مقاهي الحي – بقلم: أنور صدّيق

لا يكاد يمضي شهر واحد حتى أسمع أن فلان فتح مقهى جديد حتى أصبحنا نجد في حيينا بين المقهى و المقهى مقهى … أما عن أسامي مقاهينا فهي شديدة الغرابة فهذا يسميها السلام و يكتب عليها الآية القرآنية « أدخلوها بسلام آمنين  » ثم بعد ذلك نسمعه يوصي النادل ،في أول يوم له ، يقول: » هانو عندك الدبوس إلي ميخلصكش أعطيه في راسو  » و الآخر يسميها حنبعل و يشغل فيها نادل يكنى « ميدو » ……


كل هذه المقاهي رغم كثرتها تمتلىء بالزبائن ، فهذا يحتسي « الفيتلر »، و أغلب الزبائن يفضلون هذا النوع من القهوة بدعوى أنها صحية حتى أنك تظن أنهم كلهم أطباء و لكنك تجد أغلبهم يدخن إلى جانب قهوته سيجارة « PINE « !!!!! ، و تجد الآخر غاضب لأنه خسر في لعبة الورق أو ما يسمى » بالرمي « و هذا يشاهد إعادة المسامح كريم ويلعن زوجته التي طلقته بعد أن زورته كل أروقة المحاكم حتى إنك إن جلست معه ظننت أنه محامي فتارة يحدثك عن مجلة الأحوال الشخصية و تارة عن مجلة العقوبات و يسمي لك كل القضاة فضلا عن المحامين….. و هذا ينادي النادل بصوت عال  » ولع ولع يا ميدو  » فيجيبه ميدو « tout suite frére « …..
أما أنا فإني أستغل فرصة العطلة لأزور هذه المقاهي و أتجاذب أطراف الحديث مع زبائنها و في إحدى هذه المقاهي عرفت » علولو » كما يحلو للناس أن يندوه ، هو شاب تونسي متحصل على « الدكتورا » في الإعلامية و يمتلك ثقافة عامة عجيبة فهو يحدثك في السياسة و في الدين و في الكورة و في كل المواضيع و لم أجد شيئا يصفه مثل المثل الشعبي التونسي الذي يقول  » منين ادور يدور « . كنت أجلس معه و أتعلم منه الكثير لكني كنت أسأل نفسي شاب بمثل هكذا مستوى ماذا يفعل يوميا في هذه المقهى ألا يمتلك شغلا ؟
فقررت يوما أن أسأله هذا السؤال فكانت إجابته أنه لا يحبذ الحديث في هذا الموضوع ، إلا أني و في يوم ما و بعد أن ألححت عليه كثيرا تحصلت على الإجابة ، فقال لي، متأسفا، أنه في كل مرة يذهب لمقابلة مدير شركة ما للعمل في شركته لا يسمح له بمقابلته فهو لا يرتدي ثياب جميلة و لا يمتطي سيارة فاخرة …..هذا هو حال الشاب المثقف في وطن أصبح فيه الفقر جريمة …….

بقلم: أنور صدّيق – المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الانسانيات -المهدية