في الوهلة الأولى حسبته ميتا… أطلت النظر في جثته الهامدة طويلا… جثته المكسوة ببعض عظام، و ملامح غائبة إلا من عورة مغطاة بخرقة بالية، هي على الأغلب من بقايا غطاء امرأة.
في لحظة ما، هنا في هذا الداموس المظلم.. وأنا محاطة بالضباب أو ربما بدخان كثيف… تحولت، أنا، إلى شبه جثة لازالت تحتفظ بحركتي الشهيق والزفير.. بصعوبة
صرت أتنفس وأجد نفسي أحاول جاهدة البحث عن متنفس من بين ركام الجثث المتساقطة والدخان المتصاعد منها ومن حولها ! كل الجثث هنا عارية .. جثث لذكور
وأخرى لإناث، تنسدل ظفائرهن لتغطي صدورهن بينما تغطى العورات بنفس تلك الخرقة وردية اللون .. السكون يخيم على المكان، خلت أنني انضممت إلى عالم ما بعد
الموت، و بت أتصور تلك الجثث، أبطالا لكتاب رسالة الغفران وهم في استراحة قبل عبور السراط أو ربما فإنهم يمكثون هنا بين الجنة والنار… ينتظرون قرارا نهائيا
في مصيرهم الأزلي، لكنني كنت أتساءل لماذا أتواجد هنا بينهم؟ ما الذي اتى بي إلى هنا؟ والأهم كيف سأغادر هذا الخندق؟ بدوا لي أمواتا جميعا لا يبصرون لا يتكلمون
ولا يتحركون.. وكنت أظن أنني الوحيدة بينهم التي لا تزال على قيد الحياة لذلك أصبحت أفكر في طريقة تخلصني بعد أن مكثت طويلا بينهم أرمقهم عن قرب ولا أنبس
بحرف! لازلت أتنفس بصعوبة، أبعد الدخان عن وجهي وأبحث عن باب من أبواب النجاة حتى بدت لي الجثث الهامدة، طيورا بأجنحة كبيرة، تحلق فوق رأسي مكسوة
بغطاء حريري أبيض تفوح منهم رائحة عطر زكية.. أما عن الدخان الشبيه بدخان النرجيلات فقد زال كله فاسحا المجال لقطرات من الندى، حبات لؤلؤ تنبثق كالعادة من
مصدر مجهول أو ربما لا مرئي بعيون شبه جثة! حاولت أن أترقب ما الذي سيحدث بالجثث الطائرة.. لكنني فقدت الوعي تماما لمدة أجهلها، فتحت عيني وكان المكان
خال تماما منهم ومن كل شئ إلا من الظلام الدامس طبعا! أين ذهبوا ولماذا أنا ملقاة في جوف هوة شاسعة ؟! تراءت لي بصعوبة فجوة من الفوق تفتح آليا ليبدأ تساقط
الجثث حولي! وبدأت أشتم رائحة الدخان المتصاعد من جديد… لا أحد هنا سوى أنا وجثث هامدة تتساقط نحوي وأحدهم يرمقني عن قرب ولا ينبس بحرف تبدو عليه
علامات القلق والتعجب ..
ما الذي يحصل! لست أدري…
بقلم: أمنة طليق طالبة بالمعهد العالي للانسانيات بالمهدية