درس العلاقات الدولية من الحرب الباردة الى انهيار الاتحاد السوفياتي – بكالوريا آداب
مقدّمة
شهدت فترة الحرب العالميّة الثّانية بروز نظام جديد هيمن عليه كلّ من الولايات المتّحدة الأمريكيّة والاتحاد السّوفياتي سمّي بـ “نظام القطبيّة الثّنائي” وأُطْلِقَ على هذه المرحلة الّتي تواصلت إلى سنة 1991 مصطلح الحرب الباردة. فماهي ظروف بروز نظام القطبيّة الثّنائيّة وماهي مختلف أبعاده؟ ما هي أبرز الأزمات الّتي شهدتها الحرب الباردة؟ وكيف تطوّرت العلاقات بين القطبين وماهي ظروف انهيار الاتحاد السّوفياتي؟
نظام القطبية الثنائية: ظروف نشأته وتجلياته:
من التّحالف إلى القطيعة بين العملاقيْن:
انعقد مؤتمر يالطا بالاتحاد السّوفياتي في فيفري 1945 حيث جمع كل من ستالين وروزفلت وتشرشل وتمّ الاتفاق على تمكين الشّعوب الأوروبيّة من اختيار أنظمتها السّياسيّة دون تدخل أجنبي بعد انتهاء الحرب. وغداة الحرب وخلال فترة 1945 – 1947 قام الاتحاد السّوفياتي بتركيز أنظمة شيوعيّة بدول أوروبا الشّرقيّة الّتي أصبحت تحت سيطرة الجيش الأحمر بعد تحريرها من الهيمنة النّازيّة مما أثار معارضة وتنديدا من قبل الحلفاء الغربيين على رأسهم الولايات المتّحدة الأمريكيّة وأطلق تشرشل مصطلح “السّتار الحديديّ” للتّعبير عن الانقسام الذي حصل بأوروبا.
في الأثناء، تبنى ترومان نظريّة جورج كينان المتعلقة بسياسة الاحتواء الّتي تهدف إلى تطويق الاتحاد السّوفياتي ومنع انتشار الشّيوعيّة في العالم ومثّل مخطط مارشال سنة 1948 الذي يهدف إلى تقديم مساعدات للدول الأوروبية تجسيدا لسياسة الاحتواء. فيما ردّ الاتحاد السّوفياتي بنظريّة جدانوف (عضو اللّجنة المركزيّة للحزب الشّيوعي السّوفياتي منذ 1927 وكلّفه ستالين بالرّد ّعلى نظريّة ترومان) الذي ندّد بالإمبرياليّة الأمريكيّة وبسعيها إلى الهيمنة على شعوب العالم فقام ببعث “الكومنفورم” أو مكتب “الإعلام الشيوعي” في سبتمبر 1947. وأدت هذه الأحداث إلى حصول قطيعة بين العملاقين وبداية تشكل نظام جديد.
مظاهر القطبية الثنائية:
بعد انقسام الدّول المنتصرة على ألمانيا بسبب الخلافات والتّنافس ظهرت كتلتان متعارضتان إيديولوجيًّا وسياسيًّا واستراتيجيًّا.
كتلة رأسمالية غربية: تزعّمتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة وضمت دول أوروبا الغربيّة.
كتلة اشتراكية: بزعامة الاتحاد السّوفياتي ضمت الأنظمة الاشتراكية الجديدة بأوروبا الشّرقيّة.
وقد أُطلقَ على هذا النّظام الجديد مصطلح القطبيّة الثّنائيّة وتميّزت المرحلة الّتي عقبت الحرب العالميّة الثّانية بتنافس شديد بين العملاقين وتوتّر في العلاقات الدّولية سمّيت بالحرب الباردة.
واكتسى هذا النّظام الجديدة أبعادا مختلفة منها:
بعد ايديولوجي: سعي كلّ طرف للدّفاع عن مبادئه وانتقاد نظام الطّرف الآخر.
بعد اقتصادي: إعلان الولايات المتّحدة الأمريكيّة عن مخطّط مارشال مقابل تعميم الاتحاد السّوفياتي الاشتراكية في دول أوروبا الشّرقيّة.
بعد جغراسياسي وعسكري: تجسّد في بروز أحلاف عسكريّة مثل حلف شمال الأطلسي في أفريل 1949 يضمّ الكتلة الرأسماليّة وحلف فرصوفيا في 1955 ضمّ الاتحاد السّوفياتي وأوروبا الشّرقيّة.
أدّى هذا التّنافس بين القطبين وإنشاء الأحلاف العسكريّة إلى توتّر في العلاقات الدّوليّة وبروز أزمات حادّة هدّدت السّلم العالمي وميّزت فترة الحرب الباردة.
أزمات الحرب الباردة:
أزمة برلين الأولى: كانت في مارس 1948 – ماي 1949 ومن أسبابها فرض الاتحاد السّوفياتي حصارا بريًّا على العاصمة الألمانيّة برلين واعتماد عملة “الدّوتش مارك” دون استشارة الاتحاد السّوفياتي. وكان أطرافها الاتحاد السّوفياتي والحلفاء ولحلها اضطر السّوفيات إلى رفع الحصار فبرزت ألمانيا الفيديراليّة في الغرب وهي رأس ماليّة وألمانيا الدّيمقراطيّة في الشّرق وهي اشتراكية.
أزمة برلين الثّانية: في أوت 1961 ومن أسبابها تشييد ألمانيا الشّرقيّة جدار برلين لمنع هجرة السّكان الشّرقيين إلى برلين الغربيّة وكان طرفيها كل من ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، وكانت من انعكاساتها تشهير الغرب والتّنديد بمعادات الشّيوعيّة للحريّة والدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان.
الحرب الكوريّة: بين 1950 و1953 حيث حرّر السّوفيات الجزء الشّمالي لكوريا من الاحتلال الياباني أثناء الحرب العالميّة الثّانية وحرّر الأمريكيّون الجزء الجنوبي وقام الشّماليّون باجتياح الجزء الجنوبيّ في جوان 1950 بتحريض من الاتحاد السّوفياتي فتدخلت الو. الم. الأمريكيّة بقرار أمميّ وكان أطرافها كل من الكورتين الشمالية والجنوبية والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية. ولتجنّب توسّع النّزاع أجبر العملاقان الكوريّتين للدّخول في مفاوضات أسفرت عن هدنة تعود بالكوريتين إلى الحدود السّابقة في مستوى خطّ عرض 38 درجة شمال.
الأزمة الكوبيّة: في 1962 حيث تمكّن الزّعيم الكوبيّ فيدال كاسترو من الإطاحة بنظام باتيستا الموالي للولايات المتّحدة الأمريكيّة وإقامة نظام شيوعيّ أثار مخاوف الولايات المتّحدة وأرادت الإطاحة به إثر عمليّة إنزال فبادر الاتحاد السّوفياتي بنشر صواريخ نوويّة بكوبا قبالة سواحل الولايات المتّحدة وكان أطرافها كل من كوبا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية وانتهت الأزمة بسحب الصّواريخ السّوفياتيّة من كوبا مقابل تعهّد الولايات المتّحدة بعدم مهاجمتها.
من الانفراج إلى انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة :
انفراج نسبي وتعايش سلمي تخللها أزمات ظرفية:
الانفراج:
امدت فترة الانفراج في العلاقات الدولية خلال عشريتي الستينات والسبعينات وهي تعكس مبدأ التعايش السلمي بين العملاقين ومن مظاهرها:
بعد ايديولوجي: تعاون في مجال الفضاء من خلال تبادل المعلومات وبرامج البحث العلمي المشتركة وتُوِّجَ هذا التعاون بالتحام المركبة الفضائية السوفياتية سوايوز Soyaouz وأبولو Apolo الأمريكية في جويلية 1975.
اقتصاديا: تزويد الولايات المتحدة الأمريكية الاتحاد السوفياتي بالحبوب ومعدات التكنولوجيا المتطورة.
دبلوماسيا: تعدد الزيارات بين الرؤساء السوفيات والأمريكيين منذ القمة التي التأمت بين رئيس الاتحاد السوفياتي بريجنيف والرئيس الأمريكي نيكسون في موسكو سنة 1972.
إقدام ألمانيا الغربية بالاعتراف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) وتم قبولهما في منظمة الأمم المتحدة في سبتمبر 1973.
