درس البرازيل: التباينات الاجتماعية والمجالية – بكالوريا آداب
مقدمة
اقترنت القفزة الاقتصادية البرازيلية بتباينات اجتماعية وإقليمية عميقة أصبحت من سيمات البرازيل وتعكس نقائص التنمية، فما هي التباينات الاجتماعية للبرازيل وفيما تتمثل الفوارق الإقليمية.
التباينات الاجتماعية الحادة:
سوء توزيع الدخل:
تركز الدخل لدى أقلية محظوظة مع تفشي ظاهرة الفقر:
عرف البرازيل نمو ناتجها الداخلي الخام لكن لم يتم اقتسام ثمار هذا النمو الاقتصادي بطريقة عادلة ومتوازنة حيث يحتكر 1% من السكان الأكثر ثراء 13% من مجموع ثروة البلاد في حين 50% من السكان الأفقر لا يتجاوز نصيبهم 14% من إجمالي الدخل البرازيلي ويوضح المؤشر الجيني على هذا الحيث الاجتماعي حيث بلغ في البرازيل 55% سنة 2010 ويعرف البرازيل تفشي ظاهرة الفقر فيعاني عشر السكان الفقر المدقع أي أقل من دولار واحد في اليوم وتواضع الأجور لا يسمح بتغطية الحاجات الأساسية لقسم كبير من السكان وتتسع دائرة الفقر بسبب تنامي البطالة بسبب سياسة التقشف والضغط على النفقات الاجتماعية.
تنامي الفوارق العرقية:
تبرز التباينات الاجتماعية من خلال تنامي فوارق الدخل بين مختلف العرقيات حيث تميزت فئة البيض بعدة امتيازات لتستأثر بالنصيب الأكبر من ثمار القفزة الاقتصادية وبقي الملونين وخصوصا السود والخلساء (الهُجَّنْ) يمثلون أكثر 2/3 الفقراء أما الهنود الأمريكيون سكان البلاد الأصليين يمثلون 0.2% من مجموع السكان ويتعرضون داخل المحميات في أمازونيا لعمليات إبادة جماعية.
سوء توزيع الأرض بالأرياف:
هياكل عقارية جائرة:
يتجلى من خلال انتشار اللاتيفنديا التي تتجاوز مساحتها 100 هكتار فهي تستحوذ على 80% من الأراضي الزراعية التي مع أنها لا تمثل 11% من العدد الجملي للمستغلات في المقابل المستغلات الصغرى التي تقل مساحتها عن 10 هكتار وتسمى المينفاديا لا يتوفر لها أكثر من 2.2% من مجموع الأراضي الزراعية ورغم أنها تمثل 50% من مجموع المستغلات وهي تعاني من ضعف الدخل والتهميش.
احتداد النزاعات على الأرض وامتدادها إلى مناطق الرّيادة:
شهدت البرازيل توتر اجتماعي يتحول في بعض الأحيان بين اللاتيفنديون وصغار الفلاحين وعملت الدولة منذ منتصف القرن العشرين على مصادرة قسم من الأراضي اللاتيفندية الغير مستغلة لكن تم التخلي عن هذه الإجراءات فيما بعد وتوجه صغار الفلاحين إلى غزو أراضي جديدة في جبهات الريادة التي راهن عليها البرازيل والتي تتمتع بمخزون ضخم من الأراضي في الوسط الغربي وأمازونيا لكن غالبا ما تجري عمليات الإحياء والإعمار في أجواء من التوتر حيث يطرد صغار المعمرين بعد حيازة أراضي عمومية من قبل كبار الملاكين ليصبحوا أَجُرَّاء في الأراضي اللاتيفندية ويعتمد أصحاب المستغلات الكبرى على قوات خاصة شبه عسكرية للتصدي لعمليات الاجتياح .
تركز الفقر والثراء داخل المدن:
ظهور السكن العفوي:
ساهم النزوح الريفي في تضخيم التباينات الاجتماعية واستفحال المشاكل الحضارية في المدن البرازيلية فظهرت الأحياء الفقيرة التي تسمى الفافيلا بطريقة عشوائية وسط المدن الكبرى وعلى سفوح التلال المجاورة لتأوي ملايين النازحين والبائسين الجدد في مساكن كوخية تفتقر لأبسط المرافق الضرورية وتشكو من البطالة والتهميش.
تركز الثروة والبذخ في الأحياء الراقية:
تجاور أحياء الفافيلا خاصة بمدينة ريو دي جينيرو وساوباولو التي تتميز بكثافة العمارات وناطحات السحاب وتأوي المقرات الاجتماعية للمؤسسات الكبرى والخدمات الراقية وتحيط بها الأحياء الفخمة التي تحتضن الفئات الميسورة في مساكن مجهزة بكل مستلزمات الرفاهة وساهمت هذه الفوارق الاجتماعية في بروز آفات عديدة مثل الإجرام وتجارة المخدرات وانتشار ظاهرة أطفال الشوارع.
تباينات إقليمية عميقة
البرازيل المركزي في الجنوب والجنوب الشرقي:
أكثر المجالات الإقليمية تقدما:
يمثل الجنوب والجنوب الشرقي:
مركز الثقل الديمغرافي والقلب الاقتصادي للبلاد
يأوي 57% من السكان
ويوفر 3/4 الناتج الداخلي الخام
و90% من قيمة الإنتاج الصناعي الجملي
ويسيطر على جميع الأنشطة الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية
وتعتبر ساوباولو العاصمة الحقيقية للبلاد إذ تأوي 80% من المؤسسات الكبرى الصناعية والخدمية وتحتضن أكبر بنوك أمريكا اللاتينية وبورصاتها وهي ثالث أكبر مدن العالم بـ 20 مليون نسمة كما إشعاع يتجاوز المجال الوطني ليشمل أمريكا اللاتينية والعالم النامي ويحتكر المثلث ساوبالو ري ودي جينيرو بيلي إيريزنتي غالبية الإنتاج الصناعي وبلغ هذا الإقليم درجة التشبع مما دفع بعض الشركات الكبرى مثل فولسفاغن إلى توطين أنشطتها خارج ساوباولو.
ظروف ملائمة للتنمية:
ارتبط اقتصاد الجنوب بدورة القهوة بين 1850 و1930 وبعد الأزمة الاقتصادية العالمية وانهيار أسعار القهوة توجه الاستثمار نحو الصناعة وبادر كبار الملاكين إلى بيع جزء من أراضيهم إلى العمال الفلاحين فظهرت طبقة اجتماعية متوسطة مثلت سوق استهلاكية وانطلقت حركة التصنيع البرازيلية في الجنوب الشرقي في إطار نظام حمائي وانفردت ميدنة ساوباولو بمهمة التوريد والتصدير وتدعمت مكانة الجنوب الشرقي بفضل سياسة التصنيع الحاث على التصدير فكان أكبر مستفيد واندمج بسرعة في الاقتصاد العالمي واستقطب جل الاستثمارات الأجنبية الواردة على البلاد وأغلب المؤسسات الكبرى الخاصة والعمومية ومازال إشعال هذا الإقليم يتسع ويتأكد على باقي الأقاليم بفضل رصيده البشري وهياكله الاقتصادية.
البرازيل الطرفي في الشمال الشرقي:
مجال إقليمي متخلف:
أكثر الأقاليم فقرا.
أقلّها تقدّما.
يضم 28% من السكان وأكثر من ½ الفقراء البلاد.
حصيلة هجرية سلبية.
ضعف أمل الحياة عند الولادة.
ارتفاع وفيات الرضع.
لا يوفر إلا 13% من إجمالي الناتج الداخلي الخام.
ضعف التصنيع الذي يرتكز بأكبر مدنه مثل ريسيف وسلفادور.
مردود فلاحي ضعيف وإقليم منفر للمستثمرين.
ظروف غير ملائمة للتنمية:
يعود إلى الإرث العبودي وضعف الاستفادة من السياسات التنموية وارتباطه بالزراعة الأحادية (قصب السكر) منذ القرن السادس عشر.
ووظفت العائدات في شراء الأراضي والعبيد مما أدى إلى توسيع الفقر والبؤس إضافة إلى الإجراءات الحمائية على أثرياء الإقليم باقتناء حاجياتهم من الجنوب الشرقي فأصبحت عائداتهم من العملة الصعبة مستقطبة من بنوك سوا باولو ولم تقلص القفزة الاقتصادية البرازيلية من خضوع الشمال الشرقي من أهمية البرازيل المركزي إضافة إلى الإرث العبودي – وضع متأزم – حدة الجفاف.
البرازيل الريادي في الشمال والوسط الغربي:
يمثل 56% من المساحة ويأوي 14% من السكان وموارد ضخمة لم يكتمل استغلالها.
يتميز الوسط الغربي بزراعة الصوجا وتربية المشاية ولا تبرز الصناعة بهذا الإقليم أما إقليم الشمال الذي يفضي إلى منطقة أمازونيا فهو أكبر مجالات الريادة في العالم.
عرف منذ القرن 19 دورة زراعة المطاط التي ساهمت في نمو مدينتين بيلام وميناوس ونشطت عمليات الإعمار والإحياء حينها أقدمت الدولة على بناء الطريق العابرة لأمازونيا وركزت أقطاب تنمية ومناطق حرة وحوافز للمعمرين استفاد منها خاصة كبار مربي الماشية والشركات العبر قطرية وأصبحت أمازونيا تعتمد على أنشطة متنوعة مثل الزراعة وتربية الأبقار واستغلال موارد الغابة واستخراج المعادن كالحديد لكن يبقى التصنيع محدود ومازالت ظروف العيش صعبة.
لكن مع ذلك مثلت أمازونيا منتجعا بالنسبة لبقية الأقاليم باستيعاب البطالة والتخفيف من الأزمة على المدن الكبرى.لكن الاستغلال الاستنزافي لثروات أمازونيا ألحق أضرارا جسيمة بالبيئة كإتلاف 400 ألف كم² من الغابات وافتقار هذين الإقليمين إلى شبكات نقل إقليمية ومترابطة وشبكات حضرية مكتملة لا يسهل جهود التحكم الناجع في هذا المجال الريادي.
خاتمة
مكنت القفزة الاقتصادية البرازيلية من تحسن مختلف المؤشرات الديمغرافية والاجتماعية ومن تقليص الفوارق بين الأقاليم لكنها لم تنجح في القضاء على التباينات الاجتماعية والمجالية التي جعلت من البرازيل أكثر بلدان العالم لا مساواة ومثالا دالا على سوء التنمية.
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني