شرح نص: أنا أعي ولا أشعر – شهرزاد الحكيم – بكالوريا آداب
التقديم:
ينجز البطل خلال هذا المنظر الثالث من مراحل الفعل الدرامي بعد المقدمة الاحتفالية في المنظر الاول وسرد شهرزاد في المنظر الثاني فيستعد ذهنيا لفعل الرحيل لينجزه فعليا في المنظر الرابع مسحوبا الى بلاد الواقواق معتقدا في سندباد الاسطورة يخصله من سلطة المكان ولكنه يبقى في نظر شهرزاد طفوليا عليلا ينخره المرض ويبقيه الى الارض لاختلال التوازن عنده بين قوة العقل وقوة الايمان (القلب) فما دلالة هذا الرحيل وكيف كشف الحوار عن الصراع الدرامي وأسبابه والى أي حد يعتبر شهريار شخصية تراجيدية؟
الموضوع:
عزم شهريار على الرحيل هروبا من سلطة الجسد والمكان ومحاولة شهرزاد اثنائه عن ذلك بقصوه في عقله.
العناصر:
من 1 إلى 14: ما آل إليه شهريار من تمزق بين العقل والقلب.
من 15 إلى 29: عزم شهريار على الرحيل.
البقية: الرحيل.
التحليل:
العنصر الاول:
الحوار:
خصائصه:
جدالي يخرج من بساطة الحجاج الي الجدال لتعارض الموقفين على خلاف قصر المخاطبات في النصوص السابقة ترد المخاطبة في هذا النص طويلة تهيمن عليها شخصية شهريار.
ان هذه الشخصية اشارة دالة على تحول ما ستشهده شخصية البطل لان الاطالة في المخاطبة علامة على قلق الشخصية وارتدادها الى الداخل فهي عوض ان تتوجه للخطاب إلى محاورها تبدو في ملفوظها محاورة لنفسها تقنعها قبل ان تقنع غيرها.
“اسكتها يا قمر” في العبارة انزياح بالخطاب الى الداخل بدل الخارج ويصبح المحاور طرف مقلقا للذات في حوارها مع نفسه.
هيمن على الحوار معجم فكري ذهني “تحبس ذاتي في الحدود المكانية…”.
وظائف الحوار:
شهرزاد رمز الحياة والحقيقة تصبح رمزا للحكمة تعلم شهريار ما لا يدركه وهو لا يزال في طور الطفولة الفكرية.
يتحول خطاب شهرزاد من جدية الى السخرية والاستهزاء، تجرد شهريار من كل عقل وقلب وجسد والعاطفة ما سيدفع الحوار الى اتجاه جدل حاد يكشف حقيقة شهريار في نظر شهرزاد.
شهريار فاقد لآدميته وانسانيته اذ هو تمرد على حدود مستطاعه.
شهريار ساخرا مستهزءا من الحب يختزله في كلمة أثرية من بقايا العصور الاولى.
الحب عند شهريار مجرد مرحلة تاريخية من مراحل الوجود يعيشها الانسان ثم ينفصل عنها تدريجيا اذا استبدل ذلك بقوة الفعل والادراك.
موقف شهريار موقف احادي يقصي من الانسان بعد العاطفة بل يفقده مدلوله وأثره ويختزله في تجربة ماضية لا غير.
تقوم مخاطبات شهريار على بيان التقابل بين زمن الماضي وزمن الحاضر.
الكشف من خلال هذا التقابل عن تمزق الشخصية بين ماضيها وحاضرها وهو مظهر من مظاهر أزمتها التراجيدية على خلاف البطل في المسرح التراجيدي الذي لا يتردد في التقدم نحو هدفه.
المقطع الثاني:
الاشارات الركحية:
تعلقت أغلبها بشهريار وقد دلت على تنامي الحدث الدرامي وفق منطق الصدفة والمفاجئة..
“يبحث بعينيه عن قمر” – “ثم في قلق”: اقترنت بحال الشخصية القلقة ازاء المرحلة التي وصلتها في البحث عن المعنى.
تشترك هذه الاشارات في بيان مآل شهريار (العزم على الرحيل).
تمثل هذه التحولات التي تشهدها الشخصية نموا في الحدث التراجيدي نحو اللحظة الثالثة من البناء الدرامي.
تخرج هذه الاشارات من وظيفتها الدرامية الدالة على التحول في الاحداث الى وظيفة ذهنية تتعلق بتجربة الرحيل التي سيخوضها الملك شهريار للتخلص من سلطة الجسد والمكان وهو في الان ذاته يسعى الى الرحيل عن شهرزاد فهل هي في الجسد والمكان؟
“شهرزاد تهمس لقمر”: تعلقت بضبط نبرة الصوت وتعبر ايضا في مستوى البنية الدرامية عن وظيفة ركحية (الحركة) ووظفية ذهنية (العلاقة بين الشخصيتين).
إدراك شهرزاد ان شهريار الانسان لا يمكنه ان يتجاوز حدود المكان اذا هو تخلص من بعد اخر من الابعاد الانسانية (القلب).
اشارة ركحية سردية (يقبلها وتقبله) وهي اشارة تختزل جملة من الاحداث المتسارعة (تواتر الافعال).
تعلقت ببيان حال شخصية شهريار (يقف متأثرا): تهيمن على هذه اللاشارة ذهنية التأكيد على تمزق شهريار بين البقاء والرحيل وخوفه من مواجهة مصيره.
الحوار في المقطع الثاني:
خصائصه:
جمله قصيرة غلبت عليه أسلوبيا صيغ الانشاء كالأمر والاستفهام وتوسطه معجم ذهني تضمن موقفا عكس رؤية شهرزاد لقرار شهريار بالرحيل ينزع خطاب شهرزاد نحو الحكمة ….
يبدو الحوار جداليا اذ خرج من طور المحاججة الى طور المواجهة والمكاشفة.
وظائفه:
وظيفة ركحية تحدد الاطار العام للاحداث وتشير الى مؤثثات الركح كالموسيقى الهائلة التي تطغى على المشهد وتملأ الأرجاء في شكل شبه احتفالي يهيء البطل الى مواجهة مصير جديد.
يحدد الحوار العلاقة بين الشخصيات ويكشف عبر تقابل أقوالها عن تنامي الاحداث وتصاعدها وهو ما يؤكده شهريار في قوله “وداعا ايتها الملكة”.
هذه العبارة تعكس في شهريار تناقضا اذ كيف له ان يرحل عن الحقيقة في سبيل الحقيقة او عن الوجود في سبيل الوجود او عن العقل العارف في سبيل العقل العارف؟. أليس في هذا تأكيد على أن شهريار كبطل مأساوي حامل لبذور فشله؟ أليس شهريار من جهة ثانية كما كانت عبرت عنه شهرزاد بكونه فاقدا للبصر والبصيرة معا فهو يبحث عن الحقيقة في ظلمة الوجود ولكنه عاجز عن إنارة ظلمة نفسه؟
إن الحوار بين الشخصيات هو حوار بين ما يمطح إليه العقل ممثلا في شهريار وما تطمح إليه شهرزاد وهي تعكس في خطابها النهاية الكارثية للبطل شهريار من حيث ارادت أن تدفعه مكرهة الى رحيل لا عودة فيه “اذهب.
المقطع الثالث:
تضمن اشارات ركحية ثلاثة منها لشهرزاد واثنان منها لشهريار.
(تتركه في صمت / يتحرك في عزم ويخرج على عجل): تعلق في الظاهر بالحركة ونبرة الصوت دراميا لكنها خرجت ذهنيا للدلالة عن القطيعة بين الشخصيات (انفصالها) وكأن انكفاء شهرزاد على نفسها دليل على نهاية شهريار واقراره برحيله الاخير من خلال موت الانسان فيه.
اشارات شهريار تعلقت بحركته وحاله عبرت دراميا عن تحول في الاحداث لكنها اقترنت ذهنيا بالدلالة على الارتباك والتوتر الذي يشهده شهريار وهو الذي يدعي التعقل.
اننا امام بطل وان تمرد على محيطه وواقعه وانسانيته فانه عاجز عن تحمل مسؤولية الرحيل خصوصا وانه لا يزال يحاول اقناع نفسه بالرحيل.
الحوار:
خصائصه:
مخاطباته قصيرة يقل فيها الملفوظ ليستبدل بما يشبه الصمت الموحي الدال برمزيته على تحول في الاحداث نحو التأزم.
وظائفه:
هو اختزال للمواجهة الاخيرة بين الاكتمال والتوازن ممثلا في شهرزاد والاختلال والانكسار ممثلا في شهريار وهو تناقض عبرت عنه شهرزاد في النهاية بقولها “مسكين هذا الانسان” في ما يشبه محاورة داخلية.
انعدام التواصل بين الشخوص وافتقاد شهريار لبعد اخر لابعاد انسانيته.
اذا كان شهريار هو الانسان يسعى الى تحقيق انسانيته فانه في النص لم يكن يسعى إلا إلى تجاوزها لان الانسانية الحق هي تلك التي اختزلها الحكيم في تعادليته حين جمع بين الجسد والقلب والعقل ولعلنا بخطاب شهرزاد ننكر أيضا على شهريار تمثله للانسان ولحدود قدرته ومستطاعه وهو ينكر عليه القلب والحب والجسد فكيف له بهذا المعنى أن يهرب من الانسان إلى الانسان؟
التأليف:
يمثل هذا النص من الاحداث الدرامية مرحلة الحزم عن الرحيل في تحول ثالث من تحولات الاحداث.
على خلاف ما سبق من النصوص كان الحوار جداليا قائما على تعارض اطروحتين: أطروحة تعي ما هية الانسان وحدوده (شهرزاد) وأطروحة تتمرد على تلك الحدود وتعتقد أن بمستطاعها ان تبلغ بالعقل ما لم تبلغه بالقلب والجسد (شهريار).
تنوعت الوسائل الدرامية في النص (اشارات ركحية وحوار) ووظفت توضيفا دراميا وذهنيا في ان ولعلها زادت المعاني تنوعا حين شحنها الحكيم بابعاد رمزية عبرت في النهاية عن الصراع الذي عاشته الشخصية في علاقة بذاتها (التوتر، الاضطراب، القلق…) وفي علاقة بالاخر (الرفض) وفي علاقة بالمكان (التمرد والتجاوز رغبة للرحيل وبلوغ المطلق).
تعود ملكية هذا العمل للأستاذ رفيق الطبوبي
في حالة وجود أخطاء الرجاء الابلاغ عنها عبر البريد الالكتروني ليتم اصلاحها: contact@mawsoaschool.net
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني