يُعتبر التنمر في الوسط المدرسي من أكثر المواضيع التي لم يتم تناولها في وسائل الاعلام او حتى الملتقيات. ففي تدوينة نشرتها الصفحة الرسمية لموقع موسوعة سكوول، أثبتت التعليقات التي كتبها التلاميذ أنفسهم أن مصطلح “التنمر” من ضمن المصطلحات التي لا يعرفونها. والغريب في الأمر أن الاطارات التربوية والاساتذة لا يمتلكون أدنى فكرة حول الموضوع وفقا لدراسة نشرها موقع Journal of Research in Health Sciences.
فظاهرة التنمر في المدارس والمعاهد ليست معزولة داخل الجسم التربوي، بل تستمد قوتها من العنف والعدوانية المنتشرين في البيئة المحيطة بشتى الوسائل سواء كانت مباشرة كالعنف داخل الاسرة مثلا أو غير مباشرة كوسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي.
تقديرات اليونسكو الصادرة عام 2017، أكدت أن أكثر من 250 مليون طفل حول العالم يتعرضون الى التنمر والعنف المدرسي، وأن مراهقا واحدا على الاقل من أصل ثلاثة مراهقين في أوروبا وأمريكا الشمالية تعرضوا للتنمر في المدارس مرة واحدة على الأقل أغلبهم من الفقراء والأقليات العرقية واللغوية والثقافية.
ما معنى “التنمر؟
التنمر هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف (في الغالب جسديا)، هي من الأفعال المتكررة على مر الزمن والتي تنطوي على خلل (قد يكون حقيقيا أو متصورا) في ميزان القوى بالنسبة للطفل ذي القوة الأكبر أو بالنسبة لمجموعة تهاجم مجموعة أخرى أقل منها في القوة. فالتنمر عادتاً يكون بأشكال مختلفة قد يكون لفظي او جسدي او حتى بالإيماءات،يمكن أن يكون التنمر عن طريق التحرش الفعلي والاعتداء البدني، أو غيرها من أساليب الإكراه الأكثر دهاء مثل التلاعب وفقا للتعريف الموجود على موسوعة ويكيبيديا.
دراسة في شخصية المُتنمّر
في مقال نشر على موقع “العربي” في نوفمبر 2017، أشارت الاخصائية الاجتماعية سناء أبو غادر أنه “كي نطلق على طفل ما صفة المتنمر، علينا ملاحظة سلوكه ومراقبته مدة من الوقت، وحين يثبت أنه يتعمد إلحاق الأذية الجسدية أو المعنوية أو كلتيهما بالآخرين بتكرار، ويمارس سلوكه العدواني مرات تجاه شخص أو أشخاص، عندها نتأكد أنه شخص متنمر، فالتكرار هو معيار أساسي”. وتعود أسباب العدوانية الى اسباب اجتماعية نفسية بالاساس. فالمُتنمر عادة ما تكون شخصيته عدوانية، تحب السيطرة والتسلط مما يجعلانه يشعر بلذة إذلال وإهانة الآخر. أما السبب الثاني فيعود إلى الأسرة، إذ توضح الاخصائية أن ” بعض الأسر تعتبر أن توفير الطعام والشراب والملبس لأطفالها كاف، فتهمل الجانب العاطفي وتستبعده، ومن المؤسف أن بعض الأمهات والآباء لا يراقبون سلوك أطفالهم في البيت أو خارجه أو على الإنترنت، ويلقون اللوم على المدرسة عند معرفتهم بمشاكل أبنائهم السلوكية، في حين أن العدوانية والمشاكسة قد تكون سبيلاً للفت أنظار الأهل وجذب اهتمامهم”.
“ بعض الأسر تعتبر أن توفير الطعام والشراب والملبس لأطفالها كاف، فتهمل الجانب العاطفي “وتستبعده
ورأت أن “غياب الرقابة الإعلامية وتعريض الأطفال والمراهقين لكل أنواع العنف (الحقيقي والافتراضي) وتفاصيله على الشاشات، وتكراره المؤذي، يترجم لدى بعضهم بسلوك عدواني”، مضيفة أن “أساليب التعليم التقليدية المرتكزة على العقاب المهين والمؤذي للتلاميذ، تزيد من عدوانية أصحاب الشخصية المتنمرة”.
كيف يتم التنمر؟
يتخذ التنمر أشكالا عدة. فعادة ما يظهر المُتنمر على رأس مجموعة من الأشخاص يصرخ بهم ويوجه لهم كلاما غير لائق ويعنفهم ماديا فضلا عن استعماله لاشارات باليد والوجه والجسد للتخويف و التوعد والايماء بالتهديد. في الوسط التلمذي، عادة ما يتحصل المُتنمر على عقوبات صادرة عن مجالس التأديب أو حتى الأساتذة من خلال الاقصاء من القسم نتيجة تعطيل الحصة، كما تكون نتائجه الدراسية متدنية.
الأساتذة بدورهم متنمرون !
يعاقب الاساتذة والقيمون والمديرون التلميذ “المثير للشغب” بطرق عدة ممارسين بذلك “التنمر” دون عملهم نتيجة جهلهم لوجود ظاهرة التنمر. بل يلجأ بعضهم إلى نكران ورفض هذا المصطلح واعتباره “تافها” باعتبار أن التعليم التقليدي كان يعتمد على نفس طريقة العقاب التي كانوا يمارسونها. فالمدارس عادة لا تتعامل مع المتنمر على أنه شخص لديه مشكلة ويحتاج للمساعدة، بل يعتمدون طرقا مهينة كالصراخ في وجهه أما بقية زملاءه أو نعته بطريقة سلبية ومثيرة للضحك بالنسبة لزملائه.
هل ان التنمر غير موجود في الوسط المدرسي التونسي؟
في دراسة أعدها تونسيون نشرت في 05 ماي 2018 على موقع Journal of Research in Health Sciences، تناول ملف التنمر في المدارس والمعاهد التونسية، قام مجموعة من الباحثين من كلية الطب بسوسة بزيارة عدد من المدارس الاعدادية بولاية سوسة واستجواب تلاميذ السنوات السابعة والثامنة والتاسعة أساسي.
وأكدت الاحصائيات الواردة في الدراسة، التي استجوبت 1584 تلميذا من بينهم 807 ذكورا و765 اناثا، أن 30.3% من ضحايا التنمر المستجوبين أعلموا أقربائهم بتعرضهم إلى التنمر 67.9% منهم أخبروا اصدقائهم فقط دون اللجوء الى العائلة أو الإطارات التربوية ظنا منهم أن التحدث إلى الأصدقاء يُعتبر تخفيفا من المشكل، في حين أن التحدث عن المشكل إلى الاساتذة يمكن أن يزيد من تعقيد الأمور.
كما أكدت الدراسة أن الأساتذة والأولياء لم يقوموا بالتحدث إلى المُتنمرين وأن 27% من الاساتذة لم يتدخلوا في الحالات التي واكبوا فيها حالات تنمر. في حين أظهرت الدراسة أن الأولياء اقتصر دورهم فقط بالاتصال بالاساتذة من أجل إشعارهم بما حدث لأبنائهم متجاوزين بذلك الاتصال بإدارة المؤسسة التربوية.
وخلصت الدراسة إلى أن الإناث منخرطات في التنمر لفظيا أكثر منه جسديا وأن أغلب ضحايا التنمر لم يتحدثوا أو حتى يعلموا عن تعرضهم لهذه الظاهرة.
وفي احصائية قام بها موقع موسوعة سكوول على صفحته الرسمية على الـInstagram أثبتت أن من 1656 مصوتا، 725 منهم أشاروا إلى أنهم تعرضوا الى التنمر في المدرسة.
غياب الاخصائيين النفسيين في المدارس يزيد الطين بلة
تشهد المدارس والمعاهد الثانوية في تونس نقصا فادحا في الأخصائيين النفسيين الذين من المفترض انهم يساعدون ويرافقون التلميذ خاصة من الجانب النفسي. حيث أثبتت العديد من الدراسات أن التنمر يُمكن أن يتسبب في الاكتئاب وصولا إلى الانتحار. إلا أن سياسة الدولة تتجاهل كليا الجانب النفسي للتلميذ معللة ذلك بغلق الانتدابات والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وباعتبار أن التنمر هو ظاهرة صحية ومجتمعية، فان معالجته ممكنة من خلال فتح ورشات الحوار مع الاطارات التربوية والتلاميذ حول مخاطره وأثاره النفسية المدمرة لضمان بيئة أفضل للتعلم في المدارس والمعاهد.
المصادر: موسوعة سكوول – موقع “العربي” – موقع ” Journal of Research in Health Sciences ” – ويكيبيديا
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني