ملخص رسالة الغفران: الجانب الفني- الجزء الثاني – العربية – بكالوريا آداب
التقنيات القصصية في رسالة الغفران:
السرد في رسالة الغفران:
تميز السرد بأن كان غير منتظم من الجانب العام لخطية السرد في الرحلة حيث ورد حدث دخول الجنة قبل الحشر فقدم الحدث الثاني أي الجنة على الأول أي الحشر والمكان الثاني وهو الجنة على المكان الأول ألا وهو الحشر وذلك لقدرة القصاص على التصرف في السّرد.
يضطلع السرد في رسالة الغفران على وظائف عدّة منها التمهيد للقصة المضمنة فيها فقي بداية الرسالة وهي قصة ابن القارح ورحلته التي يمكن اعتبارها جنس أدبي مستقل “الفن القصصي” مضمنة في جنس أخر قد تضمنها “فن الترسل”. ومن وظائفه أيضا التّمهيد للحوار بين الشخصيات وقد ورد السرد في رسالة الغفران سردا آنيا في صيغة الحاضر مواز لزمن الحكاية إذ جاءت الأفعال في السرد مضارعة (يخطرُ له – يركبُ – يقولُ …). فكل شيء في زمن واحد.
لقد قام السرد في قصة الغفران على طريقة إيراد اللواحق فيرجع بنا السارد إلى الوراء أي الماضي فيكسر الزمن ويكسر الحدث فحدث الحشر قد ورد بعد دخول ابن القارح الجنة إذ بالسارد يورد لنا شيئا من الماضي وما فيه من التذكر ومن ذلك أيضا حال الشماخ ابن ضرار إذ يسرد لنا احواله كيف كانت من قبل يقو: “وانا الآن … أغترف في مرافد العسجد من انهار اللّبن … ولقد رآني في دار الشّقوة أجهد أخلاف شياه لجبات لا يمتلئ منهنّ القعْبُ”، وذلك ليبين للقارئ وضعية وأحوال الشخوص كيف كانت في الماضي وكيف أصبحت. ومن الطرق الأخرى إيراد السوابق وهو أن يسرد لنا الكاتب أو السارد حدثا مستقبليا لم يقع بعد ويسمى أيضا سردا استطلاعيا من ذلك حديث ابن القارح عن نيته في زيارة أهل الجحيم وهوما يزال يجول حينها في الجنة “ويبدو له أن يطلع إلى أهل النّار فينظر إلى ما فيه ليعظم شكره على النعم” ولما فيه من شد القارئ إلى القصة وجذبه إليها.
لقد كان السرد على ضريبين كما بينه الأستاذ محمد الهاشمي الطرابلسي في كتابه:
سرد يتبعه سارد غريب عن الأحداث أو عن القصة فيكون خارج أحداثها وأطرها له استقلالية عن الحكاية يسردُ الأحداث ولا نراه فعلا من الفواعل في الحكاية “وينظر الشّيخ … ويعبر بين تلك الأكراس طاووس …”.
سرد يتبعه سارد مضمّن، فاعل في الحكاية لا يخرج عن أحداثها ولا أطرها يفعل في القصّة خاصّة ابن القارح وبقيّة الشّخوص الثّانويّة.
الراوي في رسالة الغفران:
لا يختلف اثنان في أهمية الراوي في عملية إحكام البناء الحدثي للقصة وفي عملية السرد ولعل رحلة الغفران قد زخرت بتنوع رواتها ومن ذلك:
الراوي الخارجي:
وهو الكاتب المنشأ للأحداث وللحكاية ويكون حضوره جليا من خلال قسم الديباجة الذي ورد بداية الرسالة في رده المباشر وخاصّة في بداية الوصف عند الانتقال إلى وصف الشجرة ومكونات الجنة في بداية الرّحلة إذ تضمن الترسل جنسا آخر من الأجناس الأدبية وهو القص حيث يروي بدوره لنا هذه القصة بانتقاله المفاجئ من الحديث عن الرسالة القارحية والرد على مسائله إلى وصف مباشر للجنة من شجرها وأنهارها. ويطلق على الرّاوي الأصلي أيضا اسم الراوي الخارجي بما انه لا يشارك في الأحداث إنما يرويها فقط. ويكون الراوي الخارجي عالما بباطن الشخصية (يخطر له … يبدو له … ويمل من خطاب اهل النار…)
الراوي الداخلي:
لقد منح أبو العلاء دور السارد والراوي إلى غيره وفوض أمر قص الحكاية لغيره ممن هم في الحكاية المشاركون في أحداثها على خلافه هو لا يشارك في أحداثها وإنما هم رواة من داخل العالم القصصي الذي خلقه الراوي الخارجي شاهدا عيان لتلك الأحداث لحظة وقوعها ومن ذلك إنطاق المعرّي ابن القارح وجعله راوٍ من الداخل راوٍ مضمن يسرد القصة بنفسه فإذا بابن القارح يسرد لنا ويروي موقفه بالمحشر وقصة دخوله إلى الجنة بلسانه لا بلسان المعري الراوي الأصلي ومن ذلك أيضا الأعشى إذ يروي لنا قصة نجاته من النّار وآخرون يروون على ألسنتهم الشّعر وتستبان القضايا من خلالها فكأننا بالقارئ يستمع من الشخصيات القصصية الفاعلة في القصّة الغفرانية لا من خلال المعري.
راو الشخصيّة:
وهو كما أسلفت أن تروي الشخصية قصتها بنفسها ولعل في ذلك سبيل إلى الاحتكام إلى السخرية والإضحاك والتّهكّم من شخصية ابن القارح وبيان عيوب الشخصية وذلك لعدم استدعاء شفقة القارئ على حاله أو حتى لا يضحى المعري متجنيا عليه ظالما له.
وظائف الراوي:
نقل الأحداث أو الحوار.
التّعبير عن المواقف والآراء بصفة غير مباشرة.
توزيع الأدوار وتنظيم الحوار.
توليد الأحداث وترتيبها وتنظيمها.
نقل الأحوال والأفعال.
دفع الأحداث إلى الأمام.
التّعليق على سبيل السّخرية.
الحوار في رسالة الغفران:
الحوار مقوم أساسي في الفن القصصي وُجد لتنطق به الأشخاص الفاعلة في القصة بل هو حوار روائي كتب ليُقرأ على حد عبارة الأستاذ محمد الهاشمي الطرابلسي ويقول أيضا أن أغلب قبيل الحوار كان مضمنا في السرد يكاد لا يخلو منه متغلغل في السرد فنجد الحوار قد ساهم في رحلة الغفران في دفع الحدث القصصي وتطويره من ذلك حديث ابن القارح مع عوران قيس قد دفع الأحداث بأن أنشأ قصة ابن القارح في الحشر ودخوله الجنة وما فيها من أحداث متعددة علاوة على أنه يساهم في ربط الشخوص ببعضها البعض، وإن كان الحوار قد انحصر بابن القارح في أغلب أحيانه محاورا لبقية الشخوص فنتبين عند تحاور الشخصيات طبيعة العلاقات فيما بينها كالحوار الذي دار بين النابغة الجعدي والأعشى الذي يتسم بالتصادم والتقابل أو الحوار بين ابن القارح وإبليس بين التوتر بينها الذي اكتفى ابن القارح بشتم إبليس دلالة على عجزه عن الإجابة على أسئلته “عليك البلهة؟ أما شغلك ما أنت فيه؟”.
ونلاحظ حضور ابن القارح في أغلب الحوارات وما إن غاب عنها حتى ينحدر الحوار نحو التشنج والتخاصم كالحوار الذي دار بين النابغة الجعديّ والأعشى أو الحوار بين المازني وأو عبيدة. ولقد اضطلع الحوار في رسالة الغفران بوظيفة باطنية تسجل لنا أحوال أفكار ومشاعر الشخوص خاصة منها شخصية البطل، وبه تنكشف جوانب عديدة منه ومن ذلك قوله:” وقد بلغ جنة العفاريت، لأعدلنّ إلى هؤلاء، فلن أخلوَ لديهم من أعجوبة” أو قوله:” فجعلت أتخلل العالم فإذا أنا برجل عليه نور يتلألأ وحواليه رجال، تأتلق منهم أنوار، فقلتُ:” من هذا الرجل الفقير هذا حمزة ابن عبد المطلب، صريح وحشي… فقلت الى نفسي الكذوب: “الشعر عند هذا أنفق منه عند خازن الجنان لأنه شاعر وأخواته شعراء”.
الوصف في رسالة الغفران:
يضطلع الوصف في رسالة الغفران بتجويد العبارة او الصورة لما يشتمل عليه من ضروب التشبيه والاستعارة والتشخيص، فنجد الوصف يذكر لنا الملامح والظواهر، سواء كانت ساكنة أو متحركة لتشمل الاحداث والاطر والشخوص، وقد كان الوصف وصفا مضمنا داخل السرد، وقد حضر الوصف في بداية الرسالة التي افتتحت بلوحة وصفية لمنظر الجنة يستعرض فيها السارد المكان وما يحتويه من مكونات، بما أنه إطار للأحداث، فيصف لنا وصفا دقيقا “تأخذ ما بين المشرق والمغرب إلى ظل غاط”والولدان وأنهار من الخمر والعسل واللبن وماء الحيوان، إذ هي أنهار بطيئة وولدان منتظمة قياما وقعودا. ونفس الشيء نجده في المشهد الأخير فيفصل لنا السارد وصف البطل في نهاية المطاف، إذ هو على الاريكة قد أجهده وأنهكه التعب وغلبه النعاس، والحور والولدان تخدمه لتنحدر الأجواء نحو الهدوء بعد تلك الفوضى التي كانت سائدة.
ولعل في إطالة الوصف يجعل من القصة طويلة ومن الحدث متوقفا إذ لا يتقدم به ويُدخل الفوضى على القارئ. وفي الاسراف في الوصف الذي قد افاض فيه المعري الكلام نجده قد وظف أساليب البديع من السجع والمطابقة والجناس ليؤصل لنا جنس هذا الأثر الذي ينتمي الى فن الترسل وتذكيرا بأسلوب فن المقامة، أو كتوظيف الجناس وورد بعض الوصف وصفا تسجيليا يسجل فيه حال الملوك.
للحصول على الجزء الاول اضغط هنا
للحصول على الجزء الثالث اضغط هنا
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني