ملخص رواية الشحاذ: الجانب الفني – الجزء الثالث – العربية – بكالوريا آداب
تقنيات الخطاب الروائي:
الحوار في رواية الشحاذ:
يُعتبر الحوار أداة من الأدوات القصصية الهامة التي تنقل لنا أقوالا دارت بين طرفين أو أكثر والحوار يضطلع بعدة وظائف منها فسح المجال للشخصية أمام التعبير والتبليغ والكشف ونزع الغموض. ودفع نسق الفعل الروائي نحو التقدم (الحوار الذي دار بين عمر ومصطفى ومارغريت الذي دفعه نحو تجربة الجنس في الفصل 07) أو توضيح الحوار لبعض جوانب من الأحداث كانت غامضة أو لم تسرد وتوضحها وتفسرها وتحديد طبيعة العلاقات بين الشخوص في القصة أو الحكاية وبيان التفاوت في ما بينها من الأفكار والمواقف أو بعث دلالة ذهنية لبعض القضايا حتى في ذات الشخوص من قضايا فكرية كالقلب والعقل ومعنى الوجود والشّعر والفنّ ومنها ما يأخذ بعدا ذاتيّا يكشف أعماق الشخصية النفسية والوجدانية يستبطن فيها للعوالم الدّاخليّة للشّخصيّة (حوار عمر ووردة فصل 09 أو حواره مع بثينة في الفصل 16)ونختلف خصائص الحوار وأطرافه وطبيعته…
لم يرد الحوار منتظما فنجده حينا متساويا في الكمّ (حوار عمر والطّبيب) أو تفاوت وسيطرة أحد الأطراف على الكلام (سيطرة عثمان خليل على الحوار في الفصل 16) أو ورود طرف واحد وغياب الأخر مما يحيل إلى غياب مكانته وفعله في فضاء الخصية المحورية (كلام عمر عند تذكّره لبعض الذّكريات مع زينب وهي غائبة في الفصل 09 وكان الحوار مسترجعا مع وردة).
الحوار المباشر:
حضر الحوار المباشر في الرواية وتعددت أطرافه في بدايتها وكان للبطل حضورا غالبا عليه مع إحدى الشخوص الثانوية وقليلا ما اجْتمعت في الحوار وهو غائب وكلما تقدمت أحداث الرّواية تقلّص الحوار المباشر وذلك بكون أنّ البطل قد انطلق في تجارب وهرب من الحال الذي كان عليه زمانا ومكانا وشخوصا فيقِل الحوار معهم ليصل به الأمر إلى اندثار نسبي للحوار المباشر منحدرا نحو حضورا أوسع وأكثر للحوار الباطني ليكثفه في الأخير ليكون ضرْبا من ضروب الحوار وهو حوار الصّمّ في خاتمة الرواية فكان الحوار المباشر معبرا عن ذات قلقة من جهة وعنْ تباين في وجهات النّظر والمواقف بينها وبيْن الشّخوص الأخرى.
الحوار الباطني:
هو حديث موجّه من الذات إلى الذات دون وساطة فهو حصير الذّات لا يخرج عنها أي خطابا أحاديّا مفردا فنرصد من خلاله حالات ومشاعر وانفعالات النفس في البطل الروائي لحظة ولادتها وتداعي الخواطر الشخصية ويتميز الحوار الباطني بعدم غيابه حيث عمد نجيب محفوظ إلى تكثيفه والتمهيد له بمقدمة سردية وحيرة “وقال عمر لنفسه: لماذا أُتعب نفسي في مناقشة أمور لا تهمني” حيث أن الحوار الباطني يتجاوز الأزمنة والأمكنة ليستشرف لنا ويكشف أحوال البطل ليهمش دور حركة الأطر مصَورا الحركة الإنسانية فيه وقد ورد الحوار الباطني متداخلا غير مرتب وذلك لولوج البطل إلى الماضي وتردده عن الحاضر ثم العودة إليه مستشرفا المستقبل وعلى غرار أنّه متداخل نجده حوار متنوع أي تتنوع وجهته فنجده:
موجها إلى صاحبه أي قائله: يحادث نفسه أو يكون استرجاعا (الفصل 03) أو تساؤلا (الفصل 04) أو تلخيصا لأحداث (الفصل 06). وهو تعبير عن أحوال الشّخصيّة الطارئة عليها أو كشف للواحق مرت فكان الحوار الباطني من هذا النّوْع تقديم لعمرين عمر الماضي وأخر الحاضر
الحوار الباطني الموجه إلى الصاحب: لتكون الضمائر منفصلة (أنت/أنا/هو) “من الآن فصاعد انت الطبيب الحر والفعل الصادر عن الحرية نوع من الخلق”.
الحوار الباطني الموجه إلى الآخر: ويكون ضربا ذهنيا متخيلا ويكون على نحو المناجاة التي لا تتجاوز صاحبها ويكون مهربا للبطل عند عجْزه عن مواجهة الأخرين
الحوار الباطني السرد: ويرد أيضا الحوار كعامل سردي جامعا بين أداة السرد الناقلة للأحداث وطبيعة الاستبطان للأقوال والاحوال وما يجول في خاطر الشّخصيّة ليقوم باختزال الأحداث حينا وتلخيصها أو مراجعة التجارب “وقد قطع الشاب الطويل النحيل ابن الموظف الصغير القاهرة طولا وعرضا على قدميه دون تذمر”.
وقد اضْطلع الحوار على وظائف منها وصف الحالة كوصف الزحام والسوق والأعياد أو كوصف المظهر مثل شخصية البطل فيكون الوصف وصفا لحالة سواء شكلا أو مضمونا فمظهره وانتمائه يتعارضان فيأتي الحوار منفتح على: آلية التذكر باستدعاء الماضي بطريقة عفوية فيكون التذكر استعداد البطل لقطع رتابة التجربة الاجتماعية بخوض تجربة وجودية تمثل ميلاد إنسان آخر وميلاد وعي ذهني. إن الحوار وما اكتسبه من دور في نقل العالم النفسي للشخصية بدل العالم الواقعي وما تنبجس لها قد وصل إلى ضرب من اللاوعي فانتهى ببطلنا إلى الرؤى والأحلام تسجيلا لللحركة النفسية له.
الرّؤى والأحلام:
تقنية كشف الباطن تكون عبر الرؤى والأحلام وهي أداة تجاوز المعقول إلى اللامعقول فيخترق حدود الزمن والمكان وتخط لكل الضوابط العقلية المنطقية وهو تحول من نقل الحالة الواقعية الاجتماعية للشخصية إلى نقل للواقع النفسي لها، ويظهر ذلك في آخر الرواية في سفر البطل في تاريخ البشرية ويعيد خلق شخوص ماتت وتشكيل ملامحها مستجمعا لأزمنة شخوص متعددة لتشكلها في لحظات مختلفة ومتفقة في آن علتها البطل حلما وحقيقة وكما ذكرت آنفا أن الرؤى والأحلام قد وردت في آخر الرواية وهي حالة من اللاوعي حسب التصور العلمي النفسي يتجلّى فيها اللاوعي الذي اتجه نحوه البطل “عمر الحمزاوي” بعد عجزه وفشله عن تحقيق ضَالّتِهِ في حالة وعيه ملتجئا إلى الحلم والرؤى تجاوزا لكل النظم والقوانين التي تمثل عائقا نحو سموه.
هكذا كان حال الحوار الباطني بتنوّع طرقه ووسائله كحال الأزمنة والأمكنة في كشف الغطاء عن أحوال الشخصية المحورية في الرواية وبعدا من أبعاده.
نظام السرد:
نظام السرد في رواية الشحاذ على نقل الأحداث من عالمها الأول إلى عالمها الثاني أي الأثر الادبي المكتوب وفق النظام القصصي الذي يخالف نظام العالم الأول وقد انبنى النظام السردي على سرد نظام زمني يتأرجح فيه السرد بيم الماضي والحاضر والمستقبل ويتم ذلك عبر طرق عدة بينها إيراد اللواحق والسوابق وكذلك نجد التواتر وأسلوب التداعي وأسلوب الديمومة التي تلعب هذه الطرق المتنوعة والمتعددة في البناء السّردي للأحداث وقد تنبين خصائص كل منها في مواضعها.
وهذه الطرق التي ذكرت دالة على ضرب مخصوص من التصرف في الأحداث من الوقائع والأزمنة فيتقلص بعضها فيختزل ويمطط بعضها الأخر وكان السرد ملازما للشخصية المحورية في مواضع كثيرة فأصبح السرد في رواية الشحاذ لحظات البطل الرئيسي بعد أن كان في السرد التقليدي يخضع لمبدأ العلية والزمن الميقاتي المعلوم حسب الناقد “الصّادق قسومة”. وإن من أثار إنبناء السّرد على العالم الداخلي للبطل عمر الحمزاوي الخواطر التي تطرأ على السرد التي هي خواطر البطل جعله سرد معقّد قائم على أحداث متباينة وممقة وتميز أيضا بتكسر الزمن فيه بين الماضي القريب والماضي البعيد المغرق فيه الكلام وذلك لولوج الصبغة الذهنية على السرد.
ونجد أن السرد بوظيفته الكلاسيكية قد تقلص الذي ينقل لنا حركة البطل الظاهرة والمادية مقابل وظيفته الجديدة التي تتمثل في نقل الحركة النفسية الباطنية وذلك من خلال تنوع الظمائر وخصائص الحوار المباشر.
نظام الوصف:
يعرف الوصف “الصّادق قسومة” على كونه أداة روائية تضطلع إلى إيراد الملامح الظاهرة سواء كانت متحركة أو ساكنة وتشمل كل شيء من أطر وشخوص وأشياء. ويعد من الممتنع أن يخلو نص من النصوص من الوصف.
يكشف لنا الوصف خصائص الموصوف ويبين لنا طبيعة العلاقات فيما بينها موضحا للظروف والحالات فكان الوصف ملما بالأمكنة والشخصيات أكثر من الأشياء فقد قام الوصف بوصف المكان تمشيا مع طبيعة الرواية الذهنية فقد أُهمل المكان في مادّيته وأخذ على ما يُحيل من معنى ودلالة يستقطب فيه حال البطل فتفقد الأمكنة والشخصيات مادّيتها واجتماعيتها فنجد تكثيف الإيحاءات دلالة على حضور الطابع الذهني على الوصف من ذلك قاعة الانتظار التي أهملت مكوناته والحجرة ولم يهتم إلا بلوحة فنية زيتية انطلقت منها الرواية فاتحة لعالم التّرميز من خلال الوصف فيصبح الوصف يلعب دور الترميز فيفيض الكلام في وصف هذه اللوحة “سحائب ناصعة البياض تسبح في محيط أزرق تظلل خضرة تغطي سطح الأرض في استواء وامتداد وأبقار ترعى تعكس أعينها طمأنينة راسخة ولا علاقة تدل على وطن من الأوطان وفي أسفل طفل يمتطي جوادا خشبيّا ويتطلع إلى الأفق عارضا جانب وجهه الأيسر وفي عينيه شبه بسمة غامضة”.
فكان المكان مطلق منفتح غير محدد أو معين إيحاء بالطابع الذهني على الرواية ولأبعاد الإنسان فتفقد الأمكنة الطابع الاجتماعي والتاريخي والبيئي لتكون معبرة عن باطن الشّخصية لتنكشف الأحاسيس والمشاعر فتراها منفتحة ومنغلقة بين الضيق والاتساع على نفسية البطل. ومن الوصف وصف الطبيعة التي تمثل عنصر هام من المكان إذ يعبر عن باطن الشّخصيّة المحورية أي حركة الذات كحالة سكونه ورتابة فكره على سبيل المثال ومن ذلك الشمس رمز الضياء والحياة والسحب الوضيئة رمز الخصب والنور وكلها كاذبة ستؤول إلى الزوال وولوج الظّلام. وكان في وصف الطبيعة ما يحيل إلى الدلالة والمعنى كما اضطلع الوصف بوصف الشخصيات من الملامح الخارجية الظاهرة ليتخطى بها إلى الملامح الدلالية الذهنية وما ترنو إليه ولم يكن هذا الوصف مكثفا في الشخصية المحورية فلم نعرف عنه سوى البدانة وطول الأنف وغزارة الشّعر والقامة المديدة فلم يعطي لنا صورة واضحة وقد تقلص مجال والوصف في الشخصيات الثانوية لأنها استكمال لملامح الشّخصيّة الرّئيسيّة فلا نعرف عن مصطفى إلا وجها شاحبا وصلعته التاريخية وعينيه الذابلتين دلالة على سذاجة الفكر والثقافة ومن زينب إلا الأكل والتخمة ومن عثمان سوى القوة والصمود فكان الوصف خادما لإنسانية حية.
إن الملامح المادية ليست إلا وسيلة إلى الملامح الذهنية وكشفا لها ولقد جعل نجيب محفوظ الوصف في المكان مفعولا به من قبل الإنسان يلونه حسب ما شاء من عالمه الذاتي وحالاته النفسية لذلك ورد الوصف ممزقا ومتقطعا ومقتضبا لا يستقر على حال.
على غرار اضطلاع الوصف بوظيفة التّرميز وغيرها نجده استبطان للشخصية ببيان ما يلج داخل عالمها النفسي والذهني وما يخطر لها وحركات ذاتها كمشهد الأمواج في الفصل الخامس. أو يعمد الكاتب على تقديم الاحداث من خلال أداة الوصف كوصفه من ذلك مشهد الإغراء في شخصيتي مارغريت ووردة ساهم في انجذاب البطل عمر الحمزاوي لعالم الجنس فيشحن الوصف بالرّمزية ويتخلّى عن الوظيفة التقليدية وعلى غرار ذلك فإنّه يضطلع أيضا بوظيفة التّفسير كتفسير الملامح وإيراد الأحوال كالملابس والبيئة أو وصف شيء قد مضى وانقضى يعيد إلى وصفه حتى يتّضح كوصف عمر على لسان الطبيب حامد صبري “أنت رجل ناجح ثري نسيت المشي أو كدْتَ تأكل فاخر الطّعام والخمور الجيدة” او وصف الموجودات كمشهد العشاء في الفصل السّادس عشر في يخلو من التّوظيف الرّمزي له وغنّما وصفا مؤثّثا للمكان والأحداث.
المراجع:
العمل التحضيري لشرح النصوص للأستاذة حياة المؤدب بمعهد ابن خلدون برادس.
عمل تأليفي لتلاميذ البكالوريا للأستاذة عائدة كمون.
كتاب “النزعة الذهنية في رواية الشحاذ لنجيب محفوظ بين تشابك القضايا واختبار الأدوات” لصاحبه الأستاذ “الصادق قسومة”.
كتاب يتمثل في دراسة مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم، للأستاذان “الأزهر بن رحومة ومحمد الهاشمي الطرابلسي”، مطابق للبرنامج الرسمي.
للحصول على الجزء الأول اضغط هنا
للحصول على الجزء الثاني اضغط هنا
أنجز هذا العمل من قبل أشرف البنزرتي – بكالوريا آداب
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني