عالم المواجد لا يمثلني

نهتني! نبهتني! حذرتني! و قالت إبتعدي ، قالت لا تأتي لعالمنا عالم المواجد الذي سيطر عليه الأسود …

عالم الظلام الدائم …

قالت منيتنا نحن ضحكة من الجنان لا من العقل …

قالت لا تلمسي جدراننا فيصعقك داؤنا البراق …

يجذبك كالمغناطيس تلقائيا فنحن أناس عاجزون …

تتحكم فينا تلك الخيوط …

تجعلنا رهينة تحت سلطتها لا نستطيع التمرد والعصيان…

فإرادتنا ضعيفة وثقتنا بأنفسنا أضعف،…

ألم تري جواريا وعبيدا عصوا سلطانهم وكانت معاقبتهم الرقي؟ …

طبعا لا …

هكذا نحن مسجونون في زنزانة تحت حكم سلطاننا القدر …

نحن عالقين بين سماء وأرض نندب أحلامنا الحمقى ونبكي على زماننا الذي حبسنا هنا! …

في هذا المكان تحديدا قتلت أرواحنا، …

إنتحرت ضمائرنا فماتت قلوبنا ودفنت نبضاتنا فالبقاء لله وحده ..

ها نحن جثة هامدة على وجه الأرض لا فائدة منا …

ولنا غير أننا نحول الأكسيجين لكربون فتنفع الأشجار لتعيش، …

مصيرنا هكذا وقدرنا فرض سلطته علينا …

قالت فرمانه نبقي عالمنا داخليا …

نغطيه بلحاف أبيض هي ضحكة مرسومة على شفاهنا يصطنعها العقل ليهزم أعدائه ويضع الكرامة أمامهم جميعا …

فسلاما عليهم كأنهم لم يخلقو…

أما الكرامة فهي سلاحنا نحارب به ونبقيه وشما في جبيننا ..

قالت أيضا لنا الصبر هو المخدر الذي نحقن به أنفسنا لتسكن ألامنا ولعلها ترتاح وكالعادة نتفاجئ بصعقات تتلف كل جذور الأمل لتزرع الحقد والشراسة فينا إذ يصبح الإنتقام منيتنا الثانية، …

قالت خلف ذلك المزلاج أرواح تزهق تعبت من ضربات الدنيا المتتالية التي تعجمنا على الصبر فكأن الساعة والقدر تشايعا علينا ونطقوا الأحكام، …

بحثنا كثيرا عن ذريعة تخرجنا من هذه الزنزانة ولكن الأكواب تغلق البوابات إذ بمجرد لمسنا الباب نصعق بصوت قوي يقول  » إياك  » فنتراجع لنعلن فشلنا ..

طوال الوقت ننظر إلى الحديد الذي سجننا حجب علينا التنفس، …

أردنا التحليق عاليا كحمامة تكاد تمس السحاب بجناحين بريئتين يحملانها عاليا، …

قالت أردنا أن نضحك من قلوبنا ضحكة تمزق ضلوعنا وتهدم أحزاننا، …

أرددنا أن ندهس على غابرنا فنعيش حاضرا مليئا بالسعادة والحبور،…

نجمع الحجارات التي تعترض طريقنا ونبني درجا نصعد به للأعلى حيث اللهو والإستمتاع بالحياة،…

أردنا الوردي لا الأسود،

تمنينا العرش لا الزنزانة،

نرسم ضحكة لا دمعة ..

ولكن دفنت تلك الأماني وخبأت خلف ستار ننظر إليها يوميا فنموت قهرا …

قالت ابتعدي عيشي استمتعي لا تتركي عثرات الحياة تلتهمك .

أذكر يوما قالت لي بصوت خافت يملئه الحسد كأنها تريد أن تأتي مكاني وتعيش عيشتي اذهبي سيدتي ولا تلامسي هذا العالم ضلي بعيدة وغني له وإياك ثم إياك الدخول حتى ولو سمح الله دخلت فإعلمي أن الإنتقام عنوانك ….

كان هذا كلامها الذي لازال يردد على مسمعي وأذكر ملامحها وضحكتها السخرية من نفسها…

لم أكترث لكلامها الذي ظلت تعيده لي ألاف المرات حتى دقت الساعة وجاء اليوم المعهود الذي عرفت فيه قيمة ذلك الكلام .

اقتربت من ذلك الباب بخطى مترددة وصوت يزهق من الداخل « تراجعي  » لم أتراجع بل لمست جدرانه فإذا هي كثيرة السواد كالفحم ويخرج منه بخار شديد السواد …

نزلت على المزلاج والنضال بين العقل والقلب لا يزال قائما وذاك الصدى يتكرر على مسمعي كثيرا …

إذ سمعت صوتا كالبرق يقول  » شرفتينا أيتها الآنسة مرحبا بك في عالم المواجد  » …

ثم ضحك مما جعل المكان يعيد تلك الضحكة المزعجة التي ضلت ترن في أذني ،

خفت كثيرا وعقدت كفي أخذت نفسا وواصلت التقدم حتى فتح لي الباب هناك رأيت أغرب ما في الخيال أناس يرتدون الأسود كأنهم في حداد ،

جدران مطلية بالأسود والمكان موحش للغاية فناديت « …. » أجابتني  » ااه !! أنت ! و ما الذي أتى بك ؟ اخرجي في الحال « 

قالت هذا بصوت غاضب،

صعقت من كلامها ومن المشهد الذي أراه فقلت في نفسي  » أخرجي إنتصار هذا ليس مكانك  » …

حينها أخذت أركض بسرعة شبيهة بسرعة البرق لأرى النور ثانية وأستنشق الهواء المنعش فأسمع موسيقى هادئة تلك التي أعشقها  » Let go  » لأصرخ صرخة مزقت أحشائي هي صرخة الإنتصار، نعم في الأخير كان الإنتصار عنواني و لن أنكسر أبدا ما حييت …

بقلم التلميذة: انتصار العياري – معهد ابن زهر تستور