درس الأنظمة الكليانية في أوروبا – بكالوريا آداب
الكليانيّة، الديكتاتورية، أو الفاشيّة هو نعت يُطلق على كلّ نظام يعادي الحريّة والدّيمقراطية نسبة إلى النّظام الفاشي الذي انتصب في إيطاليا سنة 1922 بزاعمة موسوليني والنّظام النّازي الذي ظهر سنة 1933 بألمانيا بزعامة هتلر وقد ظهرت هذه الأنظمة في فترة مابين الحربين بين 1920 و1939 بأوروبا. فما هي ظروف نشأة هذه الأنظمة؟ وما هي ملامحها؟
نشأة الأنظمة الفاشيّة لها علاقة متينة بالتّأزم الشّامل:
خرجت كل من إيطاليا وألمانيا من الحرب العالميّة الأولى متأزّمة في مجالات عدة.
اقتصاديا
حُطّمت المصانع خاصّة في ألمانيا باعتبارها مسرحا للحرب مما ساهم في انهيار الإنتاج الفلاحي والصّناعي وارتفاع الأسعار وتراجع قيمة العملة. كما ضاعفت أزمة الثّلاثينات الاقتصادية في وقع الأزمة الاقتصادية خاصّة بألمانيا (ارتباط اقتصادها بالاستثمار الأجنبي خاصّة رؤوس الأموال الأمريكيّة) كما أُجبرت على دفع تعويضات ماليّة للمتضرّرين من الحرب فضلا عن تراجع احتياطي العملة.
شكّلت الأزمة أرضيّة خصبة لاتساع قاعدة الأحزاب اليساريّة واليمينيّة المتطرّفة مثل الثورة السّبرتاكيّة في ألمانيا سنة 1919.
سياسيا
نقص معاهدات السّلم:
خيّب مؤتمر السّلم بباريس سنة 1919 أمل الإيطاليّين إذ لم يتجاوز نصيبهم في التعويضات الـ10% واستبعدوا من تقسيم المستعمرات الألمانيّة كما أثارت معاهدة فرساي سخط الألمان واستفزّت مشاعرهم.
عجز الأنظمة الليبرالية:
عجزت عن سنّ قوانين سريعة تخرج البلاد من الأزمة بسبب كثرة الأسباب السّياسيّة وانقسامها داخل البرلمان الإيطالي والألماني أي غياب أغلبيّة برلمانيّة.
اتهم كل من هتلر وموسوليني الدّيمقراطيّة بالفشل والعجز ودعيا إلى إقرار نظام قوّي قادر على إخراج البلاد من أزمتها
اجتماعيا
انهيار القدرة الشرائيّة للفئات الشّعبيّة.
انتشار البطالة: 6 مليون عاطل عن العمل في 1932 في ألمانيا و600 ألف في إيطاليا.
تكاثرت المظاهرات وتحوّلت إلى أعمال عنف مثل سيطرة العمّال على المصانع في إيطاليا والشّروع في تسييرها وهجوم صغار الفلاحين على ضيعات كبار الفلّاحين في الجنوب واقتسامها مما تسبب في فقدان الأمن وأصبحت الملكيّة الخاصّة مهددّة ممّا أثار ذلك مخاوف الرّأسماليين.
استغل موسوليني هذه الأوضاع ودعا إلى حماية الملكيّة الخاصّة فتحصّل على مساعدة الرّأسماليين أمّا هتلر فقد وعد العاطلين الألمان بتوفير الشّغل.
وصول الحزبين الفاشي والنّازي للسّلطة:
وعد موسوليني الإيطاليين بتوفير الشّغل وحفظ الأمن واحترام الملكيّة الخاصّة وإعادة كرامة الإيطاليّين. وكان لهذه الدّعاية صدًا كبيرًا لدى الإيطاليين لذلك تكاثر أنصار موسوليني فترشّح للانتخابات في أكتوبر 1922 وارتقى إلى منصب الوزير الأوّل.
ولإبراز القوّة جمع أنصاره في تنظيمات شبه عسكريّة عُرفت بـ’حزم الكفاح’ بدعوى من الملك إيمانيوال الثّالث ترأس موسوليني الحكومة.
في نفس الوقت وعد هتلر الألمان بنقض معاهدة فرساي المهينة وإعادة تسليح ألمانيا وتوسيع رقعتها الجغرافيّة بتحقيق المجال الحيوي كما حمّل هتلر اليهود مسؤوليّة الأزمة واعتبرهم شعبا منحطّا فقد قال: ” اليهود لا يمثّلون أمّة وليس لهم قيم سامية”.
كان لهذه الدعاية صدًا كبيرًا بين الألمان وارتقى إلى منصب المستشار (الوزير الأوّل) في 30 جانفي 1933.
الملامح العامّة للأنظمة الكليانيّة (الفاشيّة – النّازيّة):
الدّولة الكليانيّة أو الدّكتاتوريّة:
يقول موسوليني: “كلّ شيء في الدّولة لا شيء خارج الدّولة”… لا وجود للفرد خارج مجال الدّولة لذلك يجب أن يكون الفرد في خدمة الدّولة الفاشيّة وبالتّالي تلغي الدّولة أدوات التّعبير عن مصلحة الفرد.
لا تؤمن الفاشيّة والنّازيّة بالمساواة السّياسيّة وهي تنبذ الاقتراع العام وتقرّ الحزب الواحد والقائد الواحد ونقاء الأجناس، شعارها شعب واحد ودولة واحدة وقائد واحد.
ويتمتّع القائد الملقّب بالدّوتشي في إيطاليا والفوهرر في ألمانيا بكل الصّلاحيّات لأنّه يتمتّع بالمعرفة الحدسيّة لذلك يجب طاعته كليّا.
كما تعادي الفاشيّة الديّمقراطيّة والحريّات العامّة والإشتراكيّة والحركة النقابيّة وهو نظام دكتاتوري “Régime Personnaliser”.
السّيطرة:
تمت السيطرة بإتباع عدد من الوسائل منها:
التأطير
تنسجم هذه السّيطرة من خلال تأطير فئات المجتمع بواسطة هياكل الحزب وإقحامها في منظّمات تابعة للدّولة تطبّق أوامرها وترفع شعاراتها مثل الشّبيبة الهتلريّة في ألمانيا والبانّيلا والقمصان السّود في إيطاليا.
الدعاية
سُخّرت وسائل الإعلام لتمجيد القائد والدّعوة إلى الانضباط والعمل استعدادا للحرب وتنظيم المهرجانات الخطابيّة التي ترتكز على تهييج العواطف وإثارة روح التعصّب والعنصريّة وتقوم على المغالطة والكذب.
القمع
تلتجئ الأحزاب الفاشيّة للقمع وإلى استعمال العنف عند ظهور المعارضة من خلال تنشيط عمل البوليس السرّي الذي يسمّى بالغشابو بألمانيا والأوغرا بإيطاليا وتشجيع الوشاية وإقامة المعتقلات مثل معتقلات اليهود في ألمانيا الذي حرمهم في البداية من حقوقهم السّياسيّة والمدنيّة ثمّ قرّر هتلر تطبيق ما سمّاه “الحل الأخير” المتمثّل في الإبادة الجماعيّة لليهود.
اقتصاد موجّه للحرب:
انتهجت الأنظمة الفاشيّة سياسة اقتصادية تعتمد على الموارد المحليّة خاصّة خلال أزمة الثّلاثينات لتحقيق الاكتفاء الذّاتي مثل معركة القمح في إيطاليا حيث انطلقت مشاريع الإصلاح الزّراعي والرّي فتطوّر إنتاج القمح من 46 إلى 65 مليون طن بين 1925 و1930.
التّركيز على الصناعة الثّقيلة وخاصّة صناعة الأسلحة في البلدين ولتشغيل العاطلين تمّ اللّجوء إلى سياسة الأشغال الكبرى بتجهيز الموانئ ومدّ السّكك الحديديّة والطّرقات وتجميل المدن مثل روما فتقلّص عدد العاطلين في ألمانيا من 6 إلى مليوني عاطل بين 1932 و1936.
خاتمة:
يعتبر قيام الأنظمة الفاشيّة خطرا على الشّعوب الأوروبيّة وعلى السّلم في العالم فستكون سببا في اندلاع الحرب العالميّة الثّانية حيث توجّهت أنظارها خارج أوروبا بحثا عن المجال الحيوي.
إقرأ أيضا: المفاهيم والمصطلحات والتعريف بالأعلام في درس الانظمة الكليانية في أوروبا – بكالوريا آداب
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني