أصابني شلل جسدي ثم شلل روحي بقلم: أسامة الجازي

أولى أيام زواجي معها كانت مداعبة لجنان خالقنا في الأرض هذا أقل ما يمكن أن أقوم بوصفه..كنت أسعد الخلق طول اليوم ..كثرة الضحك والدفئ والأكل والراحة …

بعد شهر واحد من زواجنا المقدس أصبت على مستوى نخاعي الشوكي بعد حادث سير في طريقي عودتي لجنة الخلد بين أحضان زوجتي..

فتحت عيني لأجدها ممسكة يدي اليمنى وطبيب على يساري يخبرني أن الحادث تسبب في شلل رباعي الأطراف أفقدني جميع حركاتي حتى أبسطها …

رغم بشاعة وهول ما أسمع لم أبعد النظر عن زوجتي وعن ضحكتها المشجعة لي منذ أن رأيتها … عدت للمنزل وكانت قد جهزت الغرفة بجميع ما يحلو لي ..

أعادت طلاءها باللون الأزرق…فأنا اعشق هذا اللون..جعلت من الرف يحمل مئات الكتب فهي تدرك حبي للمطالعة..تركت جانب من الغرفة المطل على النافذة به سجادتها وسجادتي وقرآنا …

أحضرت أيضا التلفاز وحتى لوازم الطبخ وطبعا عند سؤالها أخبرتني بضحكتها المقدسة بأنها لن تتركني لوحدي وهذا يتطلب أن تطبخ بجانبي نظرا لكونها بطيئة للغاية في تجهيز المائدة …

زوجتي أحيانا أراها مسنة في التفكير وأحيانا أجدها طفلتي المدللة نظرا لتصرفاتها الصبيانية…كانت تفعل كل شيء لكي تنسيني شللي الرباعي ..تقوم بتنظيف أطرافي يوميا …

أتذكر أنها عند رؤيتي لفتيات جميلات في التلفاز أو في هاتفي تصبح عدوانية وتغار رغم أني عاجز حتى على الكلام طويلا فتأتي أمامي وتقبلني ثم يتعكر مزاجها لحين ذهابها لتَتَزين وتلبس اللباس الذي أعشق رؤيتي لها به ثم تقوم بإغراء ملائكي بسيط وبنفس تلك الضحكة وهذا كله لمجرد أني رأيت إمرأة جميلة…

أنا عشقت غيرتها المتواصلة حتى في وضعي هذا…عندما تلاحظ أن مزاجي قد تعكر تشغل قناة للأغاني الشعبية وترقص لي وأذكر أني من كثرة الضحك لم أشاهد نصف رقصتها ففي ضحكي أغمض عيني …تأتي لتنام فوقي ..لم أستطع ان أحضنها فحركت يدي عوضا عني …

ببساطة زوجتي كانت جهازي العصبي..كان أكثر ما يثير غضبها بكائي في لحظاتي ضعفي وعند رؤيتها لدموعي تأتي بالبصل من الرف المجاور وتقطعه بجانبي لمزيد البكاء وتعلمني بأنها تريد رؤيتي أبكي فقط عند تقطيعها للبصل ليس أكثر …

مرت الليالي والأيام وكل يوم أكتشف أنها رحمة أنزلت للأرض إلا أنها إنسانة..أحيانا عندما أخدعها بأنني نائم أسمع بكائها طول الليل ..فهي تأخذ حاجتها من البكاء ليلا لتنشر ضحكتها لي نهارا..

تلك هي زوجتي …اسمعها عند الفجر تصلي لخالقي وتدعوه بأن يفرج حالي …كان ألمي عند سماع بكائها أشد وأقوى بأضعاف عند تذكر أني عاجز …

كنا نسمع أفراح ومناسبات جيراننا وهي لاتفارقني رغم إلحاحي بأن تذهب لهم..أريدها أن تنال بعض الراحة فهي طول اليوم تنظف وتطبخ وتغسل وتضحك وتنسى وتصلي وتمثل وتصدق وتكذب و و و و فقط لإسعادي …

أذكر أني أتألم فقط حين تفكيري بفرضية أنها لو كانت في وضعيتي ..هل سأقوم بنفس ماتقوم به ؟ هل سأثبت رجولتي التي هي فاقت حدودها ؟ هل وهل …قتلتني عدم وجود إجابة لهذا الكم الهائل من الأسئلة ..

زوجتي كانت كالملاك الطاهر …كل يوم ولمدة ساعة تقريبا تعزف لي آلة العود وتغني لي جميع أنواع الأغاني ..جمعت أسماء المسلسلات والأفلام وأعلمتني بأننا سنشاهدهم معا لإضاعة الوقت ..

شيئا فشيئا أصبح ليس لي وجود..فوجودي بوجودها وفكري بفكرها وحركتي بحركتها وأملي بضحكتها ..هي كل شيء ..

أحسد نفسي كثيرا لدرجة أني خفت من أن أحرم من الجنة في الآخرة نظرا لكون خالقي رزقني جنة في الدنيا ألا وهي زوجتي …

في محنتي هذه قامت معشوقتي بقرائة خمسة مائة وستة وستون كتاب وعزفت قرابة مئات الساعات وشاهدت ألاف السلسلات والأفلام…

كل هذا لكي لا تشعرني بأني عاجز والواقع أني أصبحت أكثر ثقافة وحكمة وخاصة أصبحت لي روح الدعابة التي ورثتها منها …

شهور من هذا الحال وعلمت بأنها حامل بطفلة وأنتظرت رؤيتي لإبنتي أكثر من إنتظاري لشفائي …والحمدلله رزقنا بطفلة جميلة تماما مثل أمها وترعرعت بجانبي وتعلمت كل الأشياء التي قامت والدتها تجاهي …

كنت محاطا بملاكين يزرعون لي بسمة ويخلقون لي مجالا طاهرا كي أنسى عجزي …

أعلمكم يا سادة أن زوجتي ماتت نتيجة مرض مزمن وتركت لي طفلة تذكرني بها في كل تفاصيلها حتى ضحكتها …أعلمكم يا سادة أن زوجتي كتبت كتابا عني يحمل مستلزماتي اليومية وكيفية نسياني لشللي وقامت بتصوير فيدوات كثيرة تجسد تصرفاتها معي لتراهم إبنتنا لتتعلم …

نعم زوجتي الملاك الحارس لي عند حياتها وعند مماتها أيضا ..وبموتها أنهي مابدأت به « أصَابني شلل جسدي …ثم شلل روحِي  »

بقلم: أسامة الجازي- معهد الميدة نابل