الاعجاز التشريعي في القرآن – البكالوريا آداب
الإشكاليّة: ما هي خصائص المعجزة القرآنيّة تشريعيًّا؟
مفهوم الإعجاز:
الإعجاز في اللغة هو إثبات العجز أو الإيقاع فيه. أما اصطلاحا فهو أمر خارق للْعادّة مقترن بالتّحدّي يُظْهِرُه الله تعالى على يد من اصطفاهم للنبوّة تأييدًا لهم وإثباتاً لِصدقهم.
أنواع الإعجاز:
ينقسم الاعجاز الى أنواع عدة منها الإعجاز اللّغوي البلاغي والإعجاز الغيبي والإعجاز العلمي والإعجاز النّفسي وكذلك الإعجاز التّشريعي إذ ينطوي القرآن الكريم على تشريعات إلاهيّة محكمة أيّ قوانين وأحكام شاملة متوازنة عادلة تُنظّم حياة الفرد والجماعة في كافّة مجالات الحياة وصالحة لكلّ زمان ومكان وتحقّقُ سعادة الإنسان في الدّارين “الدّنيا والآخرة”.
خصائص الخطاب القرآني في مجال التّشريع:
الأسلوب الجامع في نظمه بين مقصديّ الموعظة والتّشريع:
كقوله تعالى:” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” سورة النّحل 89.
الغِنَى الدّلالي:
القرآن الكريم كتابٌ لا نهاية لمعانيه مفتوح متجدّد العطاء مَرِنٌ وقابِل للتّأويل وذلك لسببيْنِ. الأول هو أنه كلام اللّه تعالى المطلق، أما الثاني فهو لاشتماله على المحكم والمتشابه. فالآيات المتشابهة تمثّل حقلاً للعلماء للتّأويل من أجل اسْتنباط الأحكام.
الشّمول:
يشتمل القرآن الكريم على كلّ ما يحتاجه النّاس في أمور دينهم ودنياهم في مختلف المجالات، قال تعالى: “ونزّلنا الكتاب تبيانا لكلّ شيء وهدًى ورحمة وبشرى للمسلمين” النّحل 89.
العموم:
القرآن الكريم شريعة دائمة صالحة لكلّ زمان ومكان تؤخذ منها أحكام الأوّلين والأخرين لأنّها تخاطب العقول السّليمة وتنادي بالتّسامح العدل الحريّة المساواة….. قال الله تعالى:” يا أيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعًا” سورة الأعراف 158 وفي الآية خطاب عامّ للنّاس كافّة.
الدّقّة العجيبة في الصّياغة:
بحيث أنّ الآية الواحدة المشتملة على ألفاظ محدودة تشتمل أحيانا على مجموعة كاملة من الأحكام المفصّلة بمنتهى الدّقّة كأية الدّين من سورة البقرة برقم”282″.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”.
مظاهر الإعجاز التشريعي في القرآن:
التدرج في تربية الناشئة علما وعقلا:
من حكم التدرج أن يكون القرآن الكريم أدعى إلى القبول وأبلغ في الحجة مما يؤدي الى سهولة التخلي عن عاداتهم وتقاليدهم وحتى لا تثقل عليهم التكاليف والعقائد الجديدة فينفروا منها. فمثلا في عادة شرب الخمر جاء الإسلام بأحكام متدرجة في تحريمه بأسلوب حكيم لم يُشعر الناس بالحرج أو المشقة (مراعات الفطرة الإنسانية).
حيث قال تعالى:” يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما” سورة البقرة 219 ثم أنزل:” يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون” سورة النساء 43 ليكون الحكم الاخير في قوله:” يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه” المائدة 91.
مراعات ومسايرة مصالح الناس:
قال تعالى: “والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف” البقرة 233. وهذا الأمر ليس أمر إيجاب أو فرض يعاقب مع خالفه بل هو أمر استحباب لأن تربية الطفل بلبن الأم أصلح له من لبن غيرها ولكمال شفقتها عليه. كما ثبت علميا أن الرضاعة تحمي الأم وتقيها من سرطان الثدي.
الثابت والمتغير:
احتوى القرآن الكريم على الكليات التي تعتبر من القواعد والقوانين الثابتة دون الإغراق في الجزئيات لأنها متغيرة والهدف من ذلك هو فتح باب الاجتهاد أمام العقل لاستنباط الأحكام الفرعية ومستجدات العصر مثال: تعطيل عمر ابن الخطاب قطع يد السارق في عام المجاعة ومنع الزكاة على المؤلفة قلوبهم.
تعليل الأحكام:
قال تعالى:” ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن” سورة البقرة 222.
أذًى، النهي هنا معلل بما ينتج عن المباشرة في هذه الفترة من أذى ثابت علميا بالزوجين.
البرهنة والحجة والاستدلال:
قال تعالى:” كي لا يكون دولة بين الأغنياء” سورة الحشر 7. أي حتى لا تكون الغنائم اختصاصا بين الأغنياء يحتكرونها ويحرمون منها العاجزين.
نجاح القرآن في مكافحة الجريمة في وقت يسير:
عندما نزل القرآن الكريم على العرب كانت الجريمة هي الأصل فيهم وعبدوا الأوثان وقطعوا الأرحام وسرقوا الأموال ولم يلبث نزول الوحي فيهم سوى ثلاث وعشرين سنة حتى تغيروا وتحولت العداوة إلى أخوة والانتقام إلى تسامح وانتشر الأمن والقيم. حيث قال تعالى:” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقضكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون” آل عمران 103.
الإنسان والإعجاز التشريعي:
مسؤولية الإنسان تجاه القرآن الكريم هي التدبر والتأمل والنظر فيه من أجل فهم معانيه وكشف دلالات إعجازه واستنباط الأحكام الشرعية منه والاتعاظ والاعتبار بهفوات من سبق.
الاهتداء بالقرآن الكريم في جميع مجالات الحياة ومسؤوليات الإنسان الخلفية في الأرض حتى لا يخرج عن جوهر الدين ومقاصده.
عدم فهم القرآن الكريم يؤدي إلى الجمود والتقليد والتبعية والتخلف وبالتالي ركود فكري وضياع للمصالح وتراجع حضاري وهذا يتنافى أو يتناقض مع مراد الله تعالى.
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني