الحرب العالمية الثانية هي حصيلة لتراكم وتأزّم في الأوضاع العالميّة منذ نهاية الحرب العالميّة الأولى وهي دليل على فشل سياسة الأمن الجماعي. اندلعت هاته الحرب من 1939 إلى 1945 وكانت أكثر شمولا وعالميّة جمعت قارّات عديدة واستعملت فيها أفتك الأسلحة وأكثرها دمارا. فما هي جذور (أسباب) الحرب العالميّة الثّانية؟ وما هي نتائجها؟
أسباب الحرب العالميّة الثّانية:
مخلّفات الحرب العالميّة الأولى وأزمة الثّلاثينات:
خلفت اتفاقيات السّلم في 1919 بذور نزاعات جديدة ومواطن التوتّر ومثّلت الأسباب العميقة لاندلاع الحرب العالميّة الثّانية حيث تم تجاهل جزء هام من مطالب إيطاليا التّرابيّة استغله الفاشيون لتأجيج الشّعور القومي والمطالبة بإعادة تقسيم المستعمرات. كما فقد الإتّحاد السّوفياتي جزء هام من أراضيه وهي مناطق البلطيق. كما برز مشكل الأقليّات في أوروبا الوسطى حيث تكوّنت تشيكوسلوفاكيا في شكل فسيفساء من القوميّات (ألمان – مجريّون – رومانيون..). فيما أجبر الملايين من الألمان على العيش خارج أوطانهم (منطقة السّدات والممر البولوني) وتكبّدها تعويضات قاسية. ومثّلت أزمة الثّلاثينات الاقتصادية سببا من الأسباب الهامّة في هاته الحرب. حيث ساهم اندلاع الحروب النقديّة والتجاريّة (اللّجوء إلى تخفيض العملة – إقامة حواجز جمركيّة…) في توليد أرضيّة ملائمة لوصول النّازيّين إلى السّلطة في ألمانيا. وقد ساهمت هذه النتيجة في تعميق التفاوت بين الدّيمقراطيّات والدّكتاتوريّات خاصة على المستوى الاقتصادي. حيث احتكرت فرنسا وإنقلترا والولايات المتحدة الأمريكية 80% من الاحتياطي الذّهبي في العالم وكونت رصيدا ضخما من العملة الصّعبة وامتلكت إمبراطوريّات استعمارية مكّنتها من مجابهة الأزمة. أمّا كل من ألمانيا وإيطاليا واليابان لجئت إلى القوميّة الاقتصادية وسياسة الاكتفاء الذّاتي وافتقارها إلى المواد الأوّليّة والأسواق دفعها إلى البحث عن المجال الحيوي والمطالبة بتقسيم جديد للمستعمرات.
سياسة الأمن الجماعي من الانفراج إلى التّأزّم:
تحدّيات الدّيكتاتوريّات وتقاربها:
مرّت أوروبا (1924 – 1928) بفترة من الانفراج السّياسي تجلّت في التّقارب الألماني الفرنسي تُوّجَت بإبرام اتفاقية لوكارنو بسويسرا في 1925 أكّدت فيها كل من فرنسا وبلجيكا وألمانيا على احترام الحدود القائمة بضمانات إيطاليّة وإنقليزيّة إضافة إلى قبول ألمانيا في جمعيّة الأمم في سبتمبر 1926.
لكن توتّرت العلاقات من جديد نتيجة أزمة الثّلاثينات الاقتصادية حيث فشلت ندوة جينيف لنزع السّلاح في فيفري 1932 بعد أن رفضت فرنسا حق ألمانيا في المساواة في التّسلّح. ذلك انسحبت ألمانيا من النّدوة ثم من جمعية الأمم في أكتوبر 1933 وشرعت في التّسلّح. أما اليابان فقد رفض الانسحاب من إقليم منشوريا المحتل في ديسمبر سنة 1931 وغادر المنظّمة سنة 1933. فيما فشلت جمعيّة الأمم في معاقبة إيطاليا عندما قامت بغزو إثيوبيا سنة 1935 وغادرت المنظّمة في 1937. وقد أدت هذه الأحداث إلى تقارب ألماني إيطالي وضرب اتفاقية ستريزا التي أبرمت في 1935 التي حددت فرنسا وإيطاليا وإنقلترا بمقتضاها التزامها بمعاهدات السّلم.
