ملخص رواية الشحاذ: الجانب الفني – الجزء الأول – العربية – بكالوريا آداب
البنية القصصية:
الأحداث:
قامت الرواية على ثلاث هياكل وهي كالآتي:
الفاتحة الروائية:
تنطلق من الفصل الأول في عيادة الطبيب “حامد صبري” حيث تنفتح بها الرواية التي يتقاطع فيها اتجاهين متقاطعين ومختلفين.
اتجاه الماضي: نحو التجربة الحياتية الذي يعود فيه البطل “عمر الحمزاوي” إلى المسافة الزمنية المبتورة قبل بدأ الرواية (25 سنة في النجاح المهني والثراء والزواج وتحقيق مرتبة اجتماعية مرموقة…).
اتجاه الحاضر: الذي تتحرك فيه أحداث الرواية نحو المستقبل وهذه الفاتحة تنطلق من الحاضر تحديدا تواجد البطل “عمر الحمزاوي” بقاعة انتظار بالعيادة أمام لوحة فنية زيتية الذي ظل لبرهة متأملا لمحتواها فاتحة الأفق مقابل ضياع كيان البطل الجاهل لحقيقة وجوده ولمعنى الحياة. إذ يضطرب ويضجر ويكره الماضي والحاضر معا.
تنامي الفعل الروائي: سياق التحوّل:
ينطلق هذا الجزء من “الفصل الثاني” ليمتد إلى التاسع عشر ويتم الفعل الروائي بالتكثيف فالشحاذ هي حكاية واحدة هي حكاية مغامرة البطل الواحد فهو أول من ظهر وآخر من اختفى ممثلا لمحور الأحداث فقد انعكس هذا الاستقطاب الآحادي على خصوصيات الرواية بدأ من العنوان “الشحاذ” الذي ورد في صيغة الفرد والمبالغة من فعل “شحذ” أي سئل الناس ويقصد به المتسوّل غير أن البطل هو متسوّل لمعنى الحياة لا المال “ألم يخطر لك يوما أن تتسائل عن معنى حياتك”. وهو على طول الأحداث الروائية حاضر لم يغب والأحداث لم تخضع إلى منطق السببية بل تحدث حسب عوالم وأحوال الشخصيات باختلافها ولكنها متداخلة في تحديد وبلورة الشخصية المركزية لذلك كان البناء الزمني للأحداث مشوّشا وتتابعت الأحداث دون تماسك. وكما أنه قام على منطق الصدفة وقد تكاثف هذا التشويش الطارئ على البناء الزمني للأحداث بفضل منطق الصدفة فخروج “عثمان خليل” من السجن كان صدفة وغياب “مارغريت” كان صدفة وحدث إصابة “عمر الحمزاوي” برصاصة الرحمة في آخر الرواية كان على منطق الصدفة.
كما تميزت الأحداث بالمراوحة بين الانفتاح والانغلاق فعلى غرار منطق الصدفة فإن الفعل الروائي في الأحداث قد انبنى على المرواحة بين الانفتاح والانغلاق (الحل فالأزمة) لتنطلق الرواية منفتحة على حل عند حسمه باتخاذ القرار لزيارة عيادة الطبيب “حامد صبري” لتشخيص مرضه لتتدرج مع سيْر البطل وسعيه وبحثه عن معنى الحياة الذي افتقده لحل أزمته إلى الانغلاق فهي حلول وهمية ومجردة لا تفضي بصاحبها إلى الحقيقة المنشودة “نشوة الحب لا تدوم ونشوة الجسد أقصر من أن يكون لها أثر والاستقرار مات ولا سبيل لاسترجاعه” لتكون الأحداث التي سيمر بها البطل “عمر الحمزاوي” وعرة وكثيرة المنعرجات بتجارب خاضها (تجربة الحب والجنس وتجربة الفن وتجربة التصوف وتجربة الجنون) فكلما تَوهم أنه وجد ضالته تبين له أنه عاد إلى نقطة الصفر فتنتهي كل تجربة بالفشل.
الخاتمة الروائية: النهاية:
يمثلها “الفصل الأخير” في سيارة الشرطة حيث كان البطل “عمر الحمزاوي” يخوض تجربة الجنون وأصيب برصاصة الرحمة ليعود إلى واقعه الذي فَرَّ منه ويعود إلى نقطة البداية ونقطة الصفر الذي انطلقت منه الرواية إلى عيادة الطبيب.
هكذا جاءت الأحداث دائرية حيث انتهت من حيث بدأت وبين البداية والنهاية كانت الفكرة تغوص في أعماق كيان البطل “عمر الحمزاوي” لتعود إلى السطح الحسي في الأخير.
كما انبنت الأحداث في رواية الشحاذ عموما ضربا من التداعي الحر حسب بواطن وعوالم الشخصية البطلة وهواجسها الباطنية أي أن الأحداث خاضعة للخواطر وقد كانت الأحداث لا تستمد قيمتها إلا من خلال دورانها في فلك شمس الرواية “عمر الحمزاوي”
أسلوب التداعي في رواية الشحاذ:
التداعي يقصد به تتداخل الخواطر والذّكريات وتأرجحها بين مختلف الأمكنة وهو دالّ على عمق القلق والتمزق فرواية الشحاذ هي رواية ذهنية ويرز ذلك في:
تجسيد الأحداث:
تفقد الأحداث طابعها المادي الكلاسيكي ليستبدل بطابع دلالي رمزي يصاغ بصياغة ذهنية بالحلم البشري وبمنطق فلسفي وجودي ولنقل أن الإنسان لم يخلق ليكتظ بالأطعمة فعملية التجاوز تحتاج إلى إزالة الشخصية الحسية وجانبها الواقعي والتعلق بالنشوة الأدبية في عالم الحلم ومن ذلك تداعي الأحداث عند رؤية “الشامبانيا” المغدقة على العواهر في الملهى إلى “الشامبانيا” الأخرى التي “شربها عمر الحمزاوي مع صديقيه لأوّل مرّة مع عثْمان خليل ومصْطفى المنْياوي فالتّداعي هي أداة فنيّة جسّد بها محفوظ الأشياء.
تجسيد للمكان:
(طريق الكرنيش – الشاطئ – الهرم – الصحراء …) فلا يذكر منها مكان معين ودقيق للتداعي وحتى يكون التداعي سببا في توالد الأمكنة فإن الكاتب لا يذكر منها إلا ما يناسب البعد الرمزي أو الذهني من ذلك القاهرة قد أحال على صراع الإنسان مع الأمكنة في صراع البطل عمر الحمزاوي وما تحيل إليه من أزمة وجود المثقف وغيره.
تجسيد الزمان:
من ذلك (الآن – قديما …) وهو زمن نفسي يختزل الماضي المُطَول ويوسع حاضر الأزمنة فتتداعى الأزمنة وتتقدم بالأحداث عبر ذاكرة البطل.
تجسيد الشخصيات:
حيث يظل البطل رواية وبتداعي الذكريات يبرز تتبعا عميقا يوسع الخطى ثم يتجلى فردا اجتماعيا معروفا وتتماهى هذه الصورة مع أدم وحواء لتكتمل الدلالة الذهنية فكلما ولد الإنسان ولدت معه حياة وتجارب وجودية معه خروج من خيبة معطاة لتحقيق جنة بشرية مكتسبة بالفعل لذلك تتداعى وتتماهى تجربة البطل الوجودية مع تداعى الشخوص الأخرى وتجسيدها وصولا لأدم وحواء.
أسلوب التذكر:
يساعد هذا الأسلوب على استرجاع بعض الأحداث وحتى تتضح الصورة والاحداث لفهما وربطها فكانت استرجاعا لماض عمر من الاحاسيس والمشاعر والأحداث والشخوص وقد اتسم بالعفوية والتلقائية كتذكره لحالاته وهو مع صديقيه في طريق النضال ولحظاته مع زينب من الاحاسيس ولهيب الشوق وإلى لحظات الإبداع وغير ذلك …. فكان هذا الأسلوب مساعدا على استبطان وكشف أبعاد الشخصية وجوابها وبعض من خصائصها.
الأطر القصصيّة / الروائيّة:
الإطار المكاني: التصور العام للأمكنة:
المكان مقوم روائي هام ولا يمكن له أن يغيب حاملا في عمقه دلالة ومعنى لجئ إليها محفوظ حتى يسبغ على روايته الطابع الذهني وتتمّز الأمكنة في رواية “الشحاذ” بثنائية الانغلاق والانفتاح على المستوى أحوال الشخصية المركزية فهي تتماشى مع حال بطلنا في الرواية وملتبسة بالأحوال النفسية والوجودّة.
الأمكنة المنغلقة: هي ترجمة للحظات الضياع والاختناق وتأزم البطل (البيت – المكتب – العيادة …) ولتشكل مسار البطل وما يمثله من ألم وأمل وطموح وخيبة وفشل لذلك لم يكن اعتناء الشخصية بالأمكنة في ذاتها بقدر ما اعتنت على ما تحيل إليه. وتغير هذه الأمكنة وثيق الصلة بالبطل حيث في وصف “نجيب محفوظ” لها كشف على علاقتها بالبطل “ولم تشعر بالكآبة وأنت بين الجدران الرحيبة … البرطمان القذر”.
الأمكنة المنفتحة: هي ترجمة لسعيه وبحثه عن معنى الحياة ولحالة التّوْق (الأهرام – الصحراء – الكابريه …) التي تحيل على مطلق المعنى المنشود واللّنهاية “وها أنا أضرع إلى حبّة رمل أن تطلق قواها الكامنة وأن تحرّرني من قضبان عجزي المرهق” فهي تخبر عن كشف تحرر البطل النسبي وانطلاقه في الفعل.
الأمكنة ودلالتها:
عيادة الطبيب:
هي عيادة الطبيب “حامد صبري” وهذا المكان انطلقت منه أحداث الرّواية. تقع العيادة بـ “القاهرة” بميدان “سليمان باشا” وهذا الموقع يشير إلى أنّ له مكانة مرموقة وأنه طبيب ناجح “كثيرون يسمعون عن الطبيب الناجح” وهذا المكان هو سبب في إطالة عمر الطبقة البرجوازية التي تعالج أزماتها النفسية في هذا المكان.
بهذه العيادة قاعة انتظار بها لوحة فنية زيتية وقف أمامها البطل “عمر الحمزاوي” متأملا لما فيها من دلالة ومعنى (الفتى الذي يمتطي حصانا خشبيا متطلعا إلى الأفق والأبقار بجواره …) والتي أكْسبت البطل حيرة في مدلولها وفك رموزها التي ربما تعبر عن حاله إلى التوق والانطلاق نحو معنى الحياة الحقيقي وكأنه ذاك الطفل المتطلع إلى الأفق يريد أن ينطلق إلا أنه لم يفهم نفسه بعد فكيف له أن يفهمها ويفهم دلالتها.
البيت:
هو بيت الزواج وهو مكان مقترن بحياة البذخ والثراء وهي شقة فاخرة تطل على النيل “وخلا عمر إلى مصطفى في الشّرفة الكبيرة وقد بدا النّيل بين ثغرات على الشّجر” ولاحتوائها على أثاث وأطعمة فاخرة ومن المعروف أن البيت هو ملاذ المرء من ضجر وعناء وعبئ الشارع وضغوطات الحياة العملية وحتى تكتسب نفسه الراحة والطمأنينة وأنه دال على الاستقرار لكن لم يزل المكان على تلك الحال حتى أحس البطل “عمر الحمزاوي” بالضجر والضيق منه فحبست أنفاسه فهو مكان منغلق ومصدر الاختناق الذي جعل من البطل يهجر البيت الذي كان رمز الاستقرار لكنّه اليوم وهو في العمر الخامس والأربعين وهو سن الاستقرار والنضج نجده لا يستقر على حال متردّدا طالبا الهروب من الأسرة والبيت “كثيرا ما أضجر أضيق بالدّنيا بالنّاس بالأسرة نفسها” فهو سبب من أسباب مرضه وعلّته فهو عنده “برطمان قذر يخنقه”.
مكتب الوفير او مكتب المحاماة:
هو المكان الّذي يمارس فيه عمر الحمزاوي عمله كمحام مشهور وكان هذا الموقع مصدر الشّهرة والثّراء والسّعادة ويقع المكتب في مكان راق في القاهرة إلّا أنّ حال البطل عمر الحمزاوي مع مكتبه أصبح كحاله مع البيت بحيث يمثّل له مصدر الضّجر والقلق والضّيق والانغلاق وسجنا له فهو سبب من أسباب مرضه الغريب الّذي لم يجد له سؤله ولا دائه عند ذهابه لعيادة الطبيب “يا إلاهي إنّهما شيء واحد زينب والعمل والدّاء الّذي زهّدني في العمل هو الّذي زهّدني في زينب”.
وهكذا يصبح المكان بعد قداسته وسعادته مكان بؤس وانزعاج وضجر وهكذا عاف الشحاذ واشمئز منها فكلها “أمكنة خانقة راكدة آنسة” حتى أضحى ملولا من المكتب والعمل كمحام فلم يعد يرغب فيه “إني مازلت قادرا على العمل ولكنّني لا أرغب فيه” / “ما أغرب الذّهاب كل يوم إلى المكتب مكان غريب لا معنى له” .
الملهى الليلي:
بعد أن اختنق عمر الحمزاوي من البيت والمكتب اتجه نحو الملاهي اللّيلية الّتي اتّسمت بالانفتاح رمزا للبطل الوجودي التي قد سلكها بحثا عن معنى الحياة من خلال تجارب وبحث ومن ذلك اتجاهه نحو ملهى “باريس الجديدة” رمز الحضارة الغربية المتحضرة المتحررة ويلتقي هناك بـ “مارغريت” بحسنها وجمالها وصوتها الندي الذي تنتشي به النفس وحتى الجسد من المتعة الحسية التي تردد عليها البطل “عمر الحمزاوي” رفقة أصدقائه هروبا من واقع البيت والحياة الاجتماعية الّتي يمارسها, شاحذا طالبا لمعنى آخر لحياته ووجوده يمليه ويلبيه بمتعة حسية فكانت الأوصاف في ذلك معبرة بجوهرها ومضمونها المتقن حيث تلذّ العين بالأنوار والجمال وثغرات الجسد الراقص والمتمايل وتستمتع الأذن بوقع الموسيقى وصولا إلى نشوة الخمرة فينتعش الجسد وحواسه طالبا اللذة التي قد افتقدها في أماكن الانغلاق والضجر.
عش الغرام:
هي تبعة لمسار الملهى الليلي الذي عمد إليه البطل لمواصلة بحثه عن اللذة المفقودة ومعنى الحياة عنده وهي شقة جهزها لخوض تجربة الحب والجنس مع وردة فهي أجواء شبيهة بأجواء “ألف ليلة وليلة” لتنطلق منفتحة في بلوغ النشوة المنشودة “ثم كانت حياته الجديدة مع وردة التي انصرف إليها بكل جوارحه فلامس النّشوة المستعصية” لتصل هذه التجربة إلى فشلها ليمل ويضجر منها من جديد “فنشوة الحب لا تدوم ونشوة الجنس أقصر من أن يكون لها أثر” / “وعاد إلى عشّه متجهّم الباطن” وقد كان الحب قد طرق باب قلبه من جديد وكان حاله “كأنه أدم في الجنة” لكنها تجربة فاشلة لا تطول ليندفع إلى مكان أخر بتجربة جديدة منفتحا عليها ومنغلقا على السابق منه.
الصحراء:
ترمز الصحراء في رواية الشحاذ إلى الانفتاح والمطلق وإلى اللانهاية وأيضا إلى التوق لمعنى الحياة فهي ترجمة لفعل البطل المتحرر وقد كانت الصحراء حاضرة ليلا في الرواية حيث يزورها البطل رغبة منه في التحرر من سجن ما سبق من الأمكنة والأزمنة والشخوص إلى ما هو مفتوح ممتد مطلق لا نهاية له يكون فيه متحررا ومتمردا وصافيا وطاهرا تواقا للحياة وللأوسع وللمطلق حيث ينطلق به عنان نفسه ويمتد به بصره وتنطلق فيه الرّوح إلى اللاحدود حيث كان البطل “عمر الحمزاوي” بمثابة نبيٍّ وهو بالصّحراء إذْ انبثق له نور ربّانيُّ تكشف فيه كأبي حامد الغزالي على أسرار الكون وأسرار الوجود وطعم فيه نشوة دينية تعرف بالصوفية ملئ كيانه.
الكوخ والحديقة ذات الأسوار :
يتواجد هذا الكوخ على مشارف الصحراء حيث يتقلب البطل فيه بين الواقع والحلم وبين وعيٍ ولاوعيٍ ليكون مكانا تنفتح فيه روحه ونفسه على البحث والسعي وكانت الحديقة ذات الأسوار ملاذ “عمر الحمزاوي” الأخير لتكون تجربة الجنون متجسّدة بهذا المكان باحثا كعادته على المطلق ليكون فيه بين الأشجار والحقول من وراء أسوار, أسوار تأخذ في عمقها دلالة رمزية إلى السّجن الذي لا ينفك أن يتابع ويراود البطل الوجودي عمر الحمزاوي. فهي حدود تَحُد من قدرة وإرادة البطل حتى يتيقن عمر الحمزاوي بأن ما ينشده هو من فعل الإله لا الإنسان فليس كل ما يطلبه الإنسان هو مجال تحقق.
القاهرة:
وهي العاصمة السياسية للبلاد في مصر، وللسياسة نصيب في هذه الرواية، فأزمة الشحاذ هي أزمة فكرية أيديولوجيا ولشخصياتها خلفيتها الاجتماعية السياسية، إذ يدور موضوعها حول ما حدث في مصر من تحول إثر ثورة الضباط الاحرار في 1952، وما تبعها من تغير لنظام الحكم وللنظام الاقتصادي هنا بمحاولة انتهاج الاشتراكية سبيلا إلى الرقي وطرح عبرها عدة تذكيرات بالخيانة والانقلاب على الثورات.
والقاهرة في الرواية رمز كذلك للاختناق، وعمر الحمزاوي أصبح في حالة نفسية متوترة تنشد الخلاص من ذلك الوضع، وتبحث عن التحلل من كل ارتباط، إضافة إلى أن القاهرة ترمز إلى تجذير الكاتب في بيئته ووطنه، لذا ألح النقاد على جانب “الوجدان في أدب نجيب محفوظ”.
السجن:
يشير عثمان خليل، السجين السياسي الأبدي ومن خلال خروج عثمان خليل رمز النضال ورمز تاريخ عمر الحمزاوي لذلك يبعث نجيب محفوظ بتاريخ البطل هادفا من وراء ذلك بعث تاريخ الثّورات المصريّة التي خدعت وخذلت من الدّاخل الّتي بدأ بها الأجداد وتوقفا عندها الأبناء الّذي يرى فيهم عثمان خليل وكأنّهم فئران “ولو لم تسارعوا إلى الجحور…”الّذين لا يحبّون صعود الجبال على حدّ عبارة أبو القاسم الشّابّي فعثمان خليل بالأمس قزم واليوم عملاق (≠) وعمر الحمزاوي عملاق بالأمس واليوم قزم أمام الحقيقة العارية الّتي لطالما كان متخوّفا من هذه اللّحظة من المواجهة معه. علاوة إلى الاشارة إلى التعذيب الذي يلحقه ويلحق أمثاله في الزنزانات: “الحق أننا عوملنا معاملة سيئة جدا أول الأمر، ولكنها تغيرت بطبيعة الحال بعد قيام الثورة.”
وحديث السجن يوحي بخلفية ماورائية أخرى، ما انفكت تتردد في أعمال نجيب محفوظ، على لسان ابطالها، باعتبار أن جوهر هذه الروايات جميعا هي رحلة من السجن إلى السجن وكأنه قدر محتوم لا فكاك منه، كانت نغمة المتحيرين والمتفلسفين، إذ رأوا فيها رحلة من العدم إلى العدم أو من الصمت إلى الصمت على حد تعبير الشحاذ نفسه. معنى هذا أن دلالة السجن الرمزية تكمن في المواجهة بين الحرية واللاحرية، أو هي بعبارة أخرى قصة النضال السياسي في ظل حضارة متخلفة خاوية من الحرية والكرامة والسلام.
قاعة الانتظار:
نقصد بها قاعة الانتظار التي أعدها لاستقبال زبائنه، الدكتور حمدي صبري صديق الشحاذ، زمن الدراسة الجامعية والشباب الثائر، في الثلاثينات، وقد تصدرت أحد حيطانها لوحة رسم معبرة، ناجى بها عمر الحمزاوي نفسه وتحير في مدلولها، واجتهد في فك رموزها. فقد قال نبيل راغب في كتابه “قضية الشكل الفني عند نجيب محفوظ”: “فـقد رمز بالسحائب الناصعة البياض التي تسبح في محيط أزرق والخضرة التي تغطي سطح الأرض في استواء وامتداد إلى النظرة التقليدية إلى هذه العناصر، رموزا للصفاء والنقاء، ولكن البطل لا يرى فيها غير الرتابة التي يحاول الهرب منها لتحقيق النشوة المنشودة… أما عن الأبقار التي ترعى وتعكس أعينها طمأنينة راسخة، فهي تعكس التناقض الحاد مع نفسية البطل التي ينهشها القلق والضجر والملل… أما الطفل فهو يرمز إلى الانسان الذي يظن أنه كبر ونضج… ولكنه غير قادر على إدراك ما يريد تحقيقه، وعن تساؤل البطل لمن هذه اللوحة الكبيرة؟ فواضح أنها من رسم القدر نفسه.”
الإسكندرية:
وظفها نجيب محفوظ ليقضي على شاطئها عمر الحمزاوي إجازته، إثر مرض طرأ عليه، حسبه الدكتور حامد صبري ناتج عن التبرجز وعن حياة المحامي الموسومة بالترف والأكل الفاخر والشراب المعتق وسهرات اللهو، فالإسكندرية مكان الراحة والاستجمام والاصطياف والاستحمام، يمتص بحرها الصافي شيئا من توتر الشحاذ في القاهرة، وتقوم مقام المصحة المداوية لصحته الواهية ويساعد الأفق الأزرق فيها على التأمل والتساؤل. وقد لعبت الإسكندرية دور الانفراج المؤقت ولكنها في الان نفسه كشفت لنا عن بداية مرض عمر الحمزاوي، وأسبابه العميقة من خلال استحضار حوار عمر مع أحد موكليه، وحواره مع زوجته.
للحصول على الجزء الثاني اضغط هنا
للحصول على الجزء الثالث اضغط هنا
أنجز هذا العمل من قبل أشرف البنزرتي – بكالوريا آداب
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني