دوافع كتابة رسالة الغفران – العربية – بكالوريا آداب
تنتمي رسالة الغفران إلى جنس فنّ التّرسل وهي رسالة جوابيّة على رسالة الشّيخ الحلبي علي بن منصور المكنّى ابن القارح الذي عرف بتقلباته في البلاطات مادحا متكسبا بأدبه ومن ذلك مدحه لأبي القاسم المغربي ولكن لما ضعفت دولته وسلطته تنقلب عليه هجاء إذ يقول فيه: “وكان أبو القاسم ملولا والملول ربما مل الملال وكان لا يمل الملال ويحقد حقد من لا تلين كبده ولا تنحل عقده”.
وكانت علّة كتابة الرسالة القارحيّة هي أن أبا الفرج الزّهرجي أحد أدباء مصر قد حمّل ابن القارح رسالة معه إلى صديقه أبي العلاء المعري أديب المعرّة وأحد أبرز الأدباء في عصره إلا أن ابن القارح قد ضيّعها كما أورد في رسالته بأن سرقت منه فكان هذا سببا من الأسباب المعلنة لكتابة الرسالة وبعثها إياه.
ويبدو أن السبب الآخر هو أن الشيخ الحلبي علي بن منصور قد سمع أن أبا العلاء أديب المعرة قد علم أنه مداحا متكسبا بأدبه منقلبا هجاء على ولي نعمته إذ لم يكن ﻷبي العلاء المعري سابق معرفة به حيث قال عنه مرة لما سئل عنه يقول المعرّي: “أعرفه خبرا هو الذي هجا أبا القاسم المغربي”
ومن ذلك أيضا أن الشيخ الحلبي على بن منصور عائد إلى حلب وبها المعري حتى يتسنى له التّقرّب منه والتّودّد لأهمّ أدباء عصره وكبارهم طلبا للشّهرة والصّيت وليرتبط اسم أديب مغمور غير معروف بأديب الأدباء في عصره.
لقد أخذت رسالة ابن القارح شكل وطابع الرّسائل الإخوانيّة الّتي تكون محلّاة بالسّجع والتّأنق في الكتابة وعرض ضروب من فنّ علم المعاني والبلاغة والتّظاهر والتّفاخر بالأشعار والأخبار التي حفظها حيث أنه قد بالغ وتطاول نسبيا على أدباء كبار في نظم هذه الرسالة موسوعة سكوول إذ نجد هجاءه لأبي الطيب المتنبي فعدّه “من الزنادقة عبدة النجوم” الذي كان للمعرّي التأثر الكبير به أو حتى شتمه الخفي لصديقه الذي بعث معه بالرسالة والتي سرقت منه “أبي الفرج الزهرجي” الذي طعن في تديّنه فيقول وقد عد كتبه “يهودية برئت من الشريعة الحنيفية”.
ومن المعلوم أن هذا الشكل من الرسالة التي كتبها ابن القارح وأقصد هنا الرسائل الاخوانية تكون بين شخصين مترابطين وذو مودة وصحبة أو تجمعهما خصومة إلا أننا نجده غير مرتبط بأبي العلاء ولم يسبق له عهد به فنجده مبالغا للدّعاء له في رسالته “ثم بلغني هم مولاي الشيخ أدام الله تأييده أدام الله عزه” ضرب من التّودد ليبالغ في ذلك ليفتديه بنفسه “أدام الله كفايته وجعلني فداء وقد مني قلبه على الصحة والحقيقة” ليخلق شططا في رسالته ليبالغ أكثر فأكثر في شوقه لملاقات ورؤية أبي العلاء المعري وهو لم يره قطّ موسوعة سكوول “حنين الواله إلى بكرها أو ذات الفرخ إلى وكرها وحنين الضمآن إلى الماء والخائف إلى الامن والغريق إل النجاة” وقد بيّن ابن القارح في رسالته سلوكه المنافق في استطراد قام به يهجو فيه الكثير ليطيل الكلام في ذلك ليستطرد أكثر في الأخبار والأشعار مستعرضا مخزونه وحفظه هذا النفاق والتطاول والبلاهة والتناقض والتضاد ليردّ عليه المعري برسالة أسماها “رسالة الغفران” وما علمه منه من نفاق وخديعة برسالة طريفة ساخرا ماسخا متلاعبا بشخص ابن القارح ونيل منه.
ربّما هذا وجه من التأويل ولما رآه من تعال عليه بشروحه خشية أن لا يفهمها المعري متبجحا بمحفوظه من الأشعار والأخبار فكانت رسالة الغفران درسا كبيرا له. فقد كتبها المعري ردًا على رسالة ابن القارح كما أسلفت.
جاءت رسالة الغفران ذات طابع روائي، حيث جعل المعري من ابن القارح بطلاً لرحلة خيالية أدبية عجيبة يحاور فيها الأدباء والشعراء واللغويين في العالم الآخر، موسوعة سكوول فكان المعري يصوّر فيها يومَ القيامة، في أبرع مشاهد السخرية المرة والفكاهة المضحكة المبكية. وتتكون هذه الرسالة من قسم تقليدي وهي الديباجة فيها مقدمة مدحية واستطراد صغير ذكرت فيه الأفاعي والحيّات وربما كان ذلك لتفطّن المعري بشخصية ابن القارح وقسم جوابي ردّ فيه المعري على جل المسائل التي طرحا ابن القارح في رسالته. لكن الناظر يرى أن هناك نصا أو قسما مطوّلا مضمّنا في الرسالة في قسم الجواب تحديدا وهو قسم الرحلة جعل فيها المعري لابن القارح رحلة ينتقل به من عالم الأرض / الواقع إلى عالم الآخر / الخيال ومن ذلك قدرة المعري على تطويع جنس الرسالة ودمج وتضمين جنس آخر مختلف عنها فيها فقد تضمن جنس الرسالة جنسا آخر هو جنس القصّ ومن ذلك أيضا المقامة والشعر والحكاية والنادرة.
وقد أحسن المعري نقلته النوعية من فن التّرسّل إلى فنّ القصّ عند حديثه عن رسالة الشيخ الحلبي إلى وصف الشجرة والأطر في الجنة ليسرد لنا نصا مطولا وهو ما يعرف بالاستطراد المطوّل في الرسالة ليحسن العودة بعده إلى الرد فيقول في آخر الاستطراد”وقد أطلت في هذا الفصل ونعود الآن إلى الإجابة عن الرسالة” وما فيه من تطويع لهذا الجنس حيث ارتفع به المعري من عالم الأرض والدنيا إلى عالم السماء والآخرة في مغامرة قصصيّة بين الجنة والمحشر فالجنة ثم الجحيم فالجنة موظفا الخيال ليكون عنصرا أساسيا وعلى غراره الإضحاك والسخرية مطوع في ذلك الأطر مكانا وزمانا والشخوص والأحداث لهذه التقنيات الفنية التي سيتم الحديث عنها فيما بعد.موسوعة سكوول لتكون رسالة الغفران في ذلك الوقت وإلى هذا الزمان كتابا طريفا وفريدا من نوعه لمزج الأجناس الأدبية في بعضها البعض وإبداع قصّة خياليّة فريدة من نوعها تكاد أن تكون الأولى في الفنّ الأدبي العربي.
وللتعرف على الحكاية ملخصة: اضغط هنا
وللنظر للدراسة التأليفية للمحور كاملا: اضغط هنا
أنجز هذا العمل من قبل:
أشرف البنزرتي
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني