شرح قصيدة الجواري المنشآت لابن هانئ الاندلسي – بكالوريا آداب – العربية – الحماسة
التقديم:
ابن هانئ الاندلسي ولد في الاندلس وكان من التشييعين لآل البيت ويبدو انه قد اخذ التشيع عن ابيه الذي كان من الدعاة الذين كلفوا بنشر الدعوة الاسماعلية في الاندلس منذ تأسيس الخلافة الفاطمية سنة 297هجري ولما احس ابن هانئ بالخطر رحل عن الاندلس وانتقل الى بلاط المنصورية بافريقية وخدم المعز لدين الله الفاطمي 15 سنة حيث مدحه فيها بقصائد عديدة ونقل فيها بطولاته.
الموضوع:
مدح ابن هانئ المعز من خلال وصف الاسطول والحراقات.
التقسيم:
من 1 الى 10: وصف سفن المعز وجيشه البحري.
البقية: تخصيص الحراقات بالوصف.
التحليل:
تحليل القسم الاول:
مراجع الصورة وعناصرها:
السفن والملائكة وعناصر الطبيعة (الرياح، النجوم، الغمام…) يبني ابن هانئ المشهد استنادا الى جملة من العناصر المتآلفة وهي السفن المشتملة على الجند والملائكة المعاضدة لها وعناصر الطبيعة رياحا وغماما ورعودا… ويبني الصورة مستهلا اياها بالقسم “أما والجواري المنشآت” وفي القسم اقتباس من النص القران القرآني لقوله تعالى في الايتين: وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام فبأي آلاء ربكما تكذبان”.
تشهد الصورة الشعرية الاقتباس من المشهد الديني وهو ما يعبر عن فرادة الممدوح وتميزه عن الناس بتسخير قوى الغيب والطبيعة له.
المعجم:
الحرب: العدة والعدد والجيش.
الطبيعة: المهى والأسود / الريا / النجوم / السحب / البروق….
يتأكد البعد الحماسي أولا من خلال انعقاده على الحرب معجما لأن فيه تخصيص للسفن الحربية ووظائفها القتالية وابن هانئ لم يكن يصف سفينة بل أسطولا بأكمله (الجواري المنشآت) فاستعمل الجمع بدل المفرد للدلالة على عضمته.
شبه السفن بالقباب (أشرعها بالقباب) وأجسامها بالمهى.
في الصورة استعارة لمعجم بدوي يحول من خلاله ما هو صناعي (السفن) إلى ما هو طبيعي (المهى).
في الصورة جمع لما هو طبيعي وما هو حضاري يخرجها من إطارها الواقعي إلى فضائها التخيلي.
معجم غزلي: صورة المهى والقباب: يستلهم ابن هانئ الصورة من شعر الغزل بالإحاء إلى جمال الموصوف وبتحويل المشهد إلى مشهد احتفالي لأن القباب عادة “ما تكون هوادج” لكن ما انضمت” الاستدراك يعدل بالصورة من مستوى الانزياح الدلالي أي من المجاز إلى الحقيقة فإن ارتبطت القباب بالمهى في الحقيقة فإن قباب ابن هانئ ضمت جنودا.
بُني الانزياح على الاستعارة التي أريد بها المبالغة لإثارة الرهبة والخوف.
هي صورة تقليدية مستمدة من أشعار القدامى يخرج بها ابن هانئ من مجال الغزل إلى مجال الحرب ليثير في النفس حمية واعتزاز بالغلبة والتفوق.
الايقاع:
البحر هو الطويل والروي حرف الدال، يهيء الوصف في المقطع الاول المشهد إلى أجواء ملحمية تدرج فيها الشاعر من وصف السفن وما عليه من عدة وعديد مستندا في ذلك إلى مراجع طبيعية وغيبية ومستفيدا مما في الايقاع من قوة وشدة تعبر عنه الدال المضمومة التي تحاكي دوي الحرقات وصوت الانفجارات.
يتحقق معنى الحماسة في وصف الاسطول البحري الحربي بما يثير من مهابة وجمال من ناحية ومن صولة واقتدار من ناحية أخرى.
من مصادر الصورة أيضا استحضارها للعنصر الغيبي (الملائكة) وهي ميزة أشعار ابن هانئ إذا اعتبرنا أن ممدوحة مكلف إلهيا بإنجاز تلك الحروب لذلك يستلهم الصورة من حروب الفتوحات الاسلامية ومن حروب الرسول حيث ينصر الله عباده “الصالحين” بجند من السماء.
يستلهم ابن هانئ صوره من القرآن وأشعار الجاهلين والتعاليم المذهبية حتى يسهم في إضفاء الحمية الدينية واستثارة روح الجهاد وكأنه يفتح طريقا جديدا لنشر الدعوة أو المذهب.
التشبيه:
كما وقفت الرياح بالكتائب: الصدود بالردود: يزداد المشهد هيبة وعظمة بتسخير قوى الطبيعة وبخروج الصورة الشعربة من تصوير الواقع إلى خلق صورة مخيلة لم ينشأها الشاعر إلا شعرا.
يريد شاعر الحماسة تشكيل مكونات المشهد الحربي بإدخال عناصر جديدة على المشهد من خلال خلق حركية جديدة في العناصر الطبيعية وتحويلها إلى عناصر مشاركة في الفعل الحربي وهو ما يعني أن شعر الحماسة يبنى بالأساس على عناصر غير واقعية تسهم بدورها في خلق أثر في نفس المتلقي.
تشبيه النجوم بالسعود: هو تشبيه بليغ يضفي على الصورة بعدا احتفاليا من خلال ما تشعه النجوم من بريق في السماء يؤدي إلى تناغم المتناقضات في الصورة “بياض الأشرعة وتألق النجوم / ظلمة السماء بالسحب الواعدة بالمطر.
يتداخل في الصورة ماهو طبيعي بما هو حضاري (السفن واشرعتها).
حضرت الحماسة في وصف الاسطول والجندي والقوى الطبيعية والغيبية فكانت المبالغة والتخيل الشعري والتشكيل الجملي وسيلة الشاعر في توقع ذلك المشهد وتحويله سببا يلهب الحماسة ويؤجج الحمية ويثيره في النفس تعشق القوة.
إن اجتماع العناصر الطبيعية والغيبية وتآلفها في مشهد وصف السفن يرتقي بالمشهد الحربي إلى ما يشبه الملحمة ما دامت الملحمة قصة شعرية تُروى في صياغة أدبية مميزة وخيال شعري عجيب.
لا يمكن للأثر الحماسي أن يتحقق في القصيدة إلا من خلال التهويل والاغال في الوصف إذ بالتهويل والتضيخم يستفز الشاعر المتلقي ويصعد انفعالاته النفسية لأن الأثر الحماسي لا يتحقق إلا بحسن التأثير وحسن التأثير لا يتحقق إلا عبر الإجادة في الاحاطة بالصورة وحسن تغيير عباراتها وايقاعها.
تحليل القسم الثاني:
ينزل التشبيه والاستعارة صورة السفن تنزيلا خياليا فيتشكل المشهد في خيال المتلقي لأنه يخالف مراجعه الواقعية ليصبح مرجعا شعريا لا يتحقق إلى في النص.
وصف الحراقات: أنفاسهما سواعد / أفواههما حديد: تشبيه بليغ
قام المقطع على الوصف وبني الوصف على الاستعارة والتشبيه بتحويل السفن آلات حية تقدح نارا وتستهدف الرقاب ما يحي بنجاعة الالة الحربية وقدرتها القتالية الحربية. لذلك حين يرقى الشاعر بالوصف إلى ضرب من التشخيص الأسطولي حتى وكأن الحرقات تصير ككائن أسطوري خارق ينفث نيرانا في نفوس الاعداء.
في التشبيه مبالغة مقصودة غايتها أن تحقق تناغما بين بقية مكونات المشهد الجامعي فتحقق التأثير من خلال القدرة على التعبير.
الحماسة في شعر ابن هانئ يحققها وصف الاسطول البحري وصفا يبرز العظمة والقدرة القتالية لتمجيد مهمة المعز في نصرة الدين والجهاد في سبيل الله. تحقق الوصف من خلال تنويع مراجعه باستحضار العناصر الطبيعية وتسخير الملائكة لوصف ذلك الاسطول الذي تتعاضد فيه التعبئة البشرية المادية والنفسية لتحقيق ذلك الأثر.
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني