الحرية والقدر: الحرية في الفكر الإسلامي – بكالوريا آداب
معنى القضاء والقدر:
مع تعدد التّعريفات وتنوّعها تبرز معان أساسيّة يدور حولها مفهوم القضاء والقدر تلخّص في كون القضاء والقدر هو أن نؤمن بأنّ الله تعالى عَلِمَ بالأشياء وكتبها قبل وقوعها وأنَّ ما عَلِمَهُ وما كَتَبَهُ مُتَحَقِّقٌ حتما وفق مشيئته وبخلقه.
حكمه:
الإيمان بالقضاء والقدر كان من أركان العقيدة الإسلاميّة السّتة والإيمان به واجب. حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ” لا يؤمن عبد حتّى يؤمن بالقدر خيره وشرّه حتى يعلم أنّ ما أصابه ما كان ليخطئه وما أخطأه ما كان ليصيبه”. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الخوض في القدر حين قال: ” إذا جاءكم ذكر القدر فأمسكوا”، لأنّ التّنازع في القدر يؤدّي إلى الفتنة والفرقة في الأمة الواحدة وتوهم التعارض في النص القرآني والانشغال عن العبادة.
الاختلاف في القدر:
مقالة الجبريّة في القضاء والقدر وتسمى الجهميّة نسبة لجهم ابن صفوان:
ترتكز مقالتهم على نفي الحرية الإنسانية وإنكار الاختيار وبالتالي فإن الإنسان مسيّر كما اعتبروا أن العبد مجرّد أداة منفّذة لإرادة الله فهو خاضع للحتميّة الكونيّة كغيره من الموجودات حيث شبهته بالرّيشة في مهبّ الرّيح.
وتستند مقالتهم الى جملة من الحجج منها أن التوحيد يقتضي أنّ لا خالق ولا فاعل إلّا الله لأنّه لو قلنا بخلق الإنسان لأفعاله لشارك الله في صفة الخلق وهذا يتنافى مع عقيدة التوحيد، فضلا عن هناك نصوص قرآنيّة ظاهرها الجبر كقوله تعالى:” وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالمَيَنَ”. إضافة إلى تأويل النّصوص الدّالّة على إرادة العبد واختياره على أنّها واردة بمعنى الإنذار والتّحذير كقوله تعالى: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَإِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير” – فصلت 40.
ويمكن نقد هذه المقالة من خلال الإقرار بأنها تلغي إرادة الإنسان وحريّته وفعله وترفع عنه تبعة أفعاله كلها وتحمل القدر عبأها ووزرها فالجبر يؤدّي إلى إسقاط الرّجاء والخوف من العبد ويلغي دور العقل ويقوده إلى الاستسلام والانهزام وهو ما يتنافى مع مفهوم الاستخلاف.
مقالة المعتزلة في القضاء والقدر: (القدريّة):
ترتكز مقالة المعتزلة على إثبات الحرّية للإنسان في اختياره لأفعاله حيث أجمعوا على أنَّ العبد قادر وخالق لفعله خيرا وشرًّا لكنَّ الله يعلمها أزلا وقبل وقوعها. كما أثبتوا أن الإنسان مسؤول ومحاسب على أفعاله لذلك لُقِّبُوا بأهل العدل لأنَّهم أثبتوا العدل لله بتأكيدهم أنَّه يُعَاقب ويُثِيبُ الإنسان حسب فعله…
وقد استند القدرية الى هذه الفكرة من خلال اثباتهم عدم جواز أن يكون الله خالقا لأفعال العباد لأنَّ في أفعالهم الظّلم والجور فلو كان الله خالقا لوجب أن يكون ظالما وجائرا وهو ما يتنافى مع ديننا الإسلامي. كما أن التّفاوت يعني الاختلاف والتّناقض وقوله تعالى:” ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت” ينفي التّفاوت في حكمة الله من الخلق، والتّناقضات الظّاهرة في الطّبيعة منسّقة لا تنافر بينها فهي تحقّق التّكامل لأنّها راجعة إلى حكمة إلهيّة واحدة. بينما أفعال العباد فيها الحسن والقبح، فلا يصح أن تكون مخلوقة لله.
ويمكن نقد المقالة من خلال القول بالحريّة المطلقة للإنسان مخالف للواقع لأنّ الإنسان محكوم بالضّرورات والحتميّات الكونية. كما ان القول بأنّ العبد يخلق أفعاله كلّها يترتب عليه القول بمحدوديّة قدرة الله وهذا لا يستقيم مع الإيمان بالقدرة الإلهيّة الشّاملة.
مقالة الأشاعرة في القضاء والقدر:
يُسَمُّونَ بأهل الحقّ وأهل السنّة وهم أصحاب أبي الحسن علي ابن إسماعيل الأشعريّ ويسمّى المذهب الأشعري أو المذهب الكسبي وقد أُخذت التسمية من قوله تعالى: ” لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت”.
ويرى الاشاعرة أن أفعال العباد عندهم مخلوقة لله خيرا أم شرّا والعبد يكسبها ويحاسب على كسبه. فالكسب هو اقتران قدرة العبد وهي قدرة حادثة بالفعل الذي يروم القيام به دون أن يكون لقدرته أثر في إيجاد الفعل.
وتستند فكرتهم إلى قوله تعالى:” والله خلقكم وما تعملون” الصافات 96، إذ أنّ للعباد أعمال (تعملون) خلافا لقول الجهميّة والآية تثبت أنَّ الله قد أخبر عن نفسه بأنّه خالق أعمال العباد خلافا لقول القدريّة وبالتالي فإن الآية حجّة على بطلان قول الجهميّة والقدريّة.
ويمكن نقد المقالة من خلال القول بأنها تنفي إرادة الإنسان وتلغي حريّته وتهمّش دوره في الكون مع أنّه خليفة الله في الأرض، إذ يرى المعتزلة ومن والاهم أنّ الكسب ليس إلّا جبرا مادامت قدرة الإنسان غير مؤثرّة في إيجاد الفعل. أما في الأخير فقد ضلّ الكسب موقفا غامضا حتى قيل عنه: أخفى من كسب الأشعري.
التصوّر الإسلامي الصحيح للمسألة: فاعليّة الإنسان:
الإنسان فاعل ومصادر القول بقدرته على الفعل عديدة منها:
المصدر النقلي: إذ يتضمن القرآن الكريم آيات الأمر والنهي وهي التي تمثل آيات التكليف وآيات الوعد والوعيد وهي آيات تحميل المسؤولية. وبالتالي فإن التكليف والمسؤولية يثبتان فاعلية الانسان. ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال الآيات التالية:
الإنسان فاعل:
قال تعالى: ” وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ” – سورة النجم
الإنسان مسؤول عن فعله
قال تعالى: ” لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت” – سورة البقرة 286
الحضارة الإنسانيّة لا تتغيّر إلّا إذا توفّرت إرادة بشريّة ذاتيّة. فالإنسان هو باني الحضارة:
قال تعالى:” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” –سورة الرعد 11
المصدر العقلي: يقول ابن رشد:” من وجود الفاعل في الشّاهد استدللنا على وجود الفاعل في الغائب” إذ يستعمل ابن رشد قياس الغائب على الشاهد. فعقيدة المسلمين في الألوهيّة تنطلق من مشاهدة الإنسان ذاته فمن المنطقي أن يكون الشّاهد الذي نقيس عليه متمتعا بنفس ميزة الغائب وهي الفاعليّة.
المصدر الحسي: الملاحظة تدلّ على أنّ الإنسان من خلال نشاطه اليوميّ وما حققه من انجازات فهو يمتلك القدرة على الفعل.
الفهم الواعي للقدر يؤكّد فاعليّة الإنسان في الكون ويدعم التّوكل وينفي التّواكل. فالإنسان مخيّر فيما يعلم ومخيّر فيما لا يعلم لذلك فهو مطالب بمعرفة السنن الكونيّة لتجاوز ضعفه.
أنقد وأبني موقف:
اختلفت الآراء حول حريّة الإنسان بين قائل بالجبر وقائل بالاختيار وآخر يجمع بينهما والواقع يؤكّد أن إرادة الإنسان خاضعة إلى كثير من المؤثّرات كالمؤثّرات البيولوجيّة، النّفسية، الاجتماعيّة، وغيرها…
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني