شرح قصيدة قبحا لوجهك يا زمان للمتنبي – بكالوريا آداب – العربية
التقديم:
الرثاء غرض شعري له سننه ومعانيه وقد انطلق منها المتنبي، اما السياق التاريخي للقصيدة فهو يحدد علاقة الشاعر بالمرثي فالمتنبي قد اتصل بكافور الاخشيدي وكانت الخيبة فخرج من هذه التجربة ناقما ثائرا لكنه اتصل بأبي شجاع فاتك الذي كان من مماليك الاخشيد فكان صورة مناقضة لكافور وقد مدحه المتنبي في حياته ولما مات رثاه.
الموضوع: رثاء المتنبي أبا شجاع فاتك ومقارنته بكافور الاخشيدي.
التقسيم:
من البيت 1 الى البيت 2: شكوى الزمان
من 3 الى 10: مقارنة بين المرثي والمهجو
البقية: دعاء.
التحليل:
تبدو القصيدة محترمة البنية التّقليديّة للقصيدة الرّثائيّة، مستوفية شروطها، عدا تضمين الشّاعر مطلعها بعض الشّكوى وذمّ الدّهر، وتضمين التّأبين بعض الهجاء، وذلك يعود إلى سيطرة الشّكوى على شعر المتنبي، ونقمته على كافور، واستفحال ظاهرة تداخل الأغراض في شعره، وقفل القصيدة بالدّعاء على بقية الفرسان تعزّيًا.
لا يستقرّ
المتنبّي على بنية واحدة، ولا يحترم نموذجًا، ويريد دومًا التّميّز.
2 ـ تحليل المستوى الإيقاعيّ:
• الإيقاع الخارجيّ: البحر البسيط التّام ← بحر تقليديّ كثير الاستعمال في الشّعر التّقليديّ، وفي مدوّنة المتنبّي، يراه النقّاد بحرًا مناسبًا للأغراض الرّئيسيّة، معبّرًا بنفسه الطّويل عن النّفس الحماسيّ.
• الرّويّ: العين المضمومة: حرف حلقيّ شديد مجهور، فيه شدّة وعنف تحاكي معاني القصيدة، سواء بالنّسبة إلى تفجّع الشّاعر، أو قوّة المرثيّ.
• الإيقاع
الدّاخليّ: التّرديد (قبحًا/ قبح، وجهك/ وجه)، نغميّة الحروف (حرف السّين،
والصّاد، والعين، والقاف، والحاء)
← كلّها حروف قويّة تسبّب عسرًا في نطقها، فتعكس أزمة الشّاعر النّفسيّة، وانهيار
معنوياته.
← الإيقاع غنائيّ (يتعلّق بالذّات معبّرة عن أزمتها، وتفجّعها، وانكسارها أمام جبروت الزّمان)، وحزين لتعلّقه بموت المرثيّ المحمود الصّفات.
للمزيد من شروح النصوص والملخصات الخاصة بمحور الحماسة اضغط هنا
3 ـ تحليل القسم الأوّل: الشّكوى وذمّ الزّمان
خصائص الخطاب: الإنشاء
• الذمّ: قبحًا ← توجيه الخطاب إلى الزّمان ومقصود به القضاء والقدر، وتصاريف
الحياة العجيبة، والعلاقة العدائيّة قديمة بين الإنسان والدّهر، والقضاء والقدر،
ينضاف إليهما الموت، وهو هادم اللذّات.
• النّداء: يا زمان ← توجيه الخطاب المباشر إلى الزّمان غير العاقل، التّشخيص، والتّمنّي، فالشّاعر يتمنّى القدرة على توبيخ الزّمان لإحلال المصيبة بالمرثيّ، والانتقام منه بالدّعاء عليه.
• الاستفهام:
أيموت، ويعيش ← استنكار ظلم الزّمان، وانتفاء عدله، وتقلّب تصاريفه، إذ قتل أبا
شجاع، وأبقى كافورًا ينعم بالحياة.
← حشد الأساليب الإنشائيّة يعكس حالة الشّاعر المتوتّرة، وتفجّعه بموت المرثيّ،
ورغبته في محاورة الزّمان، ومعرفة أسرار سلوكه العجيب.
• الكناية في
مستوى الصّورة:
• أبو شجاع ← إحالة على الشّجاعة بما تضمّ من قيم حميدة (الكرم، العفّة، العدل،
الإغاثة،النّجدة، رجاحة العقل، حسن التّدبير والتّفكير، وإحكام الإنجاز…) قيم
نفسيّة محمودة.
• الخصيّ الأوكع ← إحالة على صفتين ذميمتين، الأولى جسديّة (خصيّ)، أيْ انتفاء
الرّجولة بالمعنى البسيط.
• والثّانية
نفسيّة (الحمق واللّؤم)، أيْ انتفاء الرّجولة بالمعنى العميق، فلا شهامة له، ولا
حكمة ولا عقل يدبّر به.
• وبالتّالي انتفاء الرّجولة بالمعنى الاجتماعيّ، فمنْ لا قوّة جسديّة له لا شجاعة
ولا إقدام ولا دفاع له، ومنْ لا عقل له، لا مكانة له بين قومه، ومنْ لا حكمة له لا
سياده له بينهم وفيهم.
• التّأليف
الجزئيّ الخاصّ بالقسم الأوّل:
← انفتاح القصيدة بالتّفجّع متأتّ من إحساس الشّاعر بالحزن والتّفجّع، لا من حرصه
على احترام بنية القصيدة الرّثائيّة، فقد رثى أخت سيف الدّولة مبتدئًا بالمدح.
← وضوح تأثّر المتنبّي بموت المرثيّ يعكس صدق المشاعر.
← انقلاب الرّثاء من التّفجّع إلى الاستنكار والرّثاء، ومن الحزن إلى النّقمة،
والرّغبة في الانتقام من الزّمان، ومن العدوّ الباقي على قيد الحياة التي لا
يستحقّها.
← مدى تأثير
تجربة المرحلة الكافوريّة في المتنبّي، حتّى أنّه انصرف من الرّثاء إلى الهجاء،
ومن الحزن إلى السّخط.
← كثرة خلطه بين الأغراض، فلا حدود أمامه.
← كثافة المعاني في القسم الأوّل رغم محدوديّة حيّزه النّصّيّ.
4 ـ تحليل القسم الثّاني/ التّأبين
• تغيّر الأسلوب من الإنشاء إلى الخبر: الانتقال من التّعبير عن المعاني المرتبطة
بالذّات، والغنائيّة إلى تقرير الحقائق.
• تغيّر زمن
الخطاب: من الحاضر (زمن الموت والسّكون والجمود والتّفجّع والشّكوى، إلى الماضي
زمن الحياة والفعل والسّعادة والفرح).
• كثافة الجمل الفعليّة ومحدوديّة الجمل الاسميّة: التّركيز على الفعل تأكيد على
كثرة الأحداث، وتركيز على البطل الفاعل، وإثبات لكثافة إنجازاته.
• الانتقال من
التّعبير عن الذّات المتكلّمة المتفجّعة المنكسرة، إلى التّعبير عن الذّات
المؤبّنة المتعالية الغائبة.
• التّركيب الشّرطيّ التّلازميّ: (إن حلّ… أوحلّ…) ارتباط جملة الشّرط
بجوابها، يجعل النّتائج مشروطة بالمرثيّ، ومرتبطة بتحرّكاته، ومحكومة بإنجازاته
← المرثيّ
البطل الأوحد، القادر فوق البشر، ذو الطّاقات الخارجة، يسود الأمم، فيضفي عليه
المعنى الكونيّ ← التّضخيم والمبالغة والمغالاة، القرب من الملحمة.
• إبراز الأحوال والأفعال المنجرّة عن موت المرثيّ: سكون الحرب، وقعود الفرسان،
وتوقّف الآلات الحربيّة عن الفعل، بسبب موت القائد.
← في الإشارة
إلى الحرب تطرّق إلى الحماسة، أيْ ارتباط الحماسة بالمقام الحربيّ، وأجواء القتال،
فلا حماسة بلا حرب، ولا مجال للحديث عن الحماسة بغيرها.
← لا يتحوّل الرّثاء (أو غيره من الأغراض) إلى حماسة إلاّ بوجود ظاهرة الحرب،
وأحداث القتال.
• كثافة المعجم
الحربيّ تأكيد للبعد الحماسيّ في القصيدة: ثمر السّياط، خيله، الطّراد، سنان،
القناة، حسام، لسيفه.
• المعجم السّياسيّ: كسر، تُبّع، قيصر ← موقع المرثيّ من هؤلاء الحكّام أصحاب
النّفوذ تاريخيّا.
• المعجم القوميّ: الفرس، العرب، الرّوم ← موقع المرثيّ بين الأقوام.
• التّأليف الجزئيّ: مسايرة المتنبّي لشروط التّأبين ← ذكر المناقب، والرّثاء بما كان، وتضخيم صورة المرثيّ، واعتباره وحيد زمانه، لتأكيد قيمته ومنزلته، واعتبار موته خسارة عظيمة على طريقة الجاهليين، ودفعًا للانتقام له.