قمر حياتي

كيف للمرء نسيان دموع إنسان يعني له الحياة بأكملها ؟

و لازلت أذكر يا أبتي تلك الأنهار التي نزلت من عينيك الزيتونية كزخات الودق تتهاطل على ذلك الوجه المكلثم الذي كسته التجاعيد لتخترق حاجز العين وترمل نحو وجنتين قاتمتين دهستهما شواطئ الزمان فأخذت حمرتها أخذت شبابها وريعانها لتزرع عليها ليلا باخعا أبديا لن ينزع ما حييت…

كل هذا أعان جهودك و نضالاتك مع أم الدرن التي عجمتك على الصبر يا أبتي .. أي ثغور غرست في بدنك؟ أي خناجر زرعت في جنانك؟ أي أسهم اخترقت جسمك؟ أي سكاكين قطعت فؤادك؟

فلا أراك إلا خيطا تكاد تحمله العواصف فتصمد معتصما بالدنيا و تجمع شظايا قلبك المحطم لتبني سلما لا تصعد به أنت بل تدفعنا نحن بقوة إليه لنصعد عاليا هناك حيث الضوء الساطع المنير الذي يضيء الطريق

ويرسم ألوانا كألوان قوس قزح أردت فقط وكانت منيتك يا أبي إخراجنا من الأسود العاتم والظلام الأبدي إلى النور والمستقبل فحملت الأوزار والحمل الوبيل على ظهرك وهتافك داخلي لا يسمعه آدمي غيرنا ترضى البقاء لوحدك في القيظ تحترق كشمعة أحرقت نفسها لتضيء على غيرها عتمته ولكن ظلمتنا من دونك يا جناني ..

أبعدتنا عن الدرن والدروب الشائكة وأوصيتنا بالصلاح والهداية فرسمت لي طريقا طويلا لونته بأسلوبك الشخصي وقلت: « اتبعي هذا الطريق ولا تنحرفي يا ابنتي » كلامك ذاك مازال يتردد كالصدى في أذني وكلما جنحت للفساد جاءني صوتك وتكرر مئات الآلاف في نفسي فأعود لطريقنا وأواصل سيري حتى إذا ما تعبت أتنحى جانبا لأرتاح قليلا لأتفاجئ بدفعاتك وصراخك في وجهي حجة المواصلة وحقيقة المستقبل فأعود طريقي وأواصل قدومي .

سألتك بالله يا أبتي لماذا تخفي تلك الدموع خلف ابتسامة مصطنعة أمامي! أو لست طفلتك! كنت أفقه جيدا بذلك النضال القائم داخلك لأجلنا ولسعادتنا أنت فخر لي يا عظيم، أرهقك بالمطالب والتمني فلا أراك سوى باذلا الخير لي.

لم أنسى يا أبتي ذلك اليوم الذي رأيت لوهلة دموع سكنت عيناك حينها غرس خنجر في فؤادي فدهسه وحطمه ليصبح مضغة ترك ثغور لم يستطع قطار الزمان دوائها، في ذلك اليوم قبضت روحي فأحسست كأن أحدا معتصما بي إلى حد الإختناق لا أخفي عليك فقد كان أسوأ أيامي وأسودها صمتت صمت الليالي أبحث عن ذريعة أستعيد بها روحي فأخذت أجمع شظايا قلبي المحطم وأحاول سد تلك الثغور ..

أتعلم يا أبتي ما حدثه عقلي لقلبي؟ حينها فقط قطعت وعدا أبديا لن أخلف به ما حييت، وعدا أكرس حياتي لأجله وأصمد لآخر أنفاسي حتى أحققه …..

لن تبكي ثانية يا فؤادي! لن تبكي مادمت أتنفس فلن يكسرك أحد، ولن يدهسك آدمي مادامت ابنتك على قيد الحياة ..

أحبك بعدد ذرات جسدي.
أحبك بعدد ذرات الرمل.
أحبك بعدد أشجار الكون.


أحبك بعدد الطيور التي تهاجر في الشتاء
أحبك بعدد النجوم.
أحبك بحجم أنفاس العالم.


أحبك يا قمر تربع على عرش سمائي
أحبك يا شمس أضيئت حياتي.
أحبك يا من مسك الأشواك بيده لأجلي


أحبك يا من قدم لي عمره لإسعادي.
أحبك يا من سقى ورودي الذابلة بدموع عينينه
هيا أيها الحزن .. هيا أيتها العتمات … هيا أيتها المواجد … حلقي بعيدا، بعيدا عن عالمنا فنحن لا نهابكم…

وهيا أيتها الأفراح… هيا أيتها الألوان لوني حياتنا و اسمعي ندائنا من أعماق المحيطا

بقلم التلميذة: انتصار العياري – معهد ابن زهر تستور