كما صدر الإعلان النهائي في 1 أوت 1975 مؤتمر هلسنكي حول الأمن والتعاون في أوروبا الذي نص على الاحترام المتبادل للسيادة الترابية والسياسية لكل الدول وعدم اللجوء إلى القوة وحل النزاعات.
النزاعات الطرفية:
ربيع براغ 1968: سعى الرئيس التشيكوسلوفاكي إلى الإعلان على اصلاحات تحررية في ظل النظام الشيوعي فرفض الاتحاد السوفياتي هذا التوجه وتدخلت قوات حلف فرصوفيا في تشيكوسلوفاكيا لإنهاء ربيع براغ بالقوة.
حرب الفيتنام 1963 – 1973: تدخلت الجيوش الأمريكية لنجدة فيتنام الجنوبية أمام تهديدات الشيوعيين الذي تساندهم فيتنام الشمالية بـ 500 ألف رجل. تضخمت خسائرهم وبرزت معارضات من قبل الرأي العام الأمريكي فأجبرت الولايات المتحدة على سحب جنودها بعد أن منيت بأول هزيمة عسكرية في تاريخها وتم توحيد الفيتنام تحت الراية الشيوعية سنة 1973.
توسع النفوذ السوفياتي في أمريكا اللاتينية وأفريقيا:
ظهر في بوليفيا والسلفادور ونيكاراغوا حركات ماركسية اعتمدت أسلوب حرب العصابات وامتد النفوذ السوفياتي إلى القارة الإفريقية بأثيوبيا وساند الاتحاد السوفياتي حركات التحرر بأنغولا والموزمبيق.
عودة التوتر وانهيار الاتحاد السوفياتي:
عودة التوتر:
عاد التوتر في العلاقات بين العملاقين في مطلع الثمانينات لعدة أسباب منها:
غزو السوفيات لأفغانستان في ديسمبر 1979 مما أثار مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من تعرض منطقة الخليج النفطية إلى النفوذ السوفياتي المباشر فتخلت عن سياسة الانفراج في عهد الرئيس الأمريكي رونالدر ريغان (1981 – 1988) الذي رفض التوقيع على اتفاقية ستارت 1 حول تخفيف الأسلحة النووية. تقدم بمشروع الدرع الصاروخي الذي عرف “بحرب النجوم” وإيقاف تزويد الاتحاد السوفياتي بالحبوب وزاد التوتر حدة لما ركز السوفيات صواريخ متوسطة المدى في أوروبا الشرقية حيث رد الأمريكيون بتنصيب صواريخ بأوروبا الغربية.
انهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية:
تنامت معارضة الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية خاصة في أواخر الثمانينات مما أدى الى نجاح المعارضة في بولونيا على إجبار النظام على تنظيم انتخابات حرة أدت إلى إقرار الحريات العامة والتعددية الحزبية سنة 1989. وامتدت هذه التحركات الشعبية المناهضة للشيوعية والاشتراكية إلى بلدان أخرى مثل المجر وبلغاريا ورومانيا وأدت إلى إزاحة الأحزاب الشيوعية من الحكم فضلا عن انهيار جدار برلين في نوفمبر 1989 وتوحيد الألمانيتين في أكتوبر 1990.
انهيار الاتحاد السوفياتي:
أزمة اقتصادية واجتماعية حادة شهدها الاتحاد السوفياتي منذ منطلق ثمانينات القرن العشرين عمقتها ضخامة تكاليف سياسة التسلح وغذتها عوامل سياسية داخلية وخارجية.
حاول الرئيس غوربا تشوف إصلاح الأوضاع من خلال الإعلان عن برنامج إصلاحي “البريسترويكا” (إعادة الهيكلة) الذي لقي معارضة شديدة أدت إلى فشله. فاستقال رئيس الاتحاد السوفياتي وأعلنت الجمهوريات انفصالها عن الاتحاد. وبذلك سقط الاتحاد السوفياتي سنة 1991 وبذلك انتهت الحرب الباردة.
خاتمة
تم تتحول الحرب الباردة إلى مواجهة مباشرة بين العملاقين بسبب توازن الرعب النووي وكانت من أشد فترات التوتر في تاريخ البشرية. فكيف تطورت العلاقات الدولية بعد نهاية نظام القطبية الثنائية؟
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني