ملخص الشحاذ: الشخصيات ورمزياتها
شخصية عمر الحمزاوي: الشحاذ او استجداء نشوة اليقين:
أقيمت الشخصية المحورية في رواية “الشحاذ” على رحلة البحث عن المعنى، إذ لها بدايتها الحاسمة المحددة ونهايتها المحددة، نتلقاه من وعي عمر الحمزاوي، فنتعرف على خلفية القهر الاجتماعي والميتافيزيقي التي تجعل مأساته هو الفردية في ظل زمانه ومكانه مأساة حتمية، كما ترى ذلك لطيفة الزيات. وشخصية عمر الحمزاوي هي شخصية مريضة، وحتى إن لم تكن مريضة، فهي “ذات شذوذ على كل حال” حسب تعبير الناقد التونسي أبي زيان السعدي، وهذا المرض طرأ فجأة على عمر الحمزاوي المحامي، في فترة عمرية تمتاز بالامتلاء وحب الحياة والنهم العاطفي والجنسي، إلى حد أن صديقه الطبيب حامد صبري يقول له:
إنك عملاق بكل معنى الكلمة، كنت طويلا، وبالامتلاء صرت عملاقا.
حيث أن عمر الحمزاوي أثرى بمهنته وكوّن لنفسه مجدا وجاها ومالا وتزوج امرأة أحبها وأحبته، وتحدى بزواجهما النواميس والتقاليد. كما انسجم مع ثورة الضباط الاحرار في 1952 بعد أن كان “الاشتراكي المتطرف” في الجامعة إلا أنه تراجع عن نضاله الثوري ورأى “الدولة الآن اشتراكية مخلصة، وفي هذا الكفاية، بل اعتبر موقفه الثوري القديم لم يعد ضرورة حتمية”. إضافة إلى ذلك فقد كان عمر شاعرا صاحب ديوان شعري إلا أن الشعر مات مع موت المناضل الاشتراكي في نفسه وصار عنده “عبث طفولة لا أكثر ولا أقل” فورثته ابنته بثينة فأصبحت شاعرة هي الأخرى إلى جانب كونها طالبة في العلوم.
كما كان لعمر ثلاثة اصدقاء وهم حامد صبري (الطبيب) ومصطفى المنياوي وعثمان خليل.ومن هنا نفهم سر تأزم شخصية “الشحاذ” فهو قد امتلك كل شيء، وزهد في كل شيء والتفت إلى ذاته يفتش فيها قائلا:
العلم هزم الفن، والشعر خنقه الإنجاز، والثورة حققت الكثير، فهو اليوم ثائر بلا عمل، والحب أصبح حجة شرعية، والعقل افترس الجنون، اتركوني أفر من القالب، دعوني أتخطّ الحدود.
لذلك نجده يصيح في وجه امرأته:” إني أدفع عن نفسي الموت… هذا شيء لا بد منه”. وتاق إلى عالم أرحب وكره الثبات “لأن الثبات ذلك اللعين ينتج الملال” فكره زوجته ولم يعد يرى فيها غير مستنقع من المواد الدهنية ووجها رتيبا ورمزا للمطبخ والبنك، وعنوانا للثراء والجاه، فمضى يبحث عن نشوة، عن معنى لحياته، في المرأة، في الجنس مع مارغريت الراقصة ومع وردة الراقصة أيضا، وفي صحراء الأهرام، وفي عش غرام أقامه وأثثه كأحسن ما يكون التأثيث والكلف بالأبهة والاحتفال بالأشياء، ولكنه اكتشف أن “نشوة الحب لا تدوم ونشوة الجنس أقصر من أن تكون لها أثر” كما عبر عن ذلك في الفصل 13 أي في ثلثي طريق رحلته في البحث عن الذات.
ومن هناك تأزم الشحاذ مجددا وهام على وجهه في الصحاري يبحث عن المنقذ من الضلال وقد تحول إلى صوفي ينشد حلاوة الحقيقة فيدركها مع الفجر في الصحراء، حين ينبثق نور إلاهي يفعم نفسه وروحه إيمانا ويقينا بلا جلال ومنطق فيتقلب في النشوة ويتعلق في جنون بالأفق أملا في تواصل ما أحس أنه أدرك من الغيبة التي كان يطلبها ولكنها كانت لحظة خاطفة سريعة نابعة، بقي بعدها على ظمئ شديد، وعطش جديد إلى الشرب من النبع الصافي.
وتقوى المأساة في نفس “البطل”، عندما يختلف عن كل من حوله: الزوجة زينب والصديق مصطفى وكذلك رفيق الماضي الاشتراكي عثمان، والبنت الشاعرة بثينة، فيهجرهم كي “ينطح الصخر ويجرى وراء لا شيء” إذ لا سبيل إلى التفاهم معهم.
يمضي ليبحث فينتظر وتختلط عليه السبل، ويختلط في نفسه الواقع بالحلم، الطبيعة بالإنسان، الماضي بالحاضر، بالمستقبل… يمضي في أحلامه اليقظة أو في يقظته الحالمة يتخيل “موكب الانسان” وصراعه ضد كل شيء، ويرى ابنه (سمير) في رفيقه عثمان ويأتيه عثمان خليل، وهو في حاله تلك، ليعلمه بزواجه من بثينة (زواج الاشتراكية بالعلم والشعر) وبمطاردة الشرطة له، لذا يرجو منه العودة إلى البيت: حيث الزوجة والأهل والحفيد المنتظر.
وتنتهي رحلة الشحاذ في البحث عن “برد اليقين” وقد تكامل بناء الشخصية، وصبت في نفس البحر كل روافد الأنهار، ولم يبق إلا إصابة عمر برصاصة، (عند محاصرة عثمان)، تطهره من علته، وترده إلى صحوته، فيحس فجأة بالنشوة تعاوده، على نغمات بيت شعري يتردد على مسمعه يناديه إلى الحياة:
إن كنت تريدني فلم هجرتني؟
هكذا تصل الشخصية إلى تمام بنائها فيكون الحل “لا في التفرد والانزواء والانقطاع عن الدنيا” وإنما بالعمل ومحبة الآخرين، والعيش في ظل الجماعة، ولن يستطيع الشحاذ بمدائحه أن يبلغ شيئا ولن يحقق نشوة بالانتظار العقيم والتفرد المقيم على حد تعبير محمود أمين العالم.
هذه إذا تجربة عمر الحمزاوي بأبعادها الاجتماعية والروحية الميتافيزيقية المتشعبة، وبمراحلها المختلفة المتعاقبة، تذكرنا برحلة أبي هريرة للأديب التونسي محمود المسعدي وما آلت إليه من ذوبان في الذات الإلهية، في الحق الذي ناداه، في المطلق اللامحدود، فبقيت مشدودة إلى السماء ولم تعدُ إلى الأرض، بينما عاد نجيب محفوظ بشحاذه إلى الدنيا.
شخصية مصطفى المنياوي: الانتهازية والتسلية:
وردت شخصية مصطفى المنياوي حين يتحدث عنه عمر الحمزاوي إلى صديقه الطبيب، في العيادة أول فصل في الرواية، ويراسله عندما يذهب في إجازة إلى الإسكندرية ليخبره أنه يتقدم نحو شفاء جسماني واضح ولكنه يقترب نفسيا في الوقت نفسه من جنون طريف…. إذ لم تعد تهمه العمارات والأموال، ولا عاد يستهويه النضال القديم “فأيام الجهاد نفسها لم تعد إلا ذكريات منحطة” ومصطفى المنياوي شاهد على قصة حب عمر الحمزاوي وزوجته زينب وعلى كل مغامرات الشحاذ الوجودية منذ أن شعر عمر بالقلق وكره زوجته، ولم يسترد رغبته في العمل، وطفق يبحث عن النشوة الحقيقية في الحب الجديد وخلوات الجنس. بل إن مصطفى نفسه هو الذي هيأ لعمر الاتصالات مع مرغريت أولا ثم مع وردة، بل إنه هو الذي بحث له عن تفسير لهذه المغامرات.
ومن المتناقضات العجيبة أن مصطفى المنياوي الذي واكب مغامرات الشحاذ هو الذي يحاول إرجاعه إلى بيته، ليرى مولوده الجديد، ويهنئه بالعودة، إلا أن الشحاذ وقد لج في بحوثه الفلسفية وانتظار نشوة اليقين يجيبه قائلا:” لم يعد شيء إلى أصله”.
ومعلوم أن مصطفى قد تخلى تماما كما فعل الشحاذ عن طريق الثورة الاشتراكية عندما قامت ثورة 1952، وأنه انصهر في بوتقة البرجوازية المتوسطة، واتبع الصحافة وكتابة المسلسلات وانهمك يثري، ويحيي لنفسه ولعائلته ناسيا ومتناسيا دولة الملايين وحلم المدينة الفاضلة بل قصر همه ووقف رسالته “في الحياة على التسلية” مبررا تراجعه بقوله:
مادامت الدولة تحضن المبادئ التقديمة وتطبقها، أليس من الحكمة أن نهتم بأعمالنا الخاصة؟
وبهذا يكون مصطفى المنياوي نسخة من عمر الحمزاوي، بل هما كما يقول مصطفى التواتي “وجهان متكاملان للمثقف الانتهازي الذي سبق أن مثله رؤوف علوان في رواية “اللص والكلاب” والذي صعد إلى مراكز الثورة وخدمة السلطة القائمة مع ثورة 1952 متنكرا لمبادئه الثورية السابقة.”
ألم يقل مصطفى المنياوي لعثمان خليل عندما خرج من السجن:
إن موقفنا القديم لم يعد ضرورة حتمية… أعني أن الدولة الآن اشتراكية مخلصة، وفي هذا الكفاية…
ولهذا يمكن اعتبار مصطفى المنياوي ظل الشحاذ وملازمه وجزءا من شخصيته، يمثل “رافدا يصب في شخصية عمر” يعتبره عبد الرحمن أبو عوف ممثلا لنموذج الانتهازيين والمساومين وتجار فرص اجتماعية.
شخصية عثمان خليل: مأساة الثائر الفرد:
كانت شخصيته ماثلة في ذهن عمر الحمزاوي وصديقيه الطبيب ومصطفى المنياوي منذ أول الرواية، منذ الفصل الأول، عندما أثار الشحاذ المريض مع الدكتور ذكريات الماضي، فقد جرى حوار علمنا منه أن “عثمان خليل” في السجن مقيم منذ عشرين سنة بسبب آرائه الاشتراكية، وكذلك يسمع صوت عثمان قادما من أعماق ذكريات 1935، في عهد الحرمان والأمل والأسرار والاضطراب المطوق للعباد وأحلام المدينة الفاضلة وهو يرتعش هاتفا:
عثرت على الحل السحري لجميع المشاكل.
على أن حضور عثمان القوي والفعلي، في آن واحد، كان مع مطلع الفصل الخامس عشر حين يفاجئ صديقه (عمر) المحامي في مكتبه، إثر خروجه من السجن، وتبدأ المواجهة بين رفيقين من رفاق النضال: واحد يتنكر لذلك الجهاد وينتمي إلى طبقة أثرت واهتمت بنفسها، ونسيت عهد الحرمان، ولم تعد تعتبر السياسة إلا “دعارة فكرية” ونعني به عمر الحمزاوي، وواحد ثبت على المبدأ وظل صامدا، داخل أسوار السجن، خرج يحكي عن معاملاتهم معه داخله، لائما صاحبه (وكل الرفاق) على الردة والتنكر، مستنكرا صارخا في وجه صاحبيه عمر ومصطفى وكلاهما شخص واحد أو جزء من الآخر:
“يالفداحة الفشل، لا أصدق ماحل بكما من تدهور”
ويقوى حضور عثمان خليل في الفصل 16 إلى حد إعجابه ببثنية (الشعر) فتتعاطف معه في سخر عجيب، ويقوى إيمانه بدولة الملايين وبإمكانية حل مشاكل البشرية (اقتصاديا) وازماتهم (ميتافيزيقيا) بتحقق الاشتراكية.
شخصية حامد صبري: التوازن والاعتدال والعلم والعمل:
هو ثالث أصدقاء الشحاذ، ورابع الجماعة الذين تآلفوا بعد أن تعارفوا في مطلع الثلاثينات، وضمتهم الجامعة المصرية، وجمعتهم المبادئ الوطنية والثورية، وهم طلبة، إلا أنهم بعد مدة تفرقوا.
وقد أصبح حامد صبري طبيبا ماهرا ناجحا يملك عيادة بها قاعة استقبال جميلة، تتوسط أحد جدرانها لوحة رسام موحية، استرعت انتباه عمر، فانجذب معها، وحجرة كشف، وآلات فحص متطورة وأدوات مكتبية نفيسة وأخلاق كريمة، وذاكرة حية. كيف لا وقد عرف بها، سريعا صديقه القديم (عمر الحمزاوي) ولم يره منذ ربع قرن من الزمان.
هي ذي مواصفات “الطبيب الناجح” انتبه إليها المحامي الفذ وبفضل هذه الخصال، تمكنا من التعرف على مرض الشحاذ:
“إنه مرض برجوازي ليس بك مرض… نسيت المشي أو كدت، تأكل فاخر الطعام وتشرب الخمور الجيدة، وترهق نفسك بالعمل لحد الإرهاق، ودماغك دائما مشغول بقضايا الناس وأملاكك، وأخذ القلق يساورك على مستقبل عملك ومصير أموالك…”.
وفي ذلك إشارة كافية لوضع مصر الاجتماعي آنذاك، ولبداية وساوس عمر الحمزاوي. وبفضل خبرة الطبيب، عرفنا الدواء اللازم لعلاج الشحاذ:
“إعتدل في الطعام… قلل من الشراب… التزم برياضة منتظمة كالمشي… والدواء الحقيقي بيدك أنت وحدك…”
كما نصح الطبيب مريضه بأخذ إجازة طويلة على شاطئ الإسكندرية… ولهذا الاعلاج أبعاد عدة في الرواية…. وتدعو شخصية حامد صبري إلى الإيمان بأن الانسان هو سيد سلوكه وتفكيره فهو رجل واقعي لا يسأل عن معنى الحياة ولا يتسول بل هو مؤمن بجدوى العمل ومساعدة الانسان إذ يقول:
“مادمتُ أؤدي خدمة كل ساعة لإنسان هو في حاجة ماسة إليها، فما يكون معنى السؤال؟”.
وهو أخيرا رمز تواصل الماضي والحاضر والمستقبل، حيث يذكّر الشحاذ بماضيه الدراسي والسياسي وحتى الشاعري، ويدعوه إلى التفاؤل قائلا في الرد على كره عمر الحمزاوي للماضي:
“فلتحب المستقبل”.
شخصية زينب: الصبر والإيمان:
هذه الشخصية تثير انتباهنا بصبرها وتجلدها أمام العواصف التي اجتاحت مركب حياتها مع زوجها عمر المحامي، بل لعلها أول الشخصيات التي تحمل تبعات مرض الشحاذ، وتعيش مأساته طولا وعرضا، فتكون بحق رمزا للرصانة والحلم والحب الصادق والصبر على المكروه.
ولقد كان حضورها تبعا لذلك قويا في الرواية: حاضرة إن وُجدت وحاضرة إن غابت: فقد كان عمر قد تعرف عليها، ومعه مصطفى المنياوي، وأحبها وأحبته رغم الاختلاف الديني: فهي مسيحية محافظة تحرص على أداء طقوسها الدينية في الكنيسة وهي مُحتَرَمَةٌ من كل أصحاب عمر. كما أنجبت بنتين (بثينة وجميلة) وهي سيدة حريصة على سعادة بيتها وزوجها محافظة على أملاكه وتندمج في شريحة الطبقة البرجوازية تماما مثل زوجها.
شخصية بثينة: فتاة بشعر أبيها معجبة:
تظهر هذه الشخصية وتتنامى بداية من الفصل الثاني، إلى آخر فصل في الرواية، ونراها أو نستمع إليها في تسعة فصول مع أبيها عمر الحمزاوي “الشحاذ” محاورة لبقة وملاطفة لذقة، ونحسها شاعرة رقيقة، وساحرة أنيقة، فهي فتاة في مقتبل العمر ومرحلة النضج مثقفة، طالبة في إحدى الكليات، تحب الشعر قراءة وتذوقا ومحاولة ومعاناة، ورثته عن أبيها. تجد في ديوان شبابه النبضة التي ماتت “اليوم” فيه… وفي قصائده بداية الطريق فيتواصل فيها ما انفصل عن “الشحاذ”، والشعر رمز إلى ميل الفتاة الفطري الغريزي إلى أبيها.
وتشارك بثينة في جلسات الحوار إلى جانب عمر مع صديقيه حول “دور العلم ودور الشعر” مثلا وحول الاشتراكية وتساهم أيضا في تهدئة خاطر أمها زينب، وتلوم أباها في رفق وتُصوِّبُ من “أخطاءه”، وتسرّي عن والدتها في مرضها وأزمتها، وتتوسل إلى والدها كي يعود إلى البيت بعد طول الهجر. فتقوم هكذا “حكما” يصلح ما فسد ويقوّم ما أعوج. وهي لا تيأس من ايقاظه من غفوته، ومن محاولة إرجاعه إلى الواقع، إلى الدنيا، وهو في شروده وتيهه وحلمه وشبه جنونه، لا يجيب إلا كما يجيب الأصم الأبكم.
وفي حضورها إشارة إلى الطريق الصحيح الذي كان يمكن أن يهتدي إليه الشحاذ، لولا عماه الباطني، وهي أخيرا الفتاة التي تسحر عثمان خليل وتتزوجه وهو ما رمز إلى لقاء النضال والعلم بالشعر.
شخصية مرغريت ووردة: نشوة الجنس أقصر من أن يكون لها أثر:
شخصيتان أخريان من شخوص “الشحاذ” ومن رفاق رحلته في البحث عن معنى لحياته، متسولا. وكان لا بد أن يأتي دورهما، ودور مثيلاتهما، تحقيقا لما أراد الشحاذ أن يدركه في اللذة… وفي مغامرات الحب والجنس: لذلك عبق جو عمر بعبير مرغريت في فصلين هما 7 و12 وتفتحت وردة الحب والإثارة والشعر أيضا في ستة فصول، رأى عمر في مغامراته معها الحل الوحيد لبلوغ النشوة الحقيقية… تسحق الشك والخمول والمرارة وتدفع السؤم والرتابة لذا أحس مع مرغريت أولا، ومع وردة ثانيا، ولفترة من الزمن طالت أشهرا في ملهى كابري، وفي صحراء الهرم، وفي عش الغرام الأنيق أنه آدم في الجنة… ولكن ذلك لم يعمّر طويلا… فقد مل الغرام وعاف الجنس كما مل زينب، وطفق يصرخ باحثا عن النشوة الحقيقية… لقد ود أن يجد إن خانته النشوة المنشودة، بديلا في لذة الجنس السحرية، ولكن “نشوة الحب لا تدوم ونشوة الجنس أقصر من أن يكون لها أثر”… فعاودته العلة واشتد به المرض ولا دواء….
شخصية سمير: فليحمه اسمه من الضجر:
تنتهي رواية الشحاذ بعودة عمر الحمزاوي إلى الحياة على نغمة بيت شعر تردد في سمعه كثيرا:
“إن كنت تريدني فلم هجرتني؟”
وذلك بعد أن أنجبت زينب لزوجها وليدا سموه “سميرا”… ولكن ماهي ظروف مجيء هذا المولود؟ وإلى ما رمز به نجيب محفوظ؟ أول ما نعلم أن زينب حملت به ذات يوم “أثناء تلك الحياة العقيمة” في حياتها مع زوجها عمر، وقد طرأ عليه مرض مفاجئ لم يعثر له على سبب محسوس، لكنه بدأ معه إثر جملة قالها له أحد موكليه كما نعلم:
“المهم أن نكسب القضية، ألسنا نعيش حياتنا ونحن نعلم أن الله سيأخذها؟”
“شَعُرَتْ بالجنين يدبُّ في أحشائها، فأخبرته، وهي تخفض البصر:
“الراجح أنني حبلى”.
فامتعض عمر وأحست هي بامتعاضه فقالت له بهدوء: “يا عزيزي، أمر الله فوق كل تدبير”. ثم قالت له وهي تشد على ذراعه: “وأنت لم تنعم بعد بولي العهد”.
إذن فواضح أن سمير، كان أملا في حياة زينب وقلقا يضاف إلى قلق “الشحاذ”، لذا حملت به أمه “لكي تنعكس النعمة المتناقضة” على حياة عمر… فلقد سمع دقات ناقوس الإنذار وقال لنفسه:” إنه بشيء من الشراب سيطردُ الفتور ويمثل دور الحب، كما يمثل الزوجية والصحة”.
وظلت حياة عمر تتأزم ومعها يكبر الحَمْلُ على زينب ويثقل الحِمْل، حتى إذا جاءها المخاض في المستشفى، إعلانا عن ميلاد جديد، انبثق للشحاذ نور في الأفق، ذات فجر في الصحراء، توجه في وجدانه الراكد حتى تخيل أنه وجد النشوة المفقودة، وتتنامى شخصية الجنين مشحونة بالرموز، فإذا هو محور اهتمام الجميع في المستشفى، من أجله يزور عمر زينب بعد فراق طويل وهجر مرير.
احصل على الدروس عن طريق البريد الالكتروني