الجانب المضموني في مسرحية شهرزاد – العربية – بكالوريا آداب
قضية المعرفة:
تمثل شهرزاد في مسرحية الحكيم لغزا محير وسرا غامضا لم يستطع فكه لا الوزير قمر ولا العبد الأسود ولا حتى الملك شهريار لم يتمكن من أن يكتشف سرها. فلقد ظهرت شهرزاد بالنسبة للملك شهريار جسدا استطاع إدراكه بالحس لا بالعقل فبعد أن كان شهريار رجلا وحشيا وهمجيا طالبا للغريزة والجسد أصبح طالبا للمعرفة رجلت عقلاني بالتالي باحثا للحقيقة ولسر شهرزاد فإذا به يتخذ منهجا في ذلك منطلقا بالمعاينة فعاين شهريار تجربة قتل سحرية كانت وسيلة لإدراك المعرفة والتي بائت بالفشل ولئن كان في الماضي يقتل انتقاما إلا أنه صار يقتل حبا في المعرفة يقول شهريار: “كنت أقتل لألهو اليوم أقتل لأعلم” فكان هذا اللجوء للقتل لجوء بغاية فك اللغز وسر شهرزاد “دن مملوء بدهن السمسم ﻻ يطعمه الساحر بغير التين والجوز حتى ذهب لحمه وما بقي منه إلا العروق وشؤون رأسه” لأنه يرى أن الجسد عائقا دون المعرفة.
ومن المعاينة إلى الحدس فالمنطق العقلي التجريب الحر منطلقا بدايتها بسؤال عن سرها “من تكون؟ إني أسألك من تكون ما سرها؟ أهي امرأة تلك؟ التي تعلم ما في الطبيعة كأنها الطبيعة !؟” فيجهض عقله تفكيرا وينهكه تقول شهرزاد: “أجهدت عقلك أيها المسكين”.
فبعد عجز شهريار في تجربة القتل والحس في تحصيل المعرفة التجأ إلى الرحيل لعله يجد ضالته في ذلك قول شهريار: “من استطاع تحرير جسده من ثقال المكان مرة فلن يقعد عن جوب الأرض حتى يموت”. فكان القلب والعقل والرحيل والسحر والقتل كلها وسائل لتحصيل المعرفة لتكون معرفة حسية وكهونيتية وأخرى عقلية ليبالغ في بحثه ليصل إلى نزعة لا عقلية اتسمت باللامبالاة والغلو في البعد العقلي فيختزل شهرزاد بقوله: “ما أنت إلا عقل كبير” ويقول: “أريد أن أعرف أنا في أوج العقل والمعرفة”.
قضية الموت:
إن الصراع القائم بين الإنسان والجسد، المكان وما ينشد إليه الإنسان من التحرر والتوق وتجاوز المكان الذي يمثل حدا آسرا لتحرّره منه ولطلب المعرفة لذلك يكون الموت وسيلة لتحصيل المعرفة وحدثا مخلصا من أسر المكان لبلوغ المطلق إلا أنه يحارب ويصارع المكان من أجل الخلود لا الفناء والموت وذلك بإبقاء الجانب الرّوحي فيقتل الرغبة والشهوة إلا أن الموت لم يبلغه الملك بعقله وإنما بلغه قمر بقلبه ليؤكد توفيق الحكيم أن الإنسان مآله الموت ولا فرار منه وأن العلم والمعرفة لا يمكنهما أن يخلصا الإنسان من الموت وينهي هذه المسألة فالإنسان كائن إلى زوال “أنت رجل هالك” وموت قمر دليل على ذلك ولعل في ذلك ردا من الكاتب على إنسان القرن العشرين في تجوز المكان والفضاء لكسر الحدود.
الإنسان والجسد، المكان:
لطالما مثل الجسد عائقا أمام تحرر الإنسان لأّه يمثل جزء من المكان لا يدعه يتحرر ولا أن يخرج عليه فيظل الإنسان مرتبطا بالجسد ارتباطا ضروري ووثيق فهو به يتحرك الإنسان في المكان في إطار طبيعي محدود وقد حاول البطل التراجيدي التحرر من جسده بالتالي التحرر من المكان بما أنه سجن له يعيقه عن المعرفة المطلقة والتوق إلى المطلق “إلى متى هذه الدائرة والتوق الدائم نحو التخلص ” إلى متى هذه الدائرة التي لا مخرج منها” فالجسد يعيق عن المعرفة المطلقة فهو قوة وجمال غريزي وله بعد ا اجتماعي يربط الفرد أو الكيان الفردي بالمجموعة بالزوجة بالمسؤولية “ألست زوجتي التي أحببت؟” فهل ثقل على تطلع الروح وتوقها إلى الالتحام بالمطلق “إني أضيق بهذا المكان بهذا الجثمان الجثمان خلق المكان” بذلك يؤكد توفيق الحكيم عجز الإنسان تجاوزه لجسده بالتالي للمكان أي تجاوز آدميته نحو التأله فبعقله يصل اﻹنسان إلى الأفق إلا أن جسده المرتبط والمشروط بالمكان يظل مشدودا إلى الأرض وكل محاولة للتمرد على المكان إنما هي غوص أعمق وانحلال فيه يقول شهريار: ” أولست كالماء يا شهرزاد؟سجينا دائما كالماء؟ نعم ما أنا إلا ماء”. ينزل من السماء ومن الأفق إلى الأرض فمن غير المعقول ومن الصعب تجاوز الجسد المكان في نظر توفيق الحكيم.
الإنسان في نظر توفيق الحكيم حر في هذا الكون لكن حريته تظل محدودة بخطوط لا قدرة له على تجاوزها وإن أراد الانسان ذلك عاد فاشلا وخاسرا وقد صور الحكيم هذا المعنى من خلال شخصية شهريار الملك فقد كان قبل شهرزاد متوحشا ثم بعثته وأخرجته من همجيته مريدة أن تجعل منه إنسانا سويا.
لكن شهريار البطل التراجيدي قد تجاوز مرحلتي الجسد والقلب ليصبح عقلا خالصا محضا فحتى حادثة الخيانة لم تعد تثيره وصار كل شيء لديه موضع تفكير وتأمل وهكذا يكون شهريار قد تخلى عن مقومين أساسيين من مقومات الانسان وهما الجسد والقلب فخسرت شهرزاد شهريار من حيث أرادت كسبه.
يقول شهريار:” لن أعود إلى جسدك الجميل لا أريد أن أشعر اليوم هنا أعي ولا أشعر” وكأننا بتوفيق الحكيم يريد التأكيد على أن محاولة الانسان الهرب من جسده ومن الأرض كفيل بأن يزعزع وجوده فالجسم مرتبط بالأرض أبدا مطلقا ولا يتناسى الجسد الانسان إلا هلك وكل محاولة للتخلص منه تعد عبثا.
قضية الإيمان:
كان شهريار يبحث عن الإيمان عن طريق العقل باعتباره أداة المعرفة وبالنسبة لقمر فقد كان إيمانه عن طريق القلب والجمال والمثاليّة ولما في ذلك من الإيمان بالآخر جملة من القيم والتساوي بينها وجعل الإيمان إيمان عادل بين مقومات الإنسان الثلاث (قلب، جسد، عقل) حتى لا يفقد الإنسان إيمانه بالأشياء وبالآخرين من ذلك حال قمر لما سمع علاقتها بالعبد.
والإيمان بالذات المتعادلة التي يدعو إليها توفيق الحكيم هي إيمان بمركزية الذات في الكون ذاتا فاعلة تعتمد عقلا سؤولا وقلبا وجسدا ويرى توفيق الحكيم ضرورة الإيمان بانتظام الكون وعدم اختراق قوانينه وتجاوزها فلا يدع قدرة الإنسان وفعله يخرج عن دائرة مقدرة له وقدرته على الفعل في الوجود فعلا خلاقا وإيجابيا يقاوم العدم ويشرف على الكون بالمحاولة والمقاومة فالإنسان عند الحكيم ليس إله الكون.
وإن كان في لحظات هذا الكون مغريا للبحث ومحبطا للمحاولين العجّز فالكون منتظم بالنظام دقيق لا يدع القدرة الإنسانية تخرج عن قدرة اللاهوت. وقد جسمت شهرزاد هذه التعادلية في علاقة الإنسان بالإيمان بجوانبه كلها رافضة جموح العقل وأوهام القلب.
قضية معنى الحياة:
اختلف في معنى الحياة لدى شخصيّات المسرحية فقد جسدت كل واحدة منها معنى من معاني الحياة فالعبد مثل البعد الجسدي فالحياة لديه جسد يمتلئ إشباعا للشهوات والغرائز فيقول في ذلك العبد: “ما أجمل هذه العذراء وما أصلح جسدها مأوى” ويقول لشهرزاد: “ما أنت إلا جسد جميل”. ليكون معنى الحياة عند قمر متمثل في القلب والمشاعر وتمثلٍ للقيم السّامية ولكل جميل يقول في ذلك: “إنّا نعيش لنعبد ما في الوجود من جمال … أجمل شيء في الوجود عينا امرأة” لتنحصر الحياة عند شهريار في العقل متأملا باحثا طالبا للمعرفة “اليوم أريد أن أعي ولا أشعر”ويرى فيها شهريار أيضا معنى الرّحيل وتجاوز للمطلق وطلبا للتوق والتحرر يقول شهريار:” أود أن أنسى هذا اللحم وذا الدّود وأنطلق أنطلق إلى لا حدود”.
حيث أن معنى الحياة عند توفيق الحكيم هي الجمع بين رغبات الجسد ومتطلبات العقل أو القلب دون اختلال في التّوازن بينهم إذ يسبب فقدان جزء منهم الغربة والضياع. تمثل الأشخاص الثلاث مجتمعة في الانسان بمختلف مكوناته وأبعاده فالبعد الجسدي في العبد الذي يختزل الوجود في المتعة الجسدية أما البعد العاطفي فيتمثل في الوزير قمر الذي لا ينظر إلى الحياة إلا من زاوية القلب والبعد العقلي ممثل في الملك شهريار الذي تخطى مرحلة الجسد والقلب وصار عقلا خالصا لا يرى الحياة والكون إلا من خلاله فالشخوص الثلاثة مجتمعة تمثل الانسان المتعادل (جسدا وقلبا وعقلا).
أنجز هذا العمل من قبل أشرف البنزرتي – بكالوريا آداب
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني