية الحجاجية والمتنوعة من خلال تنوع واختلاف الحجج فقد وظّف الجاحظ أساليب وأدوات لضبطها وتنظيمها لتكون ملائمة من خلال اعتماده على مؤشرات لغويّة التي تمثّل المسار الحجاجي والوسيلة أيضا من ذلك:
المؤشّرات اللّغويّة: (بأنواعها):
إستعمال التأكيد ووسائله كتوظيف تراكيب الحصر التي تفيد التوكيد “وإنما زعمنا ان مجيئها حجة / وإنما هو معنى معقول وشيء موهوم”.
اِعتماد التراكيب التلازميّة الدّالة على الزّمان “فلمّا كان العشيّ صنعنا به مثل ذلك لنتعرّف حاله في رصد الوقت”.
اِجتماع النّفي والحصر “فليس يكون هذا إلاّ عن مقداريّة”.
صيغ التّرجيح والإحتمال “ولعلّ كثيرا من النّاس ينتابون بعض تلك المواضع “
صيغ التّفضيل
أسلوب المقارنة بين ما يفيد الغنسان في مقارنة ما أراده بالكلب “والكلب لم ينس من نفسه ولم يستذكر بغيره”.
الجمع بين أسلوبيّ الأمر والنّهي “فلا تذهبْ إلى ما تريك العين وآذهبْ إلى ما يُريك العقل والعقل هو الحجّة”.
أساليب الإنشاء في الإستفهام وما فيها من غياب الحياد وانكشاف الموقف الذّاتي كحضور الاستفهام الإنكاري لدحض فكرة واسبعادها “وكيف يكون”.
التركيب الاسمي التّقريري الذي يستخدم في إعلان حقيقة أو إثبات مسلّمة ينطلق منها أو نتيجة يتوصل إليها “أبين الكلام كلام الله” أو قوله “الرّغبة و الرهبة أصلا كل تدبير”.
التعليل: وأدواته: لـِ – لأنّ – بما أن – إذ – حتى – كي. كقول الجاحظ معللا فضل المعرفة العقلية على المعرفة الحسية: “ولعمري إن العيون لتخطئ، وإن الحواس لتكذب، و ما الحكم القاطع إلا للذهن، و ما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل إذ كان زماما على الأعضاء وعيارا على الحواس”.
أهم طرق الاستدلال:
طريقة التصنيف والتبويب :
وهو أن يذكر الجاحظ المعطيات في شكل أبواب أو حسب الأجناس والتفاضل بينها، ونجد هذا الأسلوب في كتاباته ومن ذلك ع قوله في تقسيم مخلوفات العالم: “وأقول: إنّ العالم بما فيه من الأجسام على ثلاث أنحاء متّفق ومختلف ومتضاد” . و كلها في جملة القول: جماد و نام (…) و الحيوان على أربعة أقسام: شيء يمشي وشيء يطير وشيء ينساح إلاّ أنّ كل طائر يمشي، وليس الذي يمشي ولا يطير يسمى طائرا. والنوع الذي يمشي على أربعة أقسام: الناس، وبهائم، و سباع وحشرات (…) والطير كل: سبع وبهيمة، وهمج. والسباع من الطير على ضربين: فمنها العتاق، والأحرار، والجوارح، ومنها البغاث، وهو كل ما عظم من الطّير سبعا كان أو بهيمة (…) و اسم طائر يقع على ثلاث أشياء: صورة وطبيعة وجناح…
الأسلوب الاستدلال المنطقي القائم على الاستنباط والاستقراء:
وهو أن يصوغ الجاحظ من العام إلى الخاص قاعدته فينطلق من الإجمال إلى التفصيل ومن العام إلى الخاص فيكون قاعدة لها تفرعاتها، من ذلك قوله: “ووجدنا كون العالم فيه حكمة ووجدنا الحكمة على ضربين: شيء جعل حكمة وهو لا يعقل الحكمة، ولا عاقبة الحكمة وشيء جعل حكمة وهو يعقل الحكمة وعاقبة الحكمة، فاستوى بذلك الشيء العاقل وغير العاقل في جهة الدّلالة على أنّه حكمة، واختلفنا من جهة أنّ أحدهما دليل لا يستدل، و الأخر يستدل. فكل مستدلّ دليل وليس كل دليل مستدلا”. او معوّلا على الانطلاق من الفروع مكونا قاعدة عامة أو نظرية عامة انطلاقا من تشعّبات المسألة الواحدة.
المؤشّرات المنطقيّة:
التوليد المنطقي:
وهو توالد الأفكار والمعاني وارتباط النتائج والأسباب ببعضها فتكون جملا مترابطة ومتوالدة بعضها عن بعض من ذلك قوله: “وأكثر الناس سماعا أكثرهم خواطر، وأكثرهم خواطر أكثرهم تفكّرا، وأكثرهم تفكّرا اكثرهم علما، وأكثرهم علما أرجحهم عملا..”. وفيه يستعمل جملا جامعا بين نتئجها وأسبابها جمعا منطيقيا ليقنع القارئ.
القياس:
ويظهر ذلك في مواضع متفرّقة في مؤلّفات الجاحظ كقياسه على مدى تعلّم الصبّي والعالم “والصّبيّ عن الصّبيّ أفهم وكذلك العالِم والعالِم والجاهل و الجاهل” بحيث يكون قياسا عقليّا منطيقيا.
الروابط المنطيقية / الروابط الحجاجية:
بين الأفكار والجمل لتنقل لنا حججا متناغمة ومتماسكة “إضافة إلى – إلى جانب ذلك – رغم أ نّ – بدون شكّ – ولكنّ…” ومن ذلك قوله: “إن الله تعالى لم يجعلنا سودا تشويها لخلقنا ولكنّ البلد فعل بنا ذلك”. وهي روابط تسمح بتقابل الأفكار / الحجج مثل على أنّ أو تناقضها أو ربط السبب والنتيجة أو بيان النتيجة والتعليل كقوله: “إذن – بما أن بحيث – تبعا لذلك …”. فيكون علاقة جدلية بين الأسلوب المنطقي واللّغوي ليبدع في حجاجه.
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني