درس ظروف التنمية بالساحل الافريقي – بكالوريا آداب
مقدمة
عند حصولها على الاستقلال السياسي في الستينات من القرن الماضي، سعت بلدان الساحل الإفريقي إلى تحقيق التنمية موظفة مواردها البشرية والطبيعية وما تقدمه الدول الغنية من مساعدات. فما هي الظروف الداخلية والخارجية المعرقلة للتنمية بهذه الدول؟
ظروف بشرية غير مساعدة على تحقيق التنمية:
انفجار ديمغرافي هام:
تشهد هذه الدول انفجارا ديمغرافيا حيث تضاعف عدد السكان أكثر من 4 مرات منذ 1950 وهي مازالت في الطور الانتقالي الأول الذي يتميز بتراجع الوفيات مع نسب ولادات عالية: نمو طبيعي مرتفع 3.8% في النيجر و3.1% ببوركينافاسو سنة 2013 ويفسر هذا الانفجار بارتفاع مؤشر الخصوبة حيث بلغ في النيجر 6 أطفال لكل إمرأة، الناجم عن الزواج المبكر.
تبعات الانفجار الديمغرافي:
رصيد بشري هائل لكن يفتقر إلى التأهيل.
تركيبة عمرية شابة حيث مثلت الفئة العمرية دون سن 15 سنة 50% في النيجر و46% في بوركينافاسو مما يفرض على بلدان الساحل الإفريقي استثمارات هامة في المجال الاجتماعي عوضا عن الاستثمار الاقتصادي.
الضغط على الأرض الزراعية الذي تزايد الطلب عليها مما أخل بالتوازنات البيئية وعرضها للتصحر.
ساهم الانفجار الديمغرافي تفاقم ظاهرة الهجرة داخليا وخارجيا: حركة النزوح ساهمت في الانفجار الحضري.
وساهم هذا النزوح في تخفيف الضغط السكاني على الأرياف لكن أدى إلى مشاكل حضرية بظهور أحياء فقيرة بالمدن الكبرى مثل حي بيكين بداكار في السنغال وغذى الانفجار الديمغرافي الهجرة الخارجية التي تنطلق من بوركينافاسو والنيجر نحو الكوت دي فوار ومن كامل بلدان الساحل الإفريقي باتجاه أوروبا الغربية وأصبحت في السنوات الأخيرة هجرة سرية عبر الصحراء وبلدان المغرب العربي.
سياسيات تنموية وطنية تساعدها المنظمات الدولية:
محاولات تطوير الموارد الداخلية:
سعت بلدان الساحل الإفريقي إلى الحد من النمو السكاني السريع بالتركيز على تحديد النسل وانطلق هذا البرنامج بصفة متأخرة (1994) وقد ساهم في تحسين بعض المؤشرات الديمغرافية وسط نتائج محدودة.
سعت هذه الدول إلى تحسين الأوضاع الصحية للحد من انتشار الأوبئة وأمراض الأطفال والسيدا لكن تصطدم هذه البرامج بنقص الموارد المائية.
سعت هذه البلدان إلى إصلاح النظم التعليمية للحد من ظاهرة الأمية وحاولت تطوير الموارد الخاصة الأرض الزراعية بحل المشاكل العقارية خاصة أن 95% من العقارات تخضع لنظام الملكية المشاعة فخلال الستينات وبداية السبعينات من القرن العشرين تم تجميع الأراضي الزراعية وتكوين تعاونيات فلاحية خاصة بمالي وبوركينافاسو لكن تم التخلي عن هذه السياسة.
حاولت الحكومات انجاز عمليات مسح عقاري لكن التدخل بقي محدودا نظرا للكلفة العالية وأدى الانفجار الديمغرافي إلى نزاعات عقارية عنيفة بين القبائل الرحل والسكان المستقرين.
وقد سعت بلدان الساحل الإفريقي إلى تنمية مواردها الطاقية والأولية وتشجيع الشركات العبر قطرية على الاستثمار فتم اكتشاف النفط خاصة مع موريتانيا والتّشاد.
دعم العمل المشترك بين دول الساحل الإفريقي ومعاضدة المنظمات الدولية:
كونت هذه البلدان فيما بينها مؤسسات مشتركة كاللجنة الدولية المشتركة لمقاومة الجفاف ونادي الساحل وانخرطت في تجمعات ذات طابع إقليمي كتجمع بلدان جنوب الصحراء وعقدت هذه الدول ندوات على مستوى القمة لكن كثيرا ما تصطدم هذه المبادرات بصعوبات مادية وسياسية تحول دون تطبيقها. وتعتبر بلدان الساحل الإفريقي من أكثر مناطق العالم التي تشهد تدخلا للمنظمات الدولية كمنظمة الأغذية والزراعة إضافة إلى المنظمات الغير حكومية التي يزيد عددها عن 1500 منظمة وتسعى هذه المنظمات على حث البلدان الغنية على مزيد تقديم المساعدات الإنمائية وتطالب بإعفاء بضائع البلدان الأقل تقدما من الضرائب الجمركية وأيضا تخفيض سعر الأدوية الخاصة بمعالجة أمراض السيدا لكن رغم التحسن فإنه يبقى دون المأمول.
ضغوطات الموقع ومحدودية الموارد الطبيعية:
موقع جغرافي متعدد الضغوطات وبيئة يغلب عليها الجفاف والكوارث الطبيعية:
تقع بلدان الساحل الإفريقي في منطقة طرفية بعيدة عن المسالك التجارية العالمية وتمثل الصحراء الكبرى حاجزا طبيعيا من ناحية الشمال ويتسبب هذا الموقع في تكاليف نقل إضافية كما تواجه بعض الدول مثل مالي الانحباس المجالي الذي يجبرها على استعمال الموانئ البحرية للبلدان المجاورة في المقابل تستفيد موريتانيا والسينغال وغينيا وبيساو غامبيا من واجهاتها البحرية لتطوير إنتاجها من الصيد البحري والسياحة الشاطئية.
بيئة يغلب عليها الجفاف والكوارث الطبيعية المتواترة:
تقع بلدان الساحل الإفريقي بالمنطقة المدارية التي يتميز مناخها بالإرتفاع المتواصل لدرجات الحرارة وانقسام السنة إلى فصلين حسب كميات الأمطار: فصل ممطر من جوان إلى سبتمبر وهو فصل ممطر وفصل جاف يمتد على باقي السنة.
تسود ظاهرة الجفاف بأغلب هذه البلدان إذ تمثل المناطق القاحلة والجافة والشبه جافة 70% من المساحة الجملية لهذه البلدان.
وتشهد هذه المناطق أزمات جفاف متواترة إضافة إلى تكاثر الجراد أو نزول كميات كبيرة من الأمطار تؤدي إلى فيضانات وهي حتمية طبيعية تؤكد على صعوبة تحقيق التنمية. وتنعكس هذه الوضعية على السكان والبيئة: إتلاف المحاصيل الزراعية – تدمير البنية التحتية – خسائر بشرية.
محدودية الموارد الطبيعية:
لا تتجاوز نسبة الأراضي الصالحة للزراعة 30% من المساحة الجملية ولا تتوفر التربة الخصبة إلا في المناطق المحدودة التي تطل على السهول النهرية وتهيمن الترب الفقيرة.
وحاولت بلدان الساحل الإفريقي تطوير هذه الموارد بطرق مختلفة لتحقيق الأمن الغذائي بالتشجيع على تهيئة المناطق السقوية مما مكن من تهيئة 60 ألف هكتار بالسنغال وموريتانيا ومالي وبناء السدود الكبرى وحفر قنوات تحويل المياه وأسهمت هذه الإنجازات في تطوير الزراعات التصديرية كالقطن والككاوية والقصب السكري والصراعات المعاشية مثل الروز.
محدودية الموارد المنجمية والطاقية:
تقتصر الخامات المنجمية على الحديد والفسفاط وبعض المعادن الثمينة والنادرة مثل الذهب واليورانيوم إلا أن الإنتاج متواضع جدا.
أما الموارد الطاقية فهي متباينة حيث وُجدت في موريتانيا والتشاد فإن بقية الدول تشكو عجزا طاقيا هاما ويقوم استهلاك الطاقة أساسا على الطاقة التقليدية والخشب والفحم الخشبي بنسبة تصل إلى 80% مما أدى إلى الضغط على الموارد الطبيعية واستيراد النفط كلفته باهضة ويؤثر على مداخيل الصادرات وتتأثر هذه البلدان بضعف تجهيزات النقل والمواصلات وقلة الطرقات العبدة والسكك الحديدية التي تقتصر على ربط المناجم بمناطق التصدير.
موارد مالية محدودة وظروف إقليمية ودولية غير ملائمة:
موارد مالية محدودة وضعف الاستثمار الأجنبي:
تتمثل الموارد المالية في عائدات الصادرات من خامات ونفط منتجات الصيد البحري إضافة إلى تحويلات المهاجرين المقيمين بالبلدان المجاورة وأوروبا وهي هامة في تكوين الناتج الداخلي الخام لكنها توظف أساسا في مشاريع ذات طابع اجتماعي وسعت بعض بلدان الساحل الإفريقي إلى الاعتماد على النشاط السياحي لجلب العملة الصعبة.
تشهد هذه البلدان محدودية الاستثمارات الأجنبية المباشرة حيث لا يتجاوز نصيبها 0.5% من المجموع العالمي ويفسر ذلك بضعف البنية التحتية وسوء التصرف والفساد المالي وعدم الاستقرار السياسي. وسعت هذه الدول إلى جذب الاستثمارات المباشرة بخوصصة القطاع العام مما مكن شركات غربية وصينية من الاستثمار بقطاعات حيوية اقتصادية كالمناجم (اليورانيوم بالنيجر – النفط بالتشاد وموريتانيا) ودعمت هذه الاستثمارات التبعية الاقتصادية تجاه الخارج.
مديونية عالية:
اتبعت دول الساحل الإفريقي منذ سبعينات القرن العشرين الاقتراض من الخارج لتمويل مجهودها التنموي فسقطت في فخ المديونية وأصبحت مواردها الوطنية الطبيعية مجندة في خدمة الدين الخارجي وقد استغلت المؤسسات المالية العالمية هذه الوضعية مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي لتفرض عليها تطبيق برامج الإصلاح الهيكلي من تدعيم خوصصة المؤسسات والضغط على النفاق العمومية خاصة في الصحة والتعليم مما أدى تردي خدمات الصحة والتعليم وتفشي الأمية والأمراض.
ظروف إقليمية وداخلية صعبة مع تدهور طرفي التبادل التجاري:
عرفت هذه الدول منذ استقلالها نزاعات مسلحة وحروب أهلية بالتشاد ومالي والنيجر أزمة دارفور في السودان فتسببت في هجرة آلاف السكان وتردي الظروف الصحية والتعليمية ومهدت لدخول القوات الأجنبية. ساهم تدهور طرفي التبادل التجاري في تعميق أزمة هذه الدول فأسعار المواد الأولية التي تصدرها منخفضة مقارنة بأسعار المصنوعات المستوردة وخاصة أن الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أغرقت الأسواق العالمية نتيجة سياسة الدعم التي اتبعتها. وقد قدمت ندوة منظمة التجارة العالمية سنة 2005 مبدأ إلغاء الدعم للقطن سنة 2006 لكن التزام الدول الغربية بهذه القرارات محدودة جدا وقد ساهم ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق العالمية في تفاقم عجز الموازين التجارية لبعض هذه البلدان.
خاتمة
تبقى البلدان الأقل تقدما في الساحل الإفريقي تعاني من نقائص هيكلية تعيق التنمية وتجعلها أقل قدرة من باقي بلدان الجنوب على تجاوز مشاكلها
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني