تلميذ القرن الحادي والعشرين

تَلِهَ التّلميذ من تشييئه وتسذيجه وتجريده من خصائصه التّي ترقيه إلى المرتبة الأدنى من الخصائص التّي من حقّه أن يختصّ بها بصفته جزء لا يتجزّأ من منظومة « تربويّة تعليميّة » إن صحّ التّعبير.

فعبارة « تلميذ » صارت عنوانا بارزا يُطوّع من أجل الذّود عن مصالح شخصيّة، تنأى عن مصالحه الأصليّة ولعلّه من أشدّ بواعث الأسف هو أن يصبح مُجرّد خيط رفيع، لا يكاد يظهر إلاّ في القضايا الكُبرى باسم إصلاح التّعليم.

العناوين التّي تصدّرت صفحات الجرائد وعلى مواقع التّواصل الاجتماعي والتّي تندّد بمساندة التّلميذ والدفاع عن حقوقه في الآونة الأخيرة، لم تكن سوى كلمات تجري مجرى الرّياح و تخوض معركة بإسمه ضدّه.

ففي ظلّ دولة تعترف بالكفاءة الكميّة لا النّوعيّة، وبتكثيف الأوراق التّي تجعل التّلميذ رقّا لها، هل من مصلحته أن يحرم من حقّه كإنسان بعيش يوم متوازن (يعادل بين التّعلم والتثقّف والانخراط في الجمعيات وممارسة الهوايات)؟ هل من مصلحته أن يرتجف من البرد ويرتعد من الحرّ داخل قاعات تفتقر إلى أبسط التّجهيزات؟

هل من مصلحته أن تتراكم عليه المعلومات و المراجع ببرامج تدريس تُفرضُ عليه على سبيل التّجريب والمعاينة؟ هل من مصلحة التّلميذ أن يُستقبل داخل مؤسسة تربويّة بأحرّ ألفاظ الشّتم و الإهانة؟ هل من مصلحة التّلميذ أن يتحمّل مسؤولية تدارك ما لم يدرّس في شهر؛ في ظرف أسبوع واحد؟ هل من مصلحته أن يُجنّد ضدّ قضايا ليس له يدٌ فيها؟ بل و الأشدّ بؤسا أنّه لم يعد له تأثيرا في تلك المعارك؛ فقد صار سلاحا دون تأثير؛ وعدم استجابة و تفاعل الوزارة مع الحركات الاحتجاجية والاضرابات لهي أكبر دليل عن تراجع قيمة التّلميذ وهيبته.

إن المطالبة بإصلاح التّعليم و خاصّة النّظر في المؤسسات التّي تتمّ فيها « عمليّة التّربية والتّعليم » والتّربّص ضدّ كلّ أنواع التّجاوزات التّي تحدث فيها ومراقبة هياكلها؛ هو إجراء لا يحمي التّلميذ فقط بل الأستاذ و النّقابة والوزارة، ولو أردنا أن نرتقي في سلّم التّجريد درجة لقلنا الدّولة عموما.

التّعليم هو من أدقّ المجالات داخل الوطن وعليه فإنّ إصلاحه واجب وطنيّ شامل يتطلب من كلّ المعنيين التدخل. وفي النّهاية، لا يتطلّب الكثير من التكلّف لإظهار أن تلميذ القرن الحادي والعشرين و »تلميذ الرّقمنة والتّطور التكنولوجيّ » لا يحتاج لمن يُجلي له مصالحه ويرشده؛ وأنّي بما كتبته لا أجحدُ من قيم ومعارف علّمنيها الأساتذة بل أنا بذلك أشهد عن هذا الفضل وأدفع ذوي المناصب العليا والشأن التّعليمي التّربويّ للنّظر في هذه القضيّة والآفة الوطنيّة والتّحرك في أقرب الآجال من أجل الحفاظ على المؤسسة التّربوية بكلّ أطرافها وتمكين كلّ ذي حقّ حقّه.

تدوينة بقلم: سيرين حبورية