لقد تعودنا منذ نعومة أظافرنا على البحث عن المتعة و المسامرات و الأحاديث الجانبية مع العائلة و الجدة كرمز للحكمة و المثل ، غير أن هذا الواقع المعيش قد زاد من نكبتنا و تعاستنا النفسية خاصة .
أي نعم انها التكنولوجيا المدمرة التي فصلتنا عن بعضنا بل و عن أقرب الناس إلينا إذ جعل منا هذا التطور عبيدا له فسلبنا إرادة سرورنا و فرحنا ليقدم لنا حلولا و وسائل متطورة و قاتلة للبساطة التي كانت تبعث فينا الأمل و النشوة و الإقبال على الحياة بكل إنشراح . يضع الفتى رأسه على الوسادة أخر اليل و ينتظر قدوم ملك النوم اليه ليريحه من مشقة يومه ذاك فهو ينهظ باكرا يأخذ الحافلة يذهب الى الجامعة محاضرات مناقشات دروس مسيرة فروض ….وهكذا كل يوم ما عدى أخر الأسبوع قيل أنه يوم راحة غير أن هذا الفتى كان يتمنى أن يكون يوما كسائر أيامه من الأسبوع لما في يوم الراحة هذا من مشقة و عناء حيث تجول تفاصيله دائما كالأتي
تقول الأم : قوم اكبس روحك النهار تعدى
الأب : ما جاش لبوه أما النار تخلف الرماد
الأخ : برى جيبلنا الخبز …. و يبدى الشقاء في يوم الراحة هذا بما يعادل تعب بقية أيام الأسبوع .
يتأخر ملك النوم دائما عن الفتى كأنه يتقصده و يبدأ الأخير بالتفكير و التأمل و هو قد دخن خمسة سجائر قبل نومه ذاك مع كوب من القهوة أو الشاي . ذكريات تجذبه من الماضي الجميل أو أيام العز على حد قوله حيث كان الفتى لا يأخذ على عاتقه اي هم من هموم الدنيا . فيتذكر أيام الطفولة و اللعب و الإستماع لحكايات الجدة أخر اليل و الدفئ العائلي الذي كان حينها من اندماج و الحضور المكثف مع العائلة الموسعة و الأعياد و المناسبات التي خلت فضلا عن مسلسل الخوالي و بال و سباستيان حين كان ينتظر الساعات لمشاهدة هذه البرامج باللون الأبيض و الأسود .
فيتنهد و يخرج زفيرا من روح فؤاده … و يعانق هذه الذكريات شبح الواقع حيث لم يعد الفتى صغيرا كما كان و ودع المرح منذ سنين و صار يتفكر في كيفية نجاحه في الجامعة و وجوب تحصيل عمل من بعد ذلك و البحث عن فتاة لتكوين أسرة « قبل ما يفوتو الفوت » و من بعدها تحصيل منزل و سيارة ليواكب التطور و هلم جر . فيلعن الفتى زمانه و يعانق ذكرياته الجميلة و ينام .
غسان العيادي – المعهد العالي للدراسات القانونية و السياسية بالقيروان