وقامت ألمانيا باسترجاع مقاطعة السّار في 1935 وعادت للخدمة العسكريّة الإجباريّة وتسليح منطقة رينانيا المنزوعة السلاح. كما مثلت الحرب الأهليّة الإسبانيّة (1936 – 1939) فرصة جديدة للتّقارب بين الأنظمة الكليانيّة إلّا أن الدّيمقراطيّات التزمت بالحياد. وأبرم اليابان مع ألمانيا الحلف المضاد للشّيوعيّة العالميّة في 1937 انضمت إليها فيما بعد كل من إيطاليا والمجر وإسبانيا .
ضعف الديمقراطيّات وتباعدها:
اهتمت الدّيمقراطيّات بحل مضاعفات أزمة الثّلاثينات مع ميل الرّأي العام إلى السّلم.
فرنسا اتبعت سياسة دفاعيّة مثلها خط ماجينو على الحدود مع ألمانيا.
الولايات المتّحدة الأمريكيّة اتبعت سياسة انعزالية غداة الحرب الكبرى وعدم الانضمام إلى جمعيّة الأمم.
إنقلترا اتبعت سياسة المسالمة والتّهدئة وتقديم التّنازلات خاصّة بعد تولّي نوفيل شمبرلان وزارة الخارجيّة في 1937.فيما انقطعت الدّول الأوروبيّة عن مواصلة تسديد ما عليها من ديون تجاه الولايات المتّحدة.
السّياسة التوسّعيّة لألمانيا النازيّة والسّير نحو الحرب:
شرع هتلر في تطبيق برنامجه الذي ضمّه في كتابي “كفاحي” والمتمثل في نقض معاهدة فرساي وتحقيق المجال الحيوي للشّعب الألماني شرق القارة الأوروبية وضمّ ملايين الجرمانيين الذين يعيشون خارج الرّايخ الألماني وضم النّمسا في 1938. ولم يتلقى هتلر إلا معارضة شفويّة من قبل الدّيمقراطيّات… وطالب هتلر بمنطقة السّدات التّابعة لتشيكوسلوفاكيا (حليفة فرنسا والإتحاد السّوفياتي).
وقد انعقد مؤتمر ميونيخ في 28 سبتمبر 1938 بحضور رئيس حكومة فرنسا دلايي وستمبرلان الوزير الأوّل البريطاني إضافة إلى هتلر وموسوليني والذي انتهى بتلبية مطالب ألمانيا التّرابية وهكذا تبيّنت الأطماع التوسّعيّة لألمانيا وعزمت الدّيمقراطيّات على التّصدّي لها وأيقن الجميع أنّ الحرب وشيكة فانطلق السّباق نحو التحالف. حيث برز الحلف الفولاذي بين ألمانيا وإيطاليا في 31 ماي 1939 ونص على إلحاق ألبانيا بإيطاليا. كما أمضت ألمانيا معاهدة عدم الاعتداء مع الإتّحاد السّوفياتي في أوت 1939 ببنود سريّة تقضي باقتسام بولونيا وعودة دول البلطيق للإتّحاد السّوفياتي.
وفي 01 سبتمبر 1939 اقتحمت الجيوش الألمانيّة الأراضي البولونيّة وأعلنت كل من إنقلترا وفرنسا الحرب على ألمانيا في 3 ديسمبر 1939 فاندلعت بذلك الحرب العالميّة الثّانية بسبب السّياسة التوسّعيّة للأنظمة الكليانيّة.
نتائج الحرب العالمية الثانية:
الخسائر البشرية والاقتصادية:
سقط في هذه الحرب أكثر من 50 مليون قتيل نصفهم من المدنيين فيما بلغ عدد الجرحى 35 مليون جريح نتيجة القصف والإبادة و اعتبرت أكبر كارثة في تاريخ البشرية لكن الخسائر كانت متفاوتة بين البلدان. حيث حضي الإتحاد السوفياتي بخسائر بشرية قدرت بـ20 مليون قتيل أي 11% من السكان أما بولونيا فقط بلغ عدد القتلى 6 ملايين قتيل أي 12% من السكان لـيكون العدد 350 ألف قتيل أي 0.3% من السكان من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية.
أما الخسائر الاقتصادية فتمثلت في تدمير شبه كامل لبعض المدن مثل كوفنتري بإنقلترا، دراسد بألمانيا وهيروشيما باليابان وتدمير البنية التحتية وإتلاف المحاصيل الزّراعية خاصة الإتحاد السوفياتي وأوروبا الوسطى والشرقية. وبذلك خرجت أوروبا منهارة ديمغرافيا واقتصاديا وماليا فيما كانت الولايات المتحدة أكبر مستفيد حيث تخلصت نهائيا من مضاعفات الأزمة الاقتصادية حيث ضاعفت إنتاجها الصناعي بنسبة 75% و80% من رصيد الذهب واحتلت عملتها المرتبة الأولى عالميا على حساب الجنية الإسترليني.
وساعدت الحرب على دفع البحث العلمي والتقني فتعددت الاختراعات مثل الرادار، القنبلة الذرية، وآلات حربية مجهزة بمحركات مثل الدبابات والطائرات والشاحنات والغواصات وحاملات الطائرات.
وقد اهتز الضمير الإنساني لحجم الدمار الذي أدى إلى فترة من الشك في القيم الإنسانية والأخلاقية فظهرت تيارات فكرية جديدة مثل الوجودية والفرويدية.
الخريطة الجديدة للعالم بعد 1945:
غياب مؤتمرات السلم أو إمضاء المعاهدات.
خضعت الخريطة في معظمها إلى الأمر الواقع:
إيطاليا: خسرت كل مستعمراتها.
اليابان: عاد إلى حدود أرخبيله.
الإتحاد السوفياتي: استرجع بلدان البلطيق الثلاثة وجزء من بولونيا التي توسعت غربا على حساب ألمانيا.
ألمانيا رسمت حدودها الشرقية الجديدة على طول نهري أودر نايس Oder Neisse وقسّمت عاصمتها برلين إلى مناطق احتلال بين الحلفاء الأربعة: فرنسا – إنقلترا – الإتحاد السوفياتي – الولايات المتحدة ….
ترحيل الأقليات القومية طبقا للحدود لتجنب المشاكل التي نجمت عن سلم 1919.
نشأة منظمة الأمم المتحدة:
عقد الحلفاء أثناء الحرب عدة ندوات مثل ندوة يالطا بالإتحاد السوفياتي بين 4 و11 فيفري 1945 حظر فيها ستالين وروزفالت وتشرشل… أقرّت بعث منظمة دولية جديدة تم إعلان ميثاقها بمؤتمر سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية في جوان 1945 تدعو إلى الحفاظ على السلم واحترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
الدول الأعضاء
يمثلون الجمعية العامّة ولهم دور استشاري.
مجلس الأمن
تهيمن على قراراته الدول العظمى الخمس دائمة العضوية التي تتمتع بحق النقض “الفيتو”.
ترتبط بالمنظمة عدة منظمات أخرى مثل منظمة اليونسكو ومحكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا ومنظمة الصحة العالمية.
خاتمة
أكدت الحرب العالمية الثانية تراجع أوروبا لفائدة عملاقين جديدين يتنازعان للهيمنة على العالم وهما الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي واستفادت المستعمرات من الظرفية الجديدة للدخول في مرحلة حاسمة من النضال من أجل التحرر.
إقرأ أيضا: المفاهيم والمصطلحات والتعريف بالأعلام في درس الحرب العالمية الثانية – بكالوريا آداب
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